تدشين مكتبة علي الدوعاجي في مركز الاتصال الثقافي: المستحيل ليس تونسيا وكلنا عابرون ووحدها الأفكار باقية

كانت تسمى المدرسة الصالحية وهي من اواخر مدارس سكنى الطلبة التي اقيمت بمدينة تونس وكانت مقام الطلبة الزيتونيين، اسست المدرسة الصالحية عام 1937 وتنسب الى مؤسسها الوكيل محمد الصالحي وتقع بنهج سيدي بن عروس في قلب المدينة العتيقة وهذا النهج يؤدي الى جامع الزيتونة

تركت لسنوات مهملة لحدّ أن سكنتها القوارض، وفي 2016 أصبح اسمها المركز التونسي للاتصال الثقافي وافتتح وزير الشؤون الثقافية مساء 31ماي 2017 مكتبة علي الدوعاجي بالمركز.
مكتبة علي الدوعاجي مكتبة تضم الكثير من المؤلفات في فنون مختلفة مكتبة انقذ افتتاحها الكثير من الكتب من الاتلاف وأعادت الحياة للغرفة الصامتة لتزخر بأجمل الكتابات العلمية والابداعية في المركز الوطني للاتصال الثقافي الذي يسعى الى تاثيث المشهدين الاعلامي

والثقافي بأجود المؤلفات والدراسات
هنا تجتمع كل الفنون وتتشكل الاحلام
وسط المدينة العتيقة، تفوح رائحة القهوة مشفوعة بالفل والياسمين، لشهر رمضان سرّه وسحره في المدينة العتيقة جميع الانهج بها حركية غير عادية، اخر نهج سيدي بن عروس وقبالة دار الفنان وسط المقاهي وتلك الحركية الرمضانية يوجد الفضاء «اتلحلم» فضاء المركز الوطني للاتصال الثقافي الذي عاش مساء 31ماي على وقع افتتاح مكتبة علي الدوعاجي بالفضاء.

رواق طويل فرش بالسجاد الاحمر وزينت الحيطان بأجمل الرسومات، رسومات وضعت فوق لون اصفر بدا متناسقا مع الديكور العام للفضاء، بمجرد ان تقف امام الباب الازرق الكبير ستتساءل حتما كيف تحولت تلك الخرابة الى فضاء بهذا الجمال؟ كيف لمكان مهمل كانت تسكنه الفئران والقوارض ان يصبح فضاء ثقافيا بهذا الجمال.

منذ البداية ستحلم حتما مع تلك الرسومات الجميلة لثمانية فنون كما قال راسمها بلال روايحي، واصل المسير دع الفرشاة والألوان والسينما والكتاب فلازال الكثير الى الاكتشاف، خطوة اثنتان ثلاثة، عشرة ستجدك في بهو مربع الشكل وككل المنازل التقليدية تكون «الوسطية» مركز الاحداث واللّقاء، جميع الابواب طليت باللون الأزرق ورش فوقه القليل من الاصفر، وكل الابواب حملت كلمات او مقولات لأشهر المبدعين التونسيين، الى يمينك اول الابواب باب مكتبة علي الدوعاجي مرفوقا بعبارة «نساء بلادي نساء ونصف» للخالد محمد الصغير اولا احمد.

لكل حائط رسمة خاصة، جميعها تصب في خانة الفنون، فهذه راقصة بالي، يقابلها رسام امام لوحته البيضاء وفي الركن قارئة الكتب تبدو شاردة منهمكة في التهام رواية ما ربما «سهرت منه الليالي» لعلي الدوعاجي، في المركز الثقافي للاتصال الثقافي اتحد اللون بالحلم، تماهي الاسمنت والكتب اختلطت الاقلام مع الطلاء، اصبح ممكنا «ان نرسم لجدران الفضاء هوية جمالية تدير اعناق المارين امام البناية التي كانت مهملة» على حد تعبير ناجي الخشناوي مدير المركز، هناك عادت الحياة الى الفضاء ومعها عاد الحلم وبعثت الروح في الغرف المغلقة التي سكنها كبار المبدعين التونسيين.

لكل رسمة حكاية، جميعها رسمها بلال روايحي ضمن برنامج نحن هنا من قلبه كما يقال، لكل الرسومات اسرارها وكلها تدفعك للبحث ومحاولة اكتشاف ما تخبئه واحد، ،اثنان، ثلاثة، خمسة عشرة هو عدد الدرجات المؤدي الى الجزء العلوي للفضاء، اول الغرف ستقف امامها طويلا وتسال اهنا كتبت اجمل القصائد اهنا انبعث الخيال الشعري جامحا عند شاعر الانسانية ليطوق الفضاء بإرادته التي استجاب لها القدر:
هل في هذه الغرفة كتب « وَقَالَتْ لِيَ الأَرْضُ – لَمَّا سَأَلْتُ : .. ” أَيَـا أُمُّ هَلْ تَكْرَهِينَ البَشَر؟”

أُبَارِكُ في النَّاسِ أَهْلَ الطُّمُوحِ .. وَمَنْ يَسْتَلِـذُّ رُكُوبَ الخَطَـر
وأَلْعَنُ مَنْ لا يُمَاشِي الزَّمَـانَ .. وَيَقْنَعُ بِالعَيْـشِ عَيْشِ الحَجَر
هُوَ الكَوْنُ حَيٌّ ، يُحِـبُّ الحَيَاةَ .. وَيَحْتَقِرُ الْمَيْتَ مَهْمَا كَـبُر

أولى الغرف سكنها ابو القاتسم الشابي حينما كان طالبا زيتونيا، هذه الغرفة شهدت ميلاد اجمل القصائد التي كتبها الشابي في تلك الفترة، الغرفة شهدت حواراته مع مصطفى خريف والطاهر الحداد وحديث عن تونس كيف هي وكيف يريدونها.
هنا في هذا الفضاء الذي كان يسمى المدرسة الصالحية سكن علي بن عياد المسرحي والأستاذ احمد صوة وعام 1954 - 1955 أثناء الخلاف البورقيبي واليوسفي وصعود «صوت الطالب الزيتوني» في تلك الفترة الشيخ محمد البدوي العامري كان يسكن هنا ايضا في تلك الفترة المطالبة بجامعة زيتونية حديثة.

هنا كانت قاعة العمليات لمظاهرات وإصلاح التعليم الزيتوني وتعصيره، والمرحوم الكاتب عبد الرحمان عبيد سكن هنا ايضا وأثث رواية «المدرسة الصالحية» كتبت هنا، انا ايضا سكنت هنا عام 1961، كنت خائفا من مغادرة الدراسة، قدمت مطلبا وقبل مطلبي و سكنت هنا في الصالحية لمدة سنوات، فهذا المكان مرّ عليه العديد من الزيتونيين والصادقيين والتقنيين والأدباء والحالمين» كما جاء في شهادة حية للكاتب جلول عزونة.

مكتبة علي الدوعاجي
ليس المستحيل ثقافيا، يبدو الامر مستحيلا الى ان يتم انجازه، مثّل هذا الشعار ديدننا ونبراسنا بل كان معولنا الحقيقي الذي نرفعه كل يوم في وجه البؤس والموت والجاثمين بين جدران المركز الوطني للاتصال الثقافي، فالبنيانة التي كانت ايلة للسقوط كانت كافية لوحدها لتجعل النفور من المكان قاعدة لا محيد عنها بعد ان سكنته القوارض والفئران والحشرات وانفردت بوليمة الكتب والمجلدات» هكذا قال ناجي الخشناوي في كلمته عن الفضاء قبل ان تجتمع الرغبة والحلم في اعادة تهيئته ويكون كما هو اليوم وتفتتح مكتبة علي الدوعاجي و توزع الكتب على مكتبات البلاد وسجونها.

بابها كتب عليه شعر لابو القاسم الشابي، ازرق كإخوته وزينة صفراء اتحدت مع الازرق، اول الابواب على يمين الزائر هي مكتبة «علي الدوعاجي» مكتبة تحمل اسم علامة ادبي كان كاتبا وشاعرا وزجالا واعلاميا ورائدا للادب الفكاهي، قبل المكتبة هناك بطاقة تعريف للكاتب ربما خطها غير واضح ولكنها تشير الى ان الدوعاجي كان ممن يتردد على المجالس الادبية واتصل بالشابي والطاهر الحداد و زين العابدين السنوسي .

المكتبة من الداخل طلاءها أبيض وكتب على جدرانها مجموعة من القولات للدوعاجي ومنها « بالفن نتقدم» و «كلنا اشواق لوطننا» و«حياة الاديب وأثره شيئان لا يفترقان» اما ما تحتويه فالكثير من الابداع في فنون مختلفة، وتحتوي مكتبة علي الدوعاجي في المركز الوطني للاتصال الثقافي المفتوحة لجميع الباحثين والمثقفين والطلبة والتلاميذ المهتمين بالكتاب 4508 مصنفا باللغة العربية وتتوزع كالتالي، 539 كتابا عموميا و 184 فلسفة و 216 كتابا في الديــــن و1141 كتابا في العلوم الاجتماعية و 118 كتابا في اللغة و 58 كتابا في العـلـوم الصحيحـــة و115 في العلوم التطبيـقية و389 في الفــنون الجمــيلة و 426 كتابا في الاداب و768 في النصوص و237 قصة.

في مساء رمضاني يعبق بفل وياسمين المدينة العتيقة كان الموعد مع افتتاح مكتبة علي الدوعاجي وستتواصل اللقاءات الفنية في مركز الاتصال الثقفي مع الدورة الثانية لمهرجان ليالي الصالحية الذي سيكون من 7 إلى 17جوان.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115