• إشارة ثانية:
«En général, j’aime ceux qui sont un peu, ou largement, fous. L’imbécile, non ! L’idiot, oui ! Il y a une grande distinction entre les deux. D’être fou, c’est d’être poète. Ce sont des imbéciles qui gouvernent le monde ».
« J’suis pas plus con qu’un autre »
Henry Miller
• إشارة ثالثة:
ورد في رواية « أكّودا 1943» للكاتبة التونسية (هويدا): « نحن فقط نشرّع للعَالم اُلبِدايات ونَقِفُ والعالم يَسْتولي على المبتدأ ويخْترِع له خبرا (...) في حين نظلّ نحنُ راكِعينَ لما شرعْنا فيه وحكَمنا عليه بِالنُقصان. هكذا هُم نحْنُ . هَكذا هيّ تونس...».
(1)
قلْتُ لي عنْدَ هَذا اُلْليلِ اُلْــتّونسيِ
وقدْ توغّل في بعْضِه
اذا ضَاقَتْ بكَ اُلْدُّنيا تذكّر أولا:
نجْمَةً مِثْلكَ
أصْلهَا من ترابٍ .
تذكّر ثانيا :
أنّكَ لَسْت مُتشائِمًا,
بما يكفي لتنْحر نفسك في واضِحَةِ الطّريق
هي مُـجرّد غيمَة حُزن
تمرّ بِسَماوات اُلِوطن.
وتذكّر ثالثا أنّكَ لم تـَهْرَب ...
حين مـِحْنَةٍ...وكسْر عَظم
في رجلك اُلْيُمنى
وضَياع مكتبك في البلاد
وحَزّةٍ في مِعْصَمكْ
وشجّة أخرى في أمّ رأسك
تذكّر للمرة الأخيرة أنكّ لم تفرّ
منَ اُلْبِلادِ..
وتذكّر رابِعا أنّ الحرّ لا يخون نفْسه..
قُلتُ لي : يا أيتّها اُلنّفْس اُلْأمّارة باُلْفَهْم
إذا لم أكُنْ قَدْ فهِمْتُ
فأنيّ أحْسَسْتُ ...
(2)
انتهى «مَعْرض تونس الدولي للكتاب ( 2017)» بسلام وهو أمر محمودٌ ومَررتُ به, أو لم أمرّ به أصلا, كما لو أني لَسْت تُونسيا يقيم في تونس - هكذا كتبتُ ذات فجر تونسي - كما لو أني لسْت كاتبا أصْلا, وكاتبا حُرا تحديدا لم ينتظر «الثّورة التونسية» الغرّاء واُلـْـمغَرر بها لتُحرّرَه كما فَعَلَتْ مع الجُبناء فِكْرا وكِتابة. أقول لجميع جَماعة «اُلتّهريب الثّوري» والتّرهيب الثقافي منّي ومن أمثالي, أقول لخدامّة الثّقافَة: وفق نظام الأبجدية: ثمة فرقٌ رَهيفٌ بين اُلْتواضُع واُلْضَّعَة. التواضُع في غير موْضعه رذيلة كُبرى: منْ منْكُم واحدا واحدة دافَع أكْثر مِنيّ شخْصيا, كُتابا على «شُعراء شُنَعاء» على «فلاسفة زور وبـَهْرج» على «مُؤرّخين» فطاحِلة في «المديح» على «رِوائيين» زئبقيين في مواقفهم السياسية، من دافعَ عنْ « حُريّة التّفْكير ضدّ التّكْفير» أكثر منيّ شخْصا ونصّا لِسنوات طِوالٍ وطوالٍ وكادَت كتاباته الحُرة الجريئة واُلْشّرسة و» الوقحة « كذلك وأيضا ضدّ شوكة السّلطة وحُراسها . كادت تذْهبُ برأسه غير مأسوف عليه.
(3)
نعم «الدّفاع عن حرية التّفكير دون تكفير» وحرية تدبير الشأن الشّخْصي دون أوامر... من أي شخْص, وفق عبارتي اُلْشّخصية التي سَطا عَليها أكثر من «جهْبذٍ» و«كَهبذٍ» من الكُتاب العَرب وهي مثبّتة في كتابي «كتاب الجراحات والمدارات» الصادر في تونس 1991 وفي لبنان في طبعة ثانية وفي سوريا الجريحة في طبعة ثالثة. إن تلك التّرضيات اُلْسريّة التي أرادها اُلبَعض معَي بعد «الثّورة» فهي من باب إسْقاط الواجِب الذي لا يليقُ بي. أليس كذلك ؟! ما أصْغر نفُوسَكم. تدبّرون رؤوسكم على حساب «الثورة المغدورة» وعلى حساب تونس الوطن أصلا بعقليّة اُلْعِصابات وفقا للتّوصيف السوسيولوجي الدّقيق لمعنى العِصَابة, تأتمرون بأوامر سلطةِ اليوم السياسي المنَافقة والمتنكّرة لوعودها الإنْتخابية لحْما وعَظْما كما فعَلتُم مع سُلْطة الأمْس الميّاسِ. فمن درّس لشباب تونس الأنتروبولوجيا الثقافية - مثلا - الأوان الرّسْـمي و«أنتروبولوجيا الدّيانات و «الأنظمة الانضباطيّة وتبذير العنْف باُسم العَدالة الجَزائية» وأطْروحات ميشال فوكو قَبلي... إدْجار موران وعرّف به كما بسواه منذ ثمانينات القَرْن الفَالت فى الثانويات اُلْتّونسية وهو كان ضيْفا ذات «معرض تونس دولي للكتاب», ذات سنة مثلا. من كان يـُجازف منْكم بيداغوجيا ويعرّف بكتابات الشعراء الشبّان... المقموعيين دون تمييز على اُختلاف مَشاربهم وجِهاتهم لدى التلاميذ والطلبة أيّها «الديمقراطيون» جدا. من منْكم لم يلْبدْ كما الأرانب زمن «الحدث النوفمبري» ليستفيد من «فضائل» الحزب الحاكم ويُعدّل هِندامَه وأحْبلة صَوته و«حُبْل عُنقه». تشبّها قِرْديا سَخيفا بسيّده ... (وحكايات).أضْحكتني الواقعة السّرديّة «للمُسْتشار السّمْسار الطّباخ سُرور الباذنجاني» التي كثيرا ما كانت تردّدها «المتون القديمة» للتفكّهِ من تقلّب «المتلوّنين الفُضلاء من ذوي الهِمَم العاليَة» من الوزراء والكُتاب... والمستشارين, تقلّبهم بِتقلّب أمْزجة سَادتهم وسُواسِهم. واقعةٌ سرْديّة ساقتها ملائكة «النّات» فضَحَكتُ كثيرا عند هذا اُلْـمُتَنَفّس اُلْفجري الْتونسي وشكرتُ من يحلو لي أن أسميه «جِبْريل اُلْرّقمي» فما هو واقع الواقعة السردية؟
(4)
«يحكى أنّ الأمير بشير الشّهابي كان لديه طبّاخ ماهر ذكيّ وخفيف الظلّ اسمه سرور، وكان الأمير يحبّ حديث «سرور»، كما كان يتلذّذ بطعْم مأكله، في أحد الأيّام قدّم له الطبّاخ وجبة من الباذنجان، فاستدعاه الأمير وقال له:
ما ألذّ طعم الباذنجان !
فقال الطبّاخ «سرور»:
سيّدي، الباذنجان من أشهى المآكل: إن أكلته مقليّا بقي طعمه على لسانك طول النهار وإن أكلته محشيّا كان شيخ المحاشي، وإن أكلته مكبوسا فهو أشهى الكبيس.
انفتَحَتْ شهيّة الأمير، فبالَغ في إلْتهام الباذنجان حتّى أصابه اُنتفاخاً، فاُستدعى طبّاخه وقال له: ما هذا الباذنجان المنحوس؟ لقد سبّب لي انتفاخا في بطني !
فأجابه الطبّاخ «سرور»: الباذنجان طعام رديء إن أكلته مَقليّا سبّب لك تضخّما في المصران، وإن أكلته محشيّا سبّب لك أحلاما مُزعجة، وإن أكلته مَكْبوسا سبّب لك الغثيان، وإن أكلته متبّلا سبّب لك انتفاخا في البطن.
فصاح به الأمير: ويحك ! قبل قليل كان الباذنجان ألذّ وأفضل المآكل، والآن تذمّه وتجعل فيه كلّ العلل.؟
فأجابه الطبّاخ: العفو سيّدي، أنا خادم سَعادتكم وليس خادم الباذنجان.
لقد أورد بدري نوئيل يوسف الواقعة في صفحة «قناة عشتار الفضائية».
فما أكثر «المطابــخ السياسيّة الباذنجانية» وما أكثر سُلالة «سرور الطّباخ بن المطبخي»... فمتى سوف نكتب «التاريخ النِّسَابي لعلاقة السياسة بالشّراهة» والعرب تسمي منذ القديم «الأمراء بالآكلين والرعيّة بالمأكولين والعَصا بالأكيلة».
(5)
«تـُحِبون..» . والحُبّ قاتلٌ أحيانا و«هو حالةٌ من حالاتِ الموْت عند العَرب», كم تحبّون المدَاومَة والقُعودَ عليها . أقْعدوا عليها كما قَعدَ عليْها اُلْذينَ من قَبلكم وهي فعلا «حُلْوةُ اُلْرّضاع, مُرة الفِطامِ» فهي ليْست مُنتَصبَة لـِحـِسابها الخاص كما أنْتم تفْعلون بلْ هي مُنتَصِبةٌ منْ أجْلكم أنْتم دُون سِواكم , أقْصد «السّلطة» بتلك الكَراسي وتلك الكراسي التي تُصْبعُكم رأْسا من كلّ الجِهات واحدا واحِدة وتسْتطيبونـَها كمَا اُسْتَطابـَها كَذلِكَ وأيْضا اُلْذين من قَبلكم وفي اُلْنّهايَة وجَدوا أنْفُسَهُم وفي غفلة منْهم عنْهم وسَاقَيْ اُلْواحِدُ منْهم إلى اُلْسّقْفِ. أليس من الغريب أنَنا أحْفاد صَاحب «كِتاب العِبر» ولا نَعْتِبر ذلك أنّنا نُبْدِعُ أيـّما إبْداع عنْد «المبتدأ» ونفْشل... في المرور إلى «الخبر» كما جاء في رواية (أكّودة 1943) للكاتبة التونسية (هُويدا) على لسان بطلتها تخاطب جُنديا زمن «الحَرب العالمية الثانية»:
« هذه البِلادُ ستَكونُ دائما مُقدّمَة لشيءٍ ما، أتَعرْف أنّ باي تونس ألغى اُلْعُبودية مُنتَصفَ اُلْقرن الـْماضي قَبل بِلادِكم ؟
نحنُ المبتَدأ ولكِن بدون خبرٍ, لا نَسْتطيع تَكْوين جملةٍ لَكّنَنا نرفض الخَبر، نؤسس مُبتدأ وانتهى، بعْدَها ماذا؟
لا أدْري.. نَنَام .؟ ننْسى ؟ هل هوّ جنون ؟ هذَيان ؟
لا أدْري، أيْضا نحن فقط نشرّع للعَالم اُلبِدايات ونَقِفُ .والعَالم يَسْتولي على المبتدأ ويخْترِع له خبرا (...) في حين نظلّ نحنُ راكِعينَ لما شرعْنا فيه وحكَمنا علَيْه بِالنُقصان. هكذا هُم نحْنُ . هَكذا هيّ تونس... وهنا مَكْمن العَجَبِ وسرّ العَطَب ... يا شقيقةَ حِبْري وحُزني...
(6)
كلّ من يتَشبّث بِكرسيٍ مهْما كان مجاله ويرفض اُلْتنحّى عنه فهو «مأبون» بالقوّة والفِعل والتّاريخ واُلْإنْتِساب اُلْسّلالي، يُعيدُ المكرور والمكْروهَ واُلـْمَمْجُوج من تاريخ تونس والـمُثار ضدّه شعبيا . أليستْ « الديمقراطية اُلْـحق إنما هي اُلْوعي بالحُدودِ ..» وفق تعريف الإجرائي كنتُ قد اقترحْتُه منذ سنوات . ما أبلَغ قول سُفيان الثوري «إذا نزل البلاء ذَهب اُلْـحياء» وفيكم... و بعقلياتكم الإسْتحْواذيّة تلك يكْمن اُلْبلاء ... وما أجْمل كتاب «البغال» لأبي عمرو الجاحظ وحكاية «السّفهاء والنّعاج» أليس كذلك يا «جَلاغم» الثقافة وفَشْفاَشَة النّْجومية الثقافية والسياسية. من شدّة سهرَكم على تنمية ثقافة القِوادة و«اُلْقِفَافَة» (علم هَزانّ اُلْقُفّة ) كَبرتْ مؤخراتكم وضُمرت رِقابكم ... باُستعمالكم النّقدي الفُلسوسي- اُلْنّقودي لعقولكم. لُصوصٌ يَرِثونَ لُصُوصا و يورّثون لُصُوصا...
سلاما أيّها المنْشدون - المنَاشِدون للمَعفور له سياسيا والمقيم بأرض الحِجاز ... ما أحْقركم وتَكابرون . ثمة أكْثر من سببٍ لكتابة التاريخ اُلْثّقافي لتونس مثلا بغيْر ذلك اُلـْحِبْر, الحِبْر اُلْرّسمي المكْذوب. هل هو تهديد ؟ من علّم كُتابكم «الجرأة» في التّفكير واُلْتعْبير كُتابا وشُعراء ... زمن صمْتكم المهين للذات واُلْصّفات التي لا تليقُ بصاحِب قلَم ... أو حتى صاحب «فرشاة أسنان». «ماذا تغيّر عنْكم لحْن الجنازة أم أسْنان قادتكم» كما كتبَ ذات سنة الشاعر المقيم محمد الصّغير أولا أحْمد نعم . لقد أسْقطت ... مَعْنى اُلْصّداقة اُلْـمُزيّفَة. يحدْث لحذاءٍ عَسْكَري وطني أن يكون أنْفع للوطن حجرا. وشجرا... وتصريف مجاري مياه من أطنان «كُتبكم» في «تمجيدِ الحَداثَة ..» أو «القَدامَة» يا دُمى العَصر الخاسِر. لقد «طال بمثقّفي تونس السّفر لسنوات طوال وتقَطّع بهم اُلتّفَر» كما يقول المثل و«ارتخى منْهُم اُلْوتَرُ». دجّنهم نظام «صاحب التغيير» فتغيروا...وترهّلوا وهاهم اليوم يْكدَحُون لصياغة سرْديات ثوريّة هُم الأبْطال فيها بأحْبلتِهم اُلْصوتيّة لا غيْر. مزيد من الرّْقص . سوف أدَعُ الموتى إلى حين يدْفنون موتاهم أو يسْتحيونـهم وكل بقِناعِه ودواعيه .كتب ابو القاسم الشابي في مذكراته ليوم الثّلاثاء 28 جانفي 1930 «مَسْكينة هاته النّفُوس مَا أصْغَرَها وأَحْقرها وأَضْيق آفاقها ..». صحيح «أنّ» من عَارَضَ اُلْسّطان زَهدَ في اُلْدُنْيا ليس ادبارا جَبانا عن كتاب الحياة وإنما شَحْذا حَاذِقا لإرادة الحياة تليقُ جماليّا بهذه اُلـْحَياة على هذِه الأرْض: تونس مُشْتركنا العَاطِفي وانْ سرق منّا سُرّاقها الخُبزَ واُلْدّمْع واُلْدّمَاء .
(7)
حينَ هذا الحين طارتْ بي أطْيار ذاكرتي الي إجابةٍ عن سؤال طرحه عليّ في حوار مطوّل كاتب تونسي ( كمال الرياحي ) صدر في كتاب 2006 قال لي: بــماذا نخْــتم هذا الحِوار؟ وكانت إجابتي: «سلامي إلى الموْجوعينَ جميعا في اُلْوَطن اُلـْمُمْتدّ جُرحًا من اُلْوريدِ إلى اللّغة . يعْنيني أنْ أدوّن بالمداد الدّامي على بوّابات العَواصم العربيّة ما ورد في الأوراق اُلْقديمة من كتاب «أم القُرى» للكواكبي: «...وهكَذا طول الأُلْفَة (..) قلَب في فِكرِهم الحَقائقَ وجَعَل عنْدهُم المخَازي مَفاخِر (...) يسمّون التّصَاغُرَ أدَبا واُلْتذلّل لُطفا والتمَلّقَ فصاحَةً وقَبول اُلْإهَانةِ تواضعًا والرّضا بالظُلم طَاعَةً (...) والإقْدام تهوّرا واُلـْحَمِيّة حَماقة واُلْشّهامَة شراسةً وحريّة القَول وقاحَة وحُبّ الوطن جُنونا».
آه ... قُلْتُ لي : مزيدٌ من «الشّراسَة «. مَزيدٌ من «الوقَاحة» مزيدٌ من «الجُنون» . ما أشْرَه «شُيوخ اُلْـمَحَاشي» على «بَاذِنـْجان السُّلْطة» وإنْ هُوّ « نفّاخ » للبُطون المترهّلة.ِ
(8)
قلْتُ لي عنْدَ هَذا اُلْليلِ اُلْــتّونسيِ وقدْ توغّلْتُ في بعْضِيَ لأطْرِد هذا الليل ...
اذا ضَاقَتْ بكَ اُلْدُّنيا تذكّر الشّاعر «طَرفَة بن اُلْعَبد»، تذكّر جَوارح تلك «الـمُعَلّقة» مثَلا , وقُل لنَفْسِكَ: أنتَ لسْت خيرا من سِواك..