مهرجان مسرح التجريب: ثورة «دون كيشوت» لوليد الدغسني... المثقف ناقد أو لا يكون

من رحم المعاناة تولد الحكاية من قلب الظلمة تبعث الشخوص و تحت الانقاض وبين القبور تحبك سياسة الوطن، بين الموت والحياة خيط رقيق، بين الصدق والرياء بضعة كلمات وبين الوطن والوطنية الكثير من المفارقات وبين حب الوطن وخيانته شعرة رقيقة.
الظلمة والنور

الجنون والعقل، الظلم والعدل، الشعب والنخبة، الإرهاب والأمن، الجهل والمعرفة، السفسطة والصدق، الإعلام والحقيقة، والخير والشر... هي ثنائيات اتسمت بالتباين إلى حد التضاد، وعكست حياد الثورة عن مسارها وعن تحقيق أهدافها حسب ما قدمه الممثلون على ركح المركب الثقافي بمدنين ضمن فعاليات مهرجان مسرح التجريب تحديدا مع مسرحية «ثورة دون كيشوت» لوليد الدغسني تمثيل يحيى الهملاجي وأماني بلّعج ومنى التلمودي ومنير العماري ويحيى الفايدي .

للألوان أسرارها ولكل لون حكاية في ثورة دون كيشوت كانت المزاوجة بين الأحمر الصاخب كلون الدماء المتدفقة في العروق والأسود اللئيم ذاك اللون المقلق لون الخديعة والخيانة، لون الظلام الذي يحتضن الصفقات المبرمة سرا لخيانة الوطن وبيع ثورة شعبه، والأبيض المخادع اللون الذي يظهر الصفاء في حين انه يخبئ خلفه حكايات المخادعين المتملقين باسم الدين والوطن.

ثورة دون كيشوت، مسرحية جريئة ومختلفة عمل أعطى للون حقه وجعل للسينوغرافيا دورها في حبك لعبة درامية مترابطة، على الركح، عربة مرمية سوداء اللون، في الركن، امرأة تبدو كملكة تلبس رداء طويلا، حبلى، ثم صوت للموسيقى القوية ومعها حركات وجه اماني بلعج وكأنها لحظة المخاض والولادة، وجيعة تنطلق بزفرة ثم صرخة فلحظة الميلاد، ميلاد هذا العالم الغامض، منذ البداية ترمي الام وليدها الى العربة وكانها احالة الى ان عالمنا تتقاذفه الحماقات و الاشرار منذ بداية الخلق.

فانتقال إلى العربة، امرأة عجوز ورجل يبحثان عن فتات الطعام، للعربة رمزيتها في الثورة التونسية وللمشهد ايضا رمزيته لانه يحيل على الكثيرين الذين يعيشون على الهامش في حين انهم من صنعوا الاحداث وقلبوا ميزان القوة تماما كما شاهدنا في المسرحية.
ثورة دون كيشوت لوليد الدغسني نقد للواقع والموجود، نقد للسياسة والقضاء والاعلام وتوجيه اصابع الاتهام الى الساسة الذين سرقوا ثورة الشعب، وكما حارب دون كيشوت طواحين الهواء منذ 400 عام نجد ان التونسي اليوم لازال يحارب الاوهام، وهم التحرر ووهم الديمقراطية ووهم السيادة الوطنية ووهم الحق في العيش الكريم ووهم الحق في السكن ووهم الثورة جميعها اوهام ظنها التونسي حقيقة ليكتشف بعد سنوات انها مجرد اوهام كتلك التي يراها التائه في الصحراء.

على الركح شاهد جمهور مدنين الكثير من النقد الموجع والساخر، استمتع باداء ممثلين ابدعوا في تجسيد شخصياتهم حد التماهي، كانوا ممثلين صادقين اقنعوا جمهور مدنين صعب المراس، في ثورة دون كيشوت حضر النقد الموجع النقد اللاذع للوطنية المزيفة جسدها في نقاش حاد بين محاميين اثنين اول يدافع عن حرية المرأة وثان يدافع عن مغتصبها، سب وشتم، صراخ وثلب ليكتشف المتفرج ان الاول «المدافع الشرس» يعمل لصالح الثاني، وتكون كل القضية وكأنها مسرحية داخل المسرحية.

نقد الاعلام ودوره في تهويل بعض الحكايات وتسطيره لحكايات اخرى لصنع «البوز» ونقد الامنيين المتورطين في التستر على الارهابيين وغيرها من المواضيع التي عاشها التونسي نقدت على الركح بلغة جميلة واداء مميز.

فوظيفة المسرح لا تقتصر على نقل الواقع، بل تتجاوز ذلك إلى «التفكير فيه وتأسيس رؤية تُعلي صوت الفنان المتنبّئ والقادر على تحليل الواقع وتقديمه في أشكال جمالية مضبوطة ومنظّمة، وتعتمد على رؤية فلسفية» على حد تعبير وليد الدغسني مخرج العمل.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115