للشؤون الثقافية، وبمساهمة شركة فسفاط قفصة، وبحضور ضيوف المهرجان من فنانين وشعراء شعبيين، من تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وليبيا، وعدد هام من جمهور العائلات من مختلف الشرائح العمرية، الذين توافدوا على فضاء العروض، لمتابعة فعاليات اليوم الأول.
ارتأى المنظمون أن يكون الافتتاح الرسمي للمهرجان بالاحواض الرومانية، لرمزيتها التاريخية، ومكانتها في الذاكرة الشعبية، التي عرفت «بواد الباي» حيث تتدفق المياه داخل هذه الاحواض، التي استغلها ابناء الجهة كفضاء للسباحة في فصل الصيف، والقفز الى المياه من المباني العالية، ومن النخلة المتواجدة بالمكان، والواقعة بين ثنايا المدينة العتيقة، التي حين تدخلها يسكنك الحنين، فتقف اجلالا عند بوابة الحلم الجميل، تحيي مدينة ترتوي من شريان التاريخ، مزيج من الالفة والدفء يجعلك اسير سحرها، حركة الحياة بطيئة جميلة الايقاع، فتمضي في ازقتها ومنعرجاتها، مبهورا مسحورا في هدوء الناسك وحيرة المشتاق. بين هذه الاحواض الرومانية المتميزة بمعمارها، ومياهها التي كانت تتدفق من رحم الارض، واصبحت اليوم تتدفق بطريقة اصطناعية، تم تصميم ديكور تقليدي يتماهى واهمية هذه التظاهرة، وخصوصياتها التراثية والتقليدية والثقافية الفنية، انتظمت فعاليات الدورة الثانية لمهرجان الڤوال، بتقديم الضيوف، ثم فسح المجال للفنان البدوي السبت الرداوي، الذي امتع الجمهور رفقة القصاب وليد السندي بوصلة من الاغاني التراثية البدوية، المعروفة بجهة قفصة، الى جانب قراءات الشاعر الشعبي محمد الغزال الكثيري، تابع على اثرها جمهور المهرجان عرض الحكواتي، «جنّات» لجمعية ناس للمسرح، عن نص للمسرحي الطاهر رضواني تمثيل كمال البوزيدي، وانشاد عماد الحناشي، بمساعدة فنية من شكري السماوي، والفاضل الخنوسي، ومحمد السعيدي، وشهاب مقداد.
هذا العمل المسرحي الفرجوي، الذي يندرج في اطار فن الرواية الشعبية الغنائية الشفاهية، شهد جملة من التعديلات مقارنة بالعروض الاولى، حيث تميز بالخصوص بنبرات المسرحي والحكواتي كمال بوزيدي الصوتية، الجميلة والمعبرة، والتي كان يطوعها وفق المواقف والاحداث، اضافة الى الاحساس بالقيم والالحان، التي كانت تقدمها فرقة المنشد عماد الحناشي، هذه الفرقة التي استفادت من مسيرتها الثرية والمتنوعة، من خلال مختلف الاعمال والمشاريع الدينية والطرقية، التي تقدمها في مختلف المناسبات، مما ساهم بقسط وافر في نجاح العرض، الذي تفاعل الجمهور مع القصة الشعبية التي تدور حولها الاحداث، وهي قصة «جنّات» حكاية حب وعشق في زمن عادات التسلط والقطيعة، والعلاقات المتوترة بين القبائل والعائلات، علاقة لا يمكن لها ان تتواصل، حتى ولو كانت النتيجة الموت، وحكاية «جنّات» المعروفة في الاوساط الشعبية، ليست الوحيدة فمثيلاتها كثر، في مناطق عربية مختلفة، وهي حكايات وقصص تحولت الى اغان، على غرار حكاية «حيزية» في الجزائر والتي تغنى بها الثنائي احمد الخليفي ورابح درياسة.
وخلال اليوم الثاني للمهرجان تواصلت الفعاليات بفضاء الزهراء للافراح، حيث كان الموعد مع الحكواتي العروسي الزبيدي من تونس، والحكواتي الموريتاني يحي ولد الراجل، وتتواصل خلال اليوم الرابع الثلاثاء 6 جوان وبالاحواض الرومانية، عروض الحكواتي لنعيمة محايلية من الجزائر، وعبد الفتاح عشيق وفرقة الكواليس، الى جانب الشعراء: بلقاسم ين عبد اللطيف المرزوقي من تونس، وبن سعدة خالد الوليد، وبن حمزة ميلود من الجزائر.
ويعد مهرجان الڤوال المغاربي، الذي تختتم فعاليات دورته الثانية يوم الاربعاء 7 جوان، من التظاهرات الفريدة من نوعها التي تعنى بالتراث الفني والغنائي الشفوي، هذا المخزون الحضاري والثقافي، الذي يمكن استغلاله لدفع الحركة الاقتصادية والاجتماعية في المجال السياحي بجهة قفصة، هذه المدينة المتمسكة بعاداتها وتقاليدها وبمخزونها التراثي والمتميزة برصيدها الثقافي الثري والمتنوع،الذي تبرزه المهرجانات والتظاهرات التي تنتظم على مدار السنة، بمختلف مناطق الولاية، وفي اطار العلاقة التشاركية بين المندوبية الجهوية للشؤون الثقافية والجمعيات والهيئات الثقافية، والتي ساهمت في تعدد وتنوع البرامج والانشطة، على غرار هذا المهرجان الذي استفاد ايضا من خدمات مركز الفنون الدرامية والركحية، والتفاف عديد المبدعين والمسرحيين حول الهيئة المنظمة، وجمعية ناس للمسرح، التي لم تتوقف عند الانتاج المسرحي فقط، فدخلت غمار تنظيم التظاهرات الثقافية الفرجوية مما جعلها تكتسب مصداقية عالية بالاوساط المسرحية والثقافية داخل تونس وخارجها، من خلال مشاركاتها المتعددة، لا سيما ضمن بعض التظاهرات المسرحية بالجزائر، واحرازها على عديد الجوائز عن عملها الحكواتي «جنّات» بالخصوص.