العرض الأول لمسرحية «المخفوقة» لمنال عبد القوي: خلقت المرأة لتكون متمرّدة ...

هي الفاعلة و المتحكمة في مصيرها، هي صاحبة الرأي والسداد، هي المرأة الرافضة للموجود والباحثة عن المنشود، هي من امنت بالفن واختارته طريقها، هي من عاندت المجتمع المحافظ ودرست المسرح

وقررت ان تكون ممثلة، هي من انخرطت في المشهد المسرحي ونسيت ان تتزوج وأصبح التمثيل تهمة يحاسبها عليها مجتمعها المحافظ هي من كان والدها سندها ارادت ان تهديه نجاحها فسبقتها المنية، هي «المخفوقة بنت بوها» منال عبد القوي التي امتعت وأبكت جمهور المونديال في العرض الاول لمسرحيتها «المخفوقة».

«المخفوقة بنت بوها» بيوغرافيا انطلقت من طفولة منال عبد القوي وقدمت صورة عن المراة في المجتمعات المحافظة وما تعانيه خاصة المرأة التي اختارت المسرح طريقا، مسرحية قدمت في عرض خاص هدية لوالدها، شاركها في كتابة النص جلال الدين السعدي وتولى الاخراج منير العرقي، المخفوفة مونودراما تحضر فيها الكوميديا والتراجيديا والكثير من النقد.

ولدت..لأكون حرة وفاعلة
من الطفولة تنطلق الحكاية، من ذاكرة منال عبد القوي تكون المسرحية التي كتبت بطريقة كوميدية ولكن في عرضها الاول قدمت وسط عبرات الفنانة بعد وفاة والدها سندها الاول والداعم لها حينما ارادت دراسة المسرح.

وأكدت منال عبد القوي ان اختيار العنوان مقصود اذ «اخترنا هذا العنوان بالذات لان الشخصية المحورية في هذه المسرحية هي الفتاة «الخفيفة» التي اختارت لنفسها طريقا صعبا ومحفوفا بالمخاطر نظرا لعدم تقبّل المجتمع التونسي عموما لفكرة المرأة الفنانة لسنوات جعلت زينة المخفوقة تروي لنا قصتها في الحياة والحب والفن من خلال لوحات تمثيلية ثريّة بالموسيقى والرقص والكوميديا».

زينة الركح بسيطة، كرسي ومرآة وحامل ملابس، و»كليم» الذي تفترشه النسوة في البيت، تتقمص منال عبد القوي العديد من الشخصيات لتنقل صورة عن واقع الفتاة في المجتمعات المحافظة.

هي «زينة» فتاة تونسية تحديدا من جزيرة جربة، فتاة ضحوك، :مخفوقة» ترقص في كل الاعراس ، تغني دوما، تضحك لا تبالي بالعادات ولا التقاليد الى ان فطنت بها العائلة انها تمارس المسرح في المعهد فتجازى بـ«طريحة» حتى تتوب عن المسرح ولكن محبة الفن تكبر في نفس طفلتنا حد التماهي وتقرر ان تدرس «المسرح» في المعهد العالي للفن المسرحي بعد الباكالوريا.

حينها يكون الرفض من الجميع اولها امها « اش بنقول للناس، ابنتي ستدرس التمثيل، ابنتي ستدرس الرقص، ماذا ساقول» كلمات لوم ومعها نصيب من النواح التذكير بأمجاد الجارات والصديقات كما تفعل الامهات عادة.

ولكن «زينة» تلك العنيدة تصر على دراسة المسرح ويكون والدها الداعم الوحيد، لتنتقل الممثلة الى حياة اخرى في الجامعة، حركات منال عبد القوي على الركح، رقصها، غناؤها جميعها قدمت أنموذجا عن امرأة مقاومة عشقت الفنون فعاندت الكل لتصبح ممثلة، ففي المخفوقة تكريم للمرأة الثائرة، المرأة الرافضة للموجود، المرأة الحالمة والقادرة على صنع حلمها والسير لتحقيقه.

المخفوقة عمل مدته ساعتين، غنت منال عبد القوي ورقصت تحدثت بلهجة جربية مميزة، قدمت للجمهور صورة عن مدينتها الصغيرة «حومة السوق» عن العادات والتقاليد، تحدثت عن طفولتها ومنها عن احلام كل الفتيات الراغبات في دراسة المسرح شجعتهن بأسلوبها الجميل دعت الفتيات الى التمسك باحلامهن، فكلما كان هناك الحلم اصبحت الحياة اكثر جمالا وان قست كما شاهد الجمهور في قاعة المونديال.

لنا المسرح ولها الفن لتنسى الالم
ساعتان من الغناء والرقص، المحفل الجربي، رقصات تقليدية على ايقاعات «الطبال» غناء، كوميديا ساخرة من المجتمع ومن العادات والتقاليد، شخصيات كاريكاتورية ومشاهد كوميدية ساخرة جميعها جسدتها «زينة» منال عبد القوي على الركح، من ضعفها وحزنها استمدت القوة لتقدم للجمهور عرضا استثنائيا «هو الانجح حتما لانه هدية الى والدي» كما قالت منال عبد القوي.

تتواصل حكاية زينة، تحصلت على الباكالوريا، درست المسرح، ثم دخلت معترك الحياة ومعه عقليات جديدة وردود فعل اخرى، من الطفولة الى الحب، تتحدث عن علاقاتها العاطفية، عمن احبتهم ورفضوا الارتباط بها لأنها ممثلة .

وتتساءل في المسرحية اليوم وقد تقدم بها العمر، أين ذاك الرجل؟ لماذا لم تتزوج بعد؟ هل فاتها قطار الزواج؟ هل أصبحت عانسا؟ تأخذنا زينة إلى عالم نسائي خفي ذو شجون وتبوح ببعض الهواجس المتعلقة بالحب والحياة وتحقيق الذات.

تتحدث «المخفوقة» عن تفاصيل حياتها في جربة، عن مغامراتها في الأعراس وعن حبها الأول في المدرسة الإعدادية وعن تفاصيل أخرى في حياتها، أهمها والدتها التي تلاحقها في كل تحركاتها وتمنعها من التعرف إلى الرجال أو الاقتراب منهم.

وتروي كذلك قصة حب كبيرة عاشتها مع شاب من جزيرة جربة أيضا واتفقا على كل تفاصيل الحياة الزوجية، قصة لاقت معارضة والدته التي رفضت أن يتزوج ابنها من فنانة !!

هنا تدخل الشابة المقبلة على قصة حب كبيرة في حالة من الهيستيريا وعدم الفهم، لم تستوعب كيف يمكن لامرأة أن تقف حجر عثرة أمام سعادة ابنها لاعتقادها بأن الفنانة هي امرأة سيئة بالضرورة، فدمرت حياتها وجعلت من «المخفوقة» شخصية أخرى غير التي كانت.

في هذه المسرحية لعبت منال عبد القوي دور شخصيات ذات «كراكتير» متباين من حيث البنية الفكرية والفيزيولوجية والنفسية مستثمرة مواهبها الأدائية في العزف والغناء والأداء التمثيلي الحركي والديناميكي لتقدم معالجة كوميدية طريفة تستند إلى خفة الظل لخلق الوضعيات الكوميدية المبنية على السخرية من بعض المفاهيم الخاطئة والأحكام المسبقة، سخرت من الظلم المسلط على المرأة والاحكام المسبقة على من يدرسون التمثيل ومن يرون في الزواج فرصة لا تعوض، جميعها حالات سخرت منها منال عبد القوي في مسرحيتها تلك التي أهدتها إلى والدها فنهاية المسرحية كانت جد حزينة، «يرن الهاتف ليخبرها أحدهم وهي ترتدي فستان العرس أن والدها توفي» وعلى صوت أغنية «يا ابي» تتمدد على الركح تلتحف بالبياض وتكون صورة والدها في شاشة خلف الركح، وتلك هديتها الى والدها بعد نجاح المسرحية وأكدت منال عبد القوي أن العرض الأول هو الوحيد الذي كانت نهايته حزينة.

«المخفوقة» بنت بوها تلك المراة التونسية الحالمة، المرأة المثابرة قدمت عرض مميز أبكت فيه جمهور قاعة المونديال تأثروا لدموعها وسط العرض وبعده، تأثروا بدموعها وفرحوا لغنائها ورقصها وبعضهم تجول بمخيلته في جربة وأفراحها عرض ختمته الممثلة بالقول «لا تحسبوا رقصي بينكم طربا... فالطير يرقص مذبوحا من الألم» وكطائر جريح انتفضت على الركح وغنت للحياة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115