الفيلم المصري «مذكرات عشماوي» أو «دمعة الجلاد» في ملتقى سينما الجنوب في تطاوين: قد يبكي الجلاّد بسبب الظلم ...

أيهما المجرم؟ الضحية ام الجلاد؟ ايهما اشد قسوة من ينتظر حكم الاعدام ام من ينفذه؟ أي اللحظات اشد وجيعة لحظة مفارقة محكوم للحياة ام لحظة ندم الجلاد؟ كيف يكون الجلاد جلادا؟ ما اساس الاختيار؟ وكيف يفقد كل احاسيسه حين ينفذ «كلمة الله»؟ جميعها اسئلة طرحها المخرج

ليث عبد الامير في فيلمه «مذكرات عشماوي» او «دمعة الجلاد» فيلم صور في مصر تحديدا اثناء الثورة المصرية، فيلم قدم للمتفرج حكاية عشمان منفذ حكم الإعدام الأشهر في مصر.
الفيلم أنتجه التليفزيون الفرنسي وتحديدا القناة الثالثة ، للمخرج ليث عبد الامير والكاتبة الصحفية ناهد صلاح صوّر في عدة أماكن بالقاهرة أبرزها سجن الاستئناف بالقاهرة وسجن القناطر للنساء، كما تمت الاستعانة فيه بمشاهد درامية من أفلام سينمائية كمشهد إعدام الممثلة يسرا في فيلم « امرأة آيلة للسقوط»..

تنطلق أحداث الفيلم من ساحة ميدان التحرير في فيفري 2011 عندما قام الثوار بتعليق رقبة دمية على هيئة الرئيس حسني مبارك في حبل مشنقة مع ترديد هتاف «القصاص القصاص والمشانق عالكتاف» ثم حديث سيدة عن ضرورة اعدام الرئيس وجماعته ليعرف المتفرج ان الحكاية تدور حول احداث الاعدام.

في فيلم «دمعة الجلاد» لم يقدم المخرج الصورة النمطية عن احساس المحكوم بالاعدام سويعات قبل موته، او موقف المواطنين من حكم الاعدام وانما قدم وجهة نظر الجلاد.

تتقدم الكاميرا لتركز على ملامح وجه الرجل، أشيب، حاد العينين، طويل الشارب، يبدو على محياه الصرامة والجد له خبرة 16عاما في تنفيذ أحكام الاعدام و8اعوام تربص، عن عمله يقول « عمل منفذ حكم الاعدام يتطلب بنية جسدية قوية أولا ثم تمرين وتربص لأعوام حتى يصبح قادرا على تنفيذ الحكم»، من شهادته يؤكد انه يسعى دوما لإتقان عمله، فعملية القتل يجب ان تكون متقنة ومحترفة، يغطي راس السجين حتى لا يرى المسؤولون صورا قد تزعجهم، هو لا يرى المساجين قط وظيفته يوم يقرر تنفيذ حكم الاعدام يصطحب السجين، يضع حبل المشنقة حول الرقبة ثم ينهي العملية، ويجب ان تتم بدقة، يتحدث امام الكاميرا بثبات ودقة محترف يريد ان يظهر مدى راعته في انجاز عمله و كل ذلك «بتوفيق من الله» لأنه ينفذ كلمة الله في الارض ففي «عملنا يجب ترك أحاسيس الشفقة والعاطفة بعيدا والا فسد العمل».

تتواصل جولة الكاميرا مع ملامح الرجل فهو هادئ غير منفعل يتحدث بلباقة عن عملية تنفيذ الإعدام وكانه يتحدث عن كسر لعبة فخار، في حديثه يعرف المشاهد ان لطريقة التنفيذ أحكامها وتختلف بين المرأة والرجل، بالنسبة للرجل، يتابع حالته الجسدية، وزنه، طوله، عرض كتفيه والاهم رقبته اهي قوية ام هشة؟ ان كانت الرقبة قوية فذاك هو المطلوب حينها يوضع الحبل وتنفذ العملية دون وجل، اما إن كانت هشة فيوضع الحبل مع امكانية انفصال الرقبة عن الجسد وذاك مقلق بسبب الدماء، ثم تترك الجثة حتى تنشف من الدماء قبل اخذها الى التشريح ودفنها.

اما المرأة «فالمرأة المصرية لينة، ووجب ان تكون عملية التنفيذ لينة حتى يكون الموت مريحا» هكذا يتحدث وهو ينظر الى الكاميرا وكانه يجمع شتات الصور لإعادة تركيبها ثم يضيف «بعدها نعرف وزنها ومن المحبذ أن تجلس على ركبتيها لتكون عملية السقوط أسهل وغير مؤذية وتنفذ عملية الشنق بحبلين اثنين حتى يكون موتها مريحا» هكذا يتحدث العشماوي عن طريقة تنفيذ حكم الاعدام، يقدم للكاميرا تفصيلات عن عملية التنفيذ بدقة لانه يريد دائما ان يكون عمله متقنا فوظيفته جد صعبة، في حديثه جمّل فعل تنفيذ حكم الاعدام وجعل القبح جميلا ، زيّن الموت وبحث عن الطرق المريحة لانجازه.

قاسية هي كلماته وموجعة لحظات انتظار الموت فالكاميرا حادثت بعض المحكومين بالاعدام فعبروا جميعا عن تمنيهم التسريع بلحظة التنفيذ فقرار التنفيذ اهون من انتظار الموت ومعه الموت تدريجيا.

في الفيلم سؤال هل حقا ليس للجلاد احساس؟وهل م اقاله اول الفيلم عن ضرورة اعدام الاحاسيس هو كل الحقيقة؟ ليكتشف ان للجلاد مشاعر ويشعر بوجيعة المظلومين، فذاك الرجل القاسي القوي لازال يبكي كلما تذكر حادثة نفذ فيها حكم الاعدام على مظلوم «طلب مني النزول إلى الاسكندرية لتنفيذ حكم الإعدام، وكان رجلا بجسمه 35 جرحا، عرفت أنها نتيجة لاعتداء عنيف حاول أن يدافع عن نفسه فتل المعتدي وحكم عليه بالإعدام، لن اناقش قرارات القاضي ولكن صرخات الرجل كانت عنوانا للحقيقة وكان صادقا ومظلوما، نفذّت عملي ونفذت حكم الإعدام ولكن لم أتمالك دموعي» حينها تركّز الكاميرا على عيونه فتبدو الدموع في مقلتيه، دموع ظلّت تذرف كلما تذكر تلك الحادثة، دموع علق عليها الجمهور بالسؤال أليس الجلاد ضحية ايضا، وجد نفسه في عمل جد قاس تطلب منه التجرد من كل احاسيسه؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115