الكوميديا الموسيقية قرطاج لجلال دومة: تاريخ تحكيه أجساد الراقصين

«قرطاج»، عنوان لكوميديا موسيقية من تصور وإخراج جلال دومة، عرض كانت فيه السطوة للجسد للحركة للرقص وللغة الصامتة، لوحات مختلفة من تصميم الكوريغراف ياسين دومة و سارة العيني كانت مطية للسفر الى عام 841قبل الميلاد والتجول في تاريخ تونس القديم ودفع المتفرج لاستحضار تاريخ هذه الارض

واستحضار ان من العدم اسست عليسة قرطاج لتكون امبراطورية عظيمة، «قرطاج» في نسخة عربية قدم في عرض اول مساء السبت 27فيفري في المسرح البلدي بسوسة.

ويشارك في العرض ما يقرب من 50 راقصا وراقصة من مدرسة دومة للرقص فضلا عن مراوحات مسرحية أنجزها الشاعر والمسرحي الصادق عمّار بمشاركة الممثلين طارق الزرقاطي «ايراباس» ونائلة سهلول «عليسة» وأحمد بن علي «اميلكار» وجلال دومة «حنبعل» وياسين دومة «سيبيون» وعبد المجيد العلواني، «مهربعل» والطفل ادم مزاز «حنبعل الطفل» صمّمت الأزياء كلّ من Mireille Marie Ghehjsen ونجوى العسالي، ويدوم العرض ساعة و25 دقيقة.

مزج الماضي والحاضر
«لم تزل قرطاج لغزا، كانت قرطاج ام روما وحاميتها وقت كانت روما مدينة صغيرة، فما حقيقة قرطاج التي اخفاها المؤرخون» بهذه الجملة انطلق الراوي الصادق عمار في سرد حكاية تاريخ امبراطورية بنيت على ذكاء اميرة هاربة من بطش شقيقها في صور (لبنان) وكرم ملك نوميديا ايراباس ومن خيوط جلد ثور بنيت قرطاج لتصبح امبراطورية تجارية يخشى بطشها، هكذا تحدث الراوي وهو يلبس «قشابية» تقليدية ويجلس على كرسي احمر وثير وكانه كناية عن رخاء كان يعيشه ابناء مملكة قرطاج.
رقصة اولى تقودها مجموعة من الفتيات الانيقات يحلقن كفراشات بألوان زاهية وجميلة لياخذوا المتفرج الى القديم الى تاريخ مضى وبقي لغزا ربما نسي تفاصيله بعض المؤرخين إما سهوا أو عدا أو حبا في النظام ذلك العصر.
يتدخل الراوي ويقاطع الرقصة ويحاكي عليسة ويسالها قائلا «انا طيفك من مستقبلك البعيد نلتمس تاريخك، باسم احفادك نريد ان نعرف كيف كانت نهاية».

حوار بين عليسة والراوي حوار يجمع الماضي والحاضر حوةار الحفيدة والجدة حوار للبحث عن حقيقة قد تختفي على المؤرخ فيحاول الفنان اقتفاء اثرها لتقديم جزء من تاريخ امرأة اسست بحنكتها اقوى الامبراطوريات.

عن قرطاج في نسختها العربية قال «ليس الغرض أن نقصّ الحكاية –على ما في ذلك من افتتان وروعة– لكن الهدف الأبعد هو ان نحيا عمق لوحات الزمن الجميل ، وهي تتشكل كلمة وحركة وموسيقى كأنما هي البعث ، بعث ملحمة شحذت شعبا عظيما أصيلا يفرق بين الظلام والنور ، ويميز بين الفعل والعجز ، ويرنو إلى السلم يطلبه حثيثا مكدّا ثابتا متساميا حتى وإن فُرضت عليه الحرب وهو على إدارتها قادر ولها مختبر وبها عليم».

هذا العمل المسرحي الراقص من صنف «الكوميديا الموسيقية» يختزل الحنين والفخر بأعظم إمبراطورية عرفها المتوسط وتدافعت أمواجه تلثم حضارتها المتفوقة وضياءها الذي شاع في التاريخ والجغرافيا وخلدته الازمنة المتعاقبة أسطورةً تفوق الخيال وليست منه وتبهر الواقع وهي من صميمه، نص كتب بإتقان ومحبة من يعشق وطنه ، جمل سلسة وتعابير جميلة عبروا بها عن امبراطورية قرطاج.

عمل تاريخي يستحق المراجعة
الكوميديا الموسيقية «قرطاج» يمكن القول انها عمل ينخرط في الجهود الجادة لتأصيل تاريخ تونس مفخرةِ الأجيال مستخدما كل الأشكال الفنية المتضافرة الممسكة بناصية الفكر والوجدان نحو سفر افتراضي في أعماق ما أنتجت حضارة قرطاج، ليعود منه المتفرج مستنفر الهمة نحو الخلود وثيق الصلة بأرض الجدود شديد الإيمان بأن قدره أن يكون فاعلا أساسيا في الوجود.

طيلة الساعة يمكن للمتفرج ان يستحضر تاريخه ويعرف من هي عليسة وما الذي ميز حنبعل عن غيره من القادة، حوارات ونقاشات حول الحرب وصراع الامبراطورية جعل قرطاج في مصاف الامبراطوريات الشهيرة تجاريا وحربيا، نص جميل ولوحات حربية اتقنها الراقصون وخاصة الطفل ادم مزاز الذي جسد دور حنبعل الطفل.

عرض «قرطاج» رسالة تكتبها أرواح وأجساد مجموعة جلال دومة، هذه المدرسة التي أكدت منذ أكثر من عقد من الزمن أن همّ المشرفين عليها وعلى رأسهم المبدع جلال دومة، البحث في التعبيرات الجسديــة المتجـــددة، والذهاب إلى أقاصي إمكانات الحركة في صنع جمال ركحي يستقدم الكون ويشكّله بكل ألوان الطيف هكذا تحدث اصحاب العرض.

عرض قرطاج في نسخته العربية وعرضه الاول عرض يستحق المراجعة الجذرية للعديد من الهنات اولها الالقاء، فهل يصدق امرئ ان عليسة التي بنت اكبر الحضارات تتحدث بركاكة وطريقة تقرأ فيها نصا دون روح او اقناع لدرجة الشعور انك تشاهد «الصور المتحركة» لسنوات التسعينات ولست امام شخصية ملكة حيرت المؤرخين، عليسة على الركح وكانها جثة هامدة لا روح فيها أحيانا تحرك يدها اليمنى ولا تقنع المتفرج المقبل ليعرف كيف كانت عليسة وهنا يمكن السؤال «هل قام المخرج بدراسة عن شخصية عليسة؟»، صوت علسية «مقلق» و«غير مقنع» وحركاتها ايضا لا تعبر عن الشخصية التي تجسدها، من جسدت دور عليسة اخطأت في الاعراب فالفاعل تنطقه مكسورا وأخطئت في الكثير من الجمل التي نطقتها بالدارجة عوض الفصحى لغة النص.
ومن هنات عرض قرطاج ايضا من جسد دور مهربعل، هل للساعد الايمن لحنبعل ان يكون رقيق الصوت وضعيف البنية وإلقاؤه محتشم لا يشد الانتباه.

و في عرض قرطاج هناك تنافر بين الراقصين فبعض اللوحات ينهي الصف الاول حركاته في حين لازال البقية يرقصون فأين التنسيق؟ وأين المشرف على اللوحات من كل هذا؟.
ويمكن الاشارة ايضا الى الديكور وتغييره في بعض اللوحات يقطع المشاهد حيث يبقى الركح في ظلمة وهو ما من شأنه تشتيت انتباه المتفرج وهو يشاهد في خيالات تتحرك تسحب في بعض مكونات الديكور او تضيف له.

«قرطاج» في عرضه الاول يستحق مراجعة جذرية على مستوى القاء بعض الممثلين وعلى مستوى بعض اللوحات وتوزع الراقصين على الركح، عرض نصه جميل أعطى حقائق تاريخية ثابتة وصحيحة ولكن وجب اعادة النظر في بعض الجزئيات ليكون خير واجهة فنية لقرطاج والاميرة ديدون التي حيرت المؤرخين.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115