فلتكن للثقافة العَربية المعاصرة العامية والعالمة الشّجاعة الفلسفية لتنظر إلى نفسها في مرآة ماضيها وعصرها

(جزء1)
• من أجْل وعْيٍ فلسفي «أوركسترالي» جديد للإقامَة في العالم جماليا...

( مُقاربة ذاتية وذاتية جدا..)

• إهداء خاص: إلى المشرفين والمشرفات على «النادي الثقافي» بمدينة «مطرح» بسلطنة عمان, إلى الأديبة عائشة الدّرمكي وكل الذين شرفوني من سائر العرب بخصورهم محاضرتى هذه وشاركوا بحيوية في هذه « «الحوارية الحرة» إليهم أرفع هذه الورقة .
سليم دولة -الكاتب الحُر- تونس

• إشارة بمثابة الخاتمة أسوقها في المقدمة ليكون الأمر واضحا:
«الفلسفة هي أحد أشكال المعرفة الأكثر طلبا وضرورة, وستعود لاحتلال موقعها بقوة في أنظمة التعليم الجامعي وكذلك في عدد من الأمكنة العامة وعلى شبكة الإتصال.
«تبدو الفلسفة أساسية من أجل إمعان الفكر في أداب السوق وتكوين مفهوم لها , ومن أجل تنظيم الديمقراطية بلاحدود والتأمل في ما وراء الهشاشات وهي لا تبنى إلى جانب العلم ولا ضده .من أجل السعي للإجابة عن الأسئلة التي لا يستطيع العلم حلها لوحده .
سيقوم علم الوراثة وعلوم الدماغ والمجازية بتجديد إشكاليات السياسة والحرية والأخلاق والوعي وسيكون على الفيلسوف أن يرسم الحدود بين الإنساني والحادث المصطنع (...)الفيلسوف واضع خرائط ووسيط ومخترع هدنات ومحرّك سلام».
هكذا عرف الفيلسوف دائما والمستشار الرئاسي سابقا (جاك أتالي) الفلسفة ماهية ومقاما ووظيفة في معجمه للقرن الـ21 وهو مشْرع ومشروع أتبناه عن طواعية ووعي يخص حاضر حاضرنا العربي دون محاكاة سمجة لتتعقل أين هي ذاهبة بعض من «فلسفة العصر» لدي بعض الآحاد على أقل تقدير في الديار الحضارية لجيراننا ..وأين نحن ...

(1)

المجدُ «لواهب العقل»,
المجدُ «لواجِب الوجود»,
«المجدُ لممكن الوجود»,

وقديما قديما قال «هيراقليطس» أقصر طريق للشهرة - الحقيقية- أن يكون الإنسان عادلا ولا يمكن له ذلك اذا لم يكن «عاشقا» ولن يكون كذلك إلا إذا اعترف للآخرين - مطلق الأخيرين بفضلهم و«أن بنقّب في نفسه». وأنا هنا في هذا «المطرح- الأغورا» سوف أعمل على أن «انقف في نفسي». أقصد ثقافتي العربية على ضوء «فلسفة العصر» وتاريخ افكارنا... ما أمكن وفق المستطاع البشري.

المجدُ للكريمات والكرماء وللحرائر والأحرار أهل «الجُود» قيمة وممارسة وتشقيقا إرتوازياسَقْويا فلاحيا «لمعني» الحُبّ وقد اُزداد عنْدنا حَضاريا مَنْسوب الكراهيّة عالميا، زَمَن حُلمنا المشترك «بالعَدل» وقَد فاض علينا جاروف فائض العُنف عربيا.... والظلم كوكبيا ضد الأرض «أمّنا الأرض» وضد الكواكب والبيئة وسائر حيوات الأحْياء وحتى قطعان السّحب أربكنا انسيابها بثقافة التناحر والتقاذف ببالشّرر والتنابز بالألقاب والرّتَبِ والمراتَب والأنساب ؟ ماذا فعل هذا «الأطروبوس» (الإنسان) «باللغوس» (العقل) و«بالكسموس»

- الكون ؟. زمن «الصّداقة» وقد تصحّرت أو كادت علاقاتنا العاطفية بيننا وبين الآخر, «الآخر الصّغير» و«الآخر الكبير»( الله والإنسان والأكوان), تصحّرت حتى علاقتنا بذواتنا نحن الفردية والجماعية. تواريخ ضجّت من مُتواليات غفلتنا, وجغرافيات جريجة, نحن جُرحها بفعل غفلتنا التاريخية القاتلة عن الذود الحضاري عنها بحمايتها بما يكفي للحفاظ على وِحْدتها الجغرافية الكائنة والتعاقدية الثقافية الررمزية الممكنة إلى الحدّ الذي أصْبح فيه الواحِد منّا يكره ذاته وصفاته حين تُطْبِقُ عليه الحياة العربية المعاصرة بأوازمـها قيتبرّم «الإنسان المقهور» و«الإنسان المهدور» (وفق معجم الكبير مصطفي حجازي) من سلالته ويلعن حتى «صدفة الميلاد» التي جعلته عربيا ومسلما ومتوسطيا و أفريقيا وشرقيا, ( كما الصراع الوهمي بين المشرق والمغرب وأن الاختلاف بين أهل المشرق وأهل المغرب إختلاف في «الطبيعة» وليس مجرد «اختلاف في الدرجة» كما ورد الأمر في مقدمة بن خلدون تشخيصا وتنديدا مثلا بهذا التّصور . وصراع «الفلسفة والدين و«الحكمة والشريعة» و«الرشديّة والغزالية» و«المعرفة والعرفان». يا للمفاخرة .. وثقافة الذوات «الفَشْفاشَة... الكارايوكية» بالمعنى اليباني والتي تعنى «الاوركسترا الفارغة».

لقد قتلتنا الـمُفاخرة, والمفاخَرة كما ورد الأمْر عند الجاحظ في كتاب «قصّة النّزاع والتخاصم في ما بين بني أمية وبني هاشم» لتقي الدين المقريزي إذْ كتب صاحب «رسالة فضل السودان عن البيضان»: «ليس أدْعى إلى الفَساد ولاَ أجْلب للشرّ من المفاخرة وليْس على ظَهْرها إلا فخور ..» فهل من شك في أن الثقافة العربية المعاصرة في مسيس الحاجة إلى «كِــراهــةٍ» ( علم الكِراهية ) لتشْخيص اشتشفائي -كلينيكي -عيادي- سريري ممكن لتجاوز هذا العائق الابستمولوجي النفسي - مثلا -بين «المشرق» و«المغرب» الذي يسكن سريا – وصراحة حدّ الوقاحة - لاوعينا العاطفي القَلِقِ والممَزّق بين «حميمية» الإنتماء للكتلة الحضارية العربية - الإسلامية ونزوع «الإنفصال الإستئصالي» عنها والتنكّر لها كما لدي بغْض نخبنا الفاعلة... والمكرّمة أيـّما تكْريم من قبل أصحاب «السياسة الإنعزالية» أو الإلحاقية «بالكُتلة الحضارية الأوربية». أليست الثقافة العربية المعاصرة في حاجة إلى تفعيلٍ حاذقٍ فلسفي حكيم و مَرن لكل أسباب وحْدتها بفلاحَة حَدائق اُختلافها الخلاّق في إطار مرجعية عاطفية وجمالية لا تخلط وهْميا بين ما يمكن لي تسميته «نظام الوسائل

والغايات». المال وسيلة, الأحزاب. وسيلة, «الدولة» وسيلة, «فكرة الله» ذاتها وسيلة لئلا يأكل اُلْبشر كوكبيا ومحليّا بعضهم بعضا أكلا «أنتروبوفاجيا» ,سواء تعلق الأمر «بالأكل من أجل «الحَاجة» أو من أجْل «الإسْتِطابة» كما بين ذلك الحكيم والطّبيب عبد اللطيف البغدادي في كتابه «الإفادة والإعْتبار في الأمور اُلْـمُشاهدة والحَوادث اُلُـمُعاينَة». الإنسان وحده «غاية الغايات» و«قيمة القيم». هذا الإنقلاب الإغترابي الذي نعيش في الآن الحضاري بين «الغاية والوسيلة» سَبق للشاعر نزار قباني أن عبّر عنه بأقرب ما يمكن للعفوية: بقوله «قيمة الإنسان ما أحْقرها زعموها غاية وهي وسيلة». إن ثقافة الإكراه ... مهما كان مصدر هذا الإكراه في الأسرة الذرّية - الميكروسكوبية الصّغرى أو «الماكروسكوبية» الكبرى لا ينتج غير إنسان «مقهور» وكائن «مَبتور», «مسوّدة إنسان» منافق بالمعني اللغوي والزوولوجي (- نفق اليربوع خرج من حيث لا تتوقع له خروجا من «النافقاء») يتحيّن الفُرص ليفْك بأرضه ووطنه وعرضه إن اقتضى الأمر وأحيانا دون أن يقْتضي بالتّحالف «العَلقمي» ( سلالة بن العلقمي ) مع الغُزاة ضدّ الأرْض والشّعْب وحتى البيئة

والعُشب. نعم الثقافة العربية المعاصرة في حاجة إلى فلسفة جديدة « فلسفة تدقيق وتحقيق من أجل تكريم الجمال الإنس - كوني» وفقا لتسمية مشروعي الفكري الشّخصي أو«فلسفة شهرزادية جوديّة» وفقا للمشْرع والمشروع الذي اجترحه إنجازا الحكيم مصطفي كمال فرحات شقيقي شخصا ونصا. المهم أن يتأسس هذا المطلب أو ذاك على «الإحترام» و«الإحتراميّة» المطلقة للإنسان بما هو كائن ملك نفسه وليس «موضوع» تملك من قبل أي كان , كائن من كان وكائن من يكون بالاقتصاد في العُنف ضد الذكاء الحر و الإنتماء الحر والعاطفة الحرة ... وذلك الإنسان العربي الجديد المحلوم به لا تقوم له قائمة ولا تأسس له قيّوميّة وجود إلاّ على: «تربية عاطفية على الحُب والعِلْم والعَدل والمعْرفة والحريّة باعتبارها مُعلّقة يمكن للأجيال أن تتربّي عليها حِذْقيّاوتتـمدْرس عليها جماليا... فتكون هذه التربية على الحُب والعلم والعدل والمعرفة والحرية هي الضامن الحضاري الأمين الذي يضمن السّلامة الصحيّة والعاطفيّة والسياسيّة لأبناء الوطن والأمّة الجامعة لئلا نعيش مرة أخرى وقتا كالمقت يمرّ مُرا ومَريرا على «أمّة جُنّت فُصولها». لا بدّ لنا من «ثورة بيداغوجية « في التفكير «للتفلسف المرح» المنطلق والمنشرح منذ الطفولة, برعاية تلك «الفلسفات العفوية لدي الأطفال» وفق عبارة عزيزة على كلّ من( كارل ياسبرس) و(أنطونيو جرامسي) الذي أمر الزعيم الفاشي موسوليني: «أن أوقفوا هذا العقل عن التفكير حالا». «ان اُبتكار

المعاني خطر يقول حُراس الأمن الفكري عند العرب... فكان ما كان وما يجِب أن يكون لدينا نحْن عرب العصر إنما هو فن الإصغاء , الإصغاء النشيط لفلسفة انسانية تخصنا نحن, تقوم بالأساس على ما يمكن لي تسميته «التربية الأركسترالية», «تربية أوبيرالية» على المواطنة الشّاملة, بمعنى تربية جامعة لجميع الملَكات الذهنية والجسدية والذّوْقية ... قادرة على «نحت كيان» إنسان مُقْتنع عنْ وعيٍ واردة وقَصْد أن «تحصيل السّعادة» الحق بلغة الفارابي لا يمكن أن تكون على حساب «الآخر» المحلي - الجهوي أو الكوني أو «الجنسي» وإنما معه لأمرٍ بسيط لكونه أدْرك فَلسفيا حين تدرّب على «التفكير بنفسه» وفق الدلالة الكانطيّة ومنذ الصّغر, أن «الآخر هو من كان يمكن أنْ أكون, كان يمْكن أن أكون أنا التّونسي «سوريا» أو «مصريا» أو «عراقيا» أو «سودانيا» أو «جزائريا» أو «عمانيا» أو «مغربيا» أو «تركيا» أو «طاجكستانيا» أو «كرديا» ..«أسودا» أو «خُلاسيا» أنا «المسلم», كان يمكن أن أكون «يهوديا» أو «مسيحيا» أو «بوذيا»... أو«لا دينيا أصلا».

زمن التشوّف الشّوقي شَوقا للحريّة وقد ازدادت مُظاهر «العبودية» السّافرة والمتنكّرة, واُزدادت مظاهر «الإستخراب» الذي يسمونه «استعمارا» على أيدي أبناء الدار ... يتطلب وعيا حضاريا بأهمية الحرية لدي البشر عالميا واعتبارها مُعلّقة الحرائر والأحْرار الأبديّة وإنْ هي حَدثٌ كريهٌ, بغيضٌ كما الجوع والطّاعون والزلازل والبراكين لدى من أدْمنوا الخُنوع والتبعيّة والعبوديّة بفعل سُلطة العادة التي هي «طبيعة ثانية» وقد جهلوا أو تجاهلوا «من يتَنازل عن حريته يتنازل عن جَوهر إنسانيته» على رأي العظيم جان جاك روسو... كما غفَل أو تغَافل «عبيد الحرية المطلقة» أنّ «الحرّ ليس من يفْعل كلّ ما يريد وإنما الحرّ هو لا يفْعل ما لا يـُريد» على رأي ذلك «المتنزه المنفرد بنفسه» هو مُنْفرد بنفسه... لسوء تفاهُمٍ سيء مع عصره وأهل عَصره كما حدث لأبي حيان التوحيدي حين أقْدم على حرق كتبه «في عصر التنوير العربي» كما يسميه (آدام متز). فهل تخلصت الثقافة العربية السائدة من «الخوف من الحرية» ومن مخاطر الحرية شوقا منها «للاستعباد أو للعبودية؟

ما أشد غربة اهل «التنوير» بيننا منذ بديات الوعي بضرورة «النهضة». يا للخائفين من الحرية المتنكرين. وما أشكل حال المدافعين والمدافعات عنها منذ مئات السنين ليس ينُكر أن للحرية الفكرية مضارا ولكن ليس ثمة في العالم شيء تُجنى منه الفائدة دون أن يكون له ضررٌ .ضررها لا يمنع الناس من الإنتفاع بها .فقد يقف خطيب مفتون مهووس يعتقد أن الوحي قد نزل عليه وأن قيام الساعة قد أزف فيحملُ الناس على ترك أعمالهم بل على الانتحار تعجيلا - لقيام - الساعة وقد يُطيعه بعض المفتونين في ذلك ( ...) لكن هذه الحالات شاذة .إذا تفاقمت ورأت الخاصة في الأمة أنّ الأذى واضح لجأت عادة إلى ما تلجأ إليه عند غارة أحد الأمراض الوافدة كالكوليرا بوقف الشرائع وإعلان الأحكام العسكرية.

وإنما استقر المفكرون على ضرورة الحرية الفكرية وعلى ضرورة التسماح فيما يحدث منها من الأضرار ما دامت هذه الأضرار غير فادحة (....) وقد ثبت أيضا أن العلوم والفنون التي تملصت من قيود العبودبة تقدمت وأثمرت كما نرى الآن كما نرى الآن في الكيمياء والطبيعة والطب والميكانيكات فان تقدم الصناعة إنما يعزى إلى تقدم هذه العلوم .كما أن رُقي الحضارة نفسها يرجع إليها وقد يكون هناك مجال للشكوى من سرعة تقدم هذه العلوم لا من تأخرها . ولكن العلوم العمرانية و الأخلاقية والشّرعية والدينية كلّها لا تزال متأخرة لأن الناس ليسوا أحرارا في الكلام عنها ومناقشتها . فنحن اذا قابلنا علم الكيمياء اليوم بما كان عليه أيام سليمان الحكيم وجدنا فرقا هائلا يكاد يكون كالفرق بين الطفل الذي يلعب بالنار وبين معارف مهندس يدير قاطرة ولكن الفرق بيننا وبين سليمان الحكيم في الآراء الدينية والأخلاقية أو حتى العمرانية لا يزال صغيرا جدا ... ( كتاب حرية الفكر وأبطالها في التاريخ - آخر الفصل الأخير . سلامة موسى - الطبعة الرابعة . 1967 دار العلم للملايين - بيروت لبنان )

فهل تخلصت العُقول الحرة «المتفلسفة» في الثقافة العربية المعاصرة من أرثها الثقيل والمخجل ... من اضطهاد الفلاسفة و»الفيلسوفوبيا» ذلك الخوف المرضي من الفلسفة ؟ هل تخلص الفكر الحر من سلطة «المراقبة والمعاقبة» التي اضطرت الكثير من «الفلاسفة» و«الحكماء والمتصوفة» على ممارسة «التقية», التسمية الأخرى «للنفاق» أو «التواري عن الأنظار صونا للنّفس» أو«التقدم بأقنعة» وفق عبارة صاحب كتاب «التأملات الميتافيزيقية»(روني ديكارت ).
إلى حين هذا الحينِ أستحضر سيرتي الشخصية طوال سنوات تدريسي للفلسفة دون توقف عندها «لخجلي البدوي».. أمام أهلي . حين هذا الحين يقف ذهني عند «منشور « منصور بن أبي عامر وتلك الفتوى الشهيرة ضد الفلسفة والفلاسفة في الأندلس التي أصدرها حين

نفي ابن رشد, ليتقرّب تزلفا «للعامة» و«العوام» وبقيت عارا في تاريخه الشّخصي وفي تاريخ الثّقافة العربية.

حكى صاحب «كتاب نفح الطيب في غصن الأندلس الرّطيب» عن مقام العلوم في الأندلس قائلا : «وكل العلوم لها عنْدهم حظ واعتناء إلا الفلسفة والتنجيم فأن لهما حضا عظيما عند خواصهم ولا يتظاهر بها خوف العامة, فانه كلما قيل: فلان يقرأ الفلسفة أو يشتغل بالتنجيم أطلقت عليه العامة اسم «زنديق» وقُيّدت عليه أنفاسه .فإن زلّ في شبهة رَجموه بالحِجارة أو أحْرقوه قبل أن يصل أمْره للسلطان أو يقْتله السُّلطان تقربا للعامة. وكثيرا ما يأمر مُلوكهم بإحراق أمثال هذه الكُتب إذا وُجدت .وبذلك تقرّب المنصور بن بني عامر لقلوبهم أوّل نهوضه ,وإن كان غير خالِ من اُلْإشتغال بذلك في الباطن ...»

«قد كان في سالف الدهر قوم خاضوا في بحور الاوهام وأقرّ لهم عوامهم بتفوق عليهم في الافهام . حيث لا داعي يدعو إلى الحي القيوم , ولا حاكم يفصل بين المشكوك فيه والمعل. فخلدوا في العالمين صحفا ما لها من خلاق ,مسودة المعاني والأوراق .بعدها من الشريعة بعد المشرفين ,وتباينها تباين الثقلين .يؤمنون أن العقل ميزانها والحق برهانها وهم يتشعبون في القضية الواحدة فرقا ويسيرون فيها شواكل وطرقا ذالكم أن الله خلقهم للنار وبعمل أهل النار يعملون .ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم .(...) ومنهم في هذه - الملة السّمحة - شياطين إنس يخادعون الله والذين آمنوا وما يخادعون إلا أنفسهم وما يشعرون . (...) وقصراهم التمويه و التخييل. دبّت عقاربهم في الآفاق (...)فلما أراد الله فضيحة عمايتهم وكشف غوايتهم وقف لبعضهم على كتب

مسطورة في الضلال موجبة أخذ صاحبها بالشمال .ظاهرها موشح بكتاب الله وباطنها مصرح بالإعراض عن الله . لبس فيها الإيمان بالظلم (..) فإنهم يوافقون الأمة في ظاهرهم وزيهم ولسانهم ويخالفونها بباطنهم وغيهم وبهتانهم (...) نبذناهم في الله نبذ النواة وأقصيناهم حيث يقصى السفهاء من الغواة وأبغضناهم في الله (...) ( اللّهم) باعد أسفارهم والحق بهم أشياعهم (...) ولم يكن بينهم الا قليل وبين الإلجام بالسيف في مجال ألسنتهم والإيقاظ بحدّه من غفلتهم ...(...)فاحذروا وفقكم الله هذه الشرذمة على الإيمان حذركم من السموم السارية في الأبدان ومن عُثر له على كتاب من كتبهم فجزاؤه النار(..) وإليها يكون مآل مؤلفه وقارئه ...».
ما أبلغ عبارة بن حزم حين كتب آخر أيام حياته « لا بــدّ أن نؤرخ للرذيلة...».

فلتكن للثقافة العربية «العامية» و«العالمة» «الشّجاعة الفلسفية» لتنظر إلى نفسها في مرآة ماضيها و عصرها..دون « تجريحٍ ولا تقبيح» ودون «مفاخرة ولا مُفاضلة»... ما اسْمَك «حُجُب المعاصَرة» وما أصْعب هتكها تلك الحُجب .
لـمْ ولن أتحدث عن «الثّقافة العربية وفلسفة العصر» (وهو موضوع خطير بمعنى الأهمية المعرفية والجمالية والمدنيّة... ) مباشرة إذْ لم «يُقتل» العقل الفلسفي» و«فعل التّفلسف» وفق عبارة رشيقة لأبي الوليد بن رشد في نظري على أقل تقدير عربيا وعالميا غير تناول «القضايا الحارقة» على طريقة «المُصنّفات في آداب السّفرة والمآدب» التي سخَر منها العظيم هيجل أو على منوال تصنيف «العقل الحانوتي» وفق عبارة فريدريك نيتشة. كأن نقول هذا «مَبحث في العقل» و«هذا مبحث في النّقل» , «هذا الكتاب في الإيمان». وهذا كتاب في «الكُفران» هذا كتاب في الرواية وهذا كتاب في الدّراية « ...دون تبْخيس مني للإسْتعمال الإجرائي «للمفاهيم» و«الكلمات» التي تقوم في الفلسفة «مقام المتفجرات» و«العُبوات النّاسفة» و«الألغام» وفق عبارة اُلْفرنسي لويس آلتوسير. الوعي بأهمية

«الكلمات» وما تقول الكلمات وما «تصْمت» عنه اضطرارا أو اختيارا الكلمات شَرط رئيسي من شروط التفلسف الحق لدي الفلاسفة - الحكماء على الطريقة السّقرطية (التوليدية - الحواريّة. هل من سبيل الصدفة أن يكون ابن « النحّات» نحّات كلمات وابن القابلة مولّد لعقول الرجال) يقوده في ذلك «الحُب» ,حبّ المعرفة باُستعادة المقدرة على الإدْهاشِ و الإنشداه لدي «الإنسان اليوناني» عموما ولدي الشباب اليوناني بالخصوص الذي اُتهم بإفساده ... في تلك المحاكمة التراجيدية العذبة والمعذّبة التي دوّنها التلميذ المخلص لأستاذه, أقصد أفلاطون في «محاورة الدفاع» والتي صاغها سنيمائيا عبقري ايطالي في شريط يحمل عنوان «سقراط». سقراط عاشق اللغة . سقراط «الحكيم الشوراعي» سقراط جواب الساحات العامة الذي لم يسجن «الفيلسوف» ولا فعل «التفلسف» في مكان من الأمكنة كما» «الأكاديميات» ولا في طبقة (كما الارستقراطية أو الأحرار) ولا في جنْس من الأجناس كما الرجال إذ يعْترف صراحة بفضل أمّه القابلة عليه في «تقنية المايوطيقا» - وفنّ التوليد . فهل نملك في يومنا الحضاري العربي المقدرة على إحياء « التعاليم السقراطية

المسكونة» بالحب حب المعرفة توليديا والشّغف بها وحب هذا الحب .. تلك التعاليم المسكونة بالشّجاعة على الإصداع بقول «الحقيقة» ومصارحة «الأهل» بما هم عليه من «جنون بالقنية» و«تملك المال» والسعي كدحا وراء سراب الوجاهة والتيه بالمظهر على حساب «الجوهر», «بالملكية» على حساب « الكينونة » وهو ما قاد بالأمس الحضاري كما اليوم إلى جميع أشكال الاغتراب بالانصراف الكلي نحو «فبركة آلات استهلاكية راغَبة» والإنسان الاستهلاكي - الكونسمانسي- قادر على الشرّ والتشرر في سبيل تلبية رغبته ليس لكونه «كائن رغبة» فقط وإنما لكونه «كائن رغبة و رغبة في الرغبة» لأنه يَرغَب في ما يــَرْغب سِواه بالمعنى الهيجلي فيولد «كوجتو الرغبة» (( أنا استهلك إذن أنا موجود» , «أنا عاجز عن الاستهلاك والقِنْيةِ والتملّك إذن أنا مفقود». إنه زمن «المالومانيا» والإنسان «المالوماني», بمعني المجنون شغفا بالمال. ومريض المال لا يرتوي أبدا فلا يــرى في الوطن غير «مَصْرف» وفي الحب والزواج مثلا غير «صَفقة تجارية» وفي «الدنيا بأسرها غير بنك». وهنا مكن حجر أخْطر أفعى أو وجر أضري ذئاب الإغتراب وهو «الاغتراب العاطفي» كما شخصة في صفحات رائعة صاحب كتاب ( مخطوطات 1844) كارل ماركس. إذا كان أدونيس الشاعر والمفكر الشاهق قد أكد بأننا «نعيش صحراء التنكنولوجيا» فاني أصُر على أننا نعيش - معموريا - زمن التصحّر العاطفي «...مما يعني

حاجتنا الأكيدة في راهننا الحضاري العربي إلى علوم فلاحة وملاحة عاطفية» من شأنها التدرب التدريجي على القطع مع المفاجرة «بنتزين الأسواق بأخبار مصارع العشاق» لندشّن نمطا جيدا لإقامة جماليّة ممكنة في العالم بمكتبة في «الحب والشّوق والصبابة» لا تجعل شعرا ها : «الحب حالة من حالات الموت... عند العرب» وإنما يكون شعارها الرئيس «الحب معلقة مَشارق القلوب عند العرب». «ان الحب ليس مجرد عاطفة, ولكنه قوة. قوة قهر ضد التشؤ وتأسيس التكامل بإقامة العدل . والعدل يكون عادلا بسبب ما فيه من حبّ حيث يريد أن يساوي بين الطرفين. («كتاب جدل الحب والحرب» ط - 3 - 2006 ترجمة وتعليق عبد المنعم مجاهد - دار التنوير ص 82) هريقلطس قليل من الهواء «الأوكسحين»َ العاطفي الذي تسميه لغة العَرب» الرّوحن» وهي ترجمة «علمية» خائبة بصياغة لغوية رائعة. نسينا – وهذا مرض آخر من أمراض ثقافتنا العربية - أن الفلسفة سليلة الحب والحب ابن مفارقة (الفقر والثراء) ... ونسينا أن هذا الحب «أول موضوع يدور حوله الحديث وآخر مادة للإستهلاك وأول جنون يقع فيه الإنسان وآخر حاجز يقي الإنسانية من السقوط». ( جاك أتالي). من مفارقات الحب في لغة من أعذب لغات العالم وهي الفرنسية «انه مُذكر في المفْرد ومؤنث في الجمع».

هل حصنا حصوننا بمثل هذا « الحب « أم أن أرضنا العاطفية لا تزال مواتا ...؟ إن التفلسف « فعل إصغاء»... للصائت والصامت من حيوات البشر وهم يزاولون وجودهم في « المذينة » (البولس) وفق عقود صريحة أو ضمنية للعيش بالمعية وأولى هذه العقود التأسيسة - التدشينيّة على الإطلاق إنما هو «التعاقد اللساني» وفي حال انكسار هذا العقد اللغوي تستحيل اللغة إلى « لغو » والحوار العقلاني إلى « حوار طرشان » تلخصها مفاكهة « الغبي والعنين» - العاجز الجنسي - اذ يقول الغبي للعنين : كم عندك من ولد ؟ يقول له العنين : أنا عنّين . فيقول له الغبي: لقد سمعتك وفهمتك غير أنك لم تقل لي كم عند من ولد».

يتبع

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115