كِتابَةُ القَرَفِ ونَثْــر السّخافَةِ ضدّ السّخافَةِ (قصيدة النثر حيوان جميل)

بعد أن انتهيتُ من مراجعة رسالتي السنوية لمحمود درويش بمناسبة ذكرى ميلاده وميلادي في الليلة الفاصلة بين 13 - 14 مارس/ آذار .. أخذتُ أقلّب الكتب وإذا بي أقع على «ديوان شعر» لا أعرف كيف ومتى وصل إليّ وهو ديوان

«كلنا نولد مصابين بالغثيان» للشاعر الأمريكي راسل إدسن بترجمة عن الأنجليزية لأحمد الشافعي في طبعة أولى 2015 . قلبت الصفحة « لو شئت أن تعرف ما الذي تقْدر عليه قصيدة النثر فاقرأ راسل ادسن إنه أحد أكثر شعرائنا أصالة وهو مَعروف على نطاقٍ واسع من خلال الترجمة ولا يكادُ يعرفه أحد في وطنه». هكذا كتب الشاعر الإمريكي تشارلز سيميك عن مواطنه الشاعر . عدلت عن التفكير في نشر رسالتي السنوية المطولة إلى محمود درويش لأمر يعنيني وحدي ولا يعني غيري واُخترتُ أن انشر بعض هذه القصائد النثرية للشاعر المجهول في وطنه «راسل ادسن» الذي يعتبر أن «الشّعر متعةٌ والقصيدةُ في أفضل حالاتها تسْلية...».

(1)
فَيْلَسوفانِ
أنا أفكّر ،إذن أنا موجودٌ .قال رجل سُرعان ما ضَربته أمّه على رأسه، قائلة: أنا أضْرب ابني
إذن أنا موجودة على رأسه،
لا، لا أنت تُسيئين فهمها
هكذا ،صاح الرجل .
فضَربته على رأسه ثانية وصاحَت: إذن أنا موجودة
غير صحيح، ليس بهذه الطريقة، المفروض أن تفّكري لا أن تضربي، صاح الرجل:
أنا أفكر إذن أنا موجود، قال الرجل:
أنا أضرب إذن أنا وأنت موجودان،
الضارب والمضروب قالت أم الرجل
ولكن عند هذا الحد ،لم يعد الرجل موجودا غير واعٍ.
انه لا يستطيع أن يفكّر .
أما أمّه فتستطيع.
هكذا فكّرت: «أنا موجودة وهكذا ابني غافلٌ، حتى وإن كان لا يدري».

(2)
رَجلٌ في رأسِه شَجَـرة
تزوّجَ رجل لمدة سبع سنوات من حذاء نسائي بكعْب عال لم يكن يحبّ أن يكلّمه أحدٌ لأنّ ذلك كان يربك شعْر رأسه الذي كان يميل إلى أن يكون عُشبا وقدْ كان بالفِعل عُشبا , ولكنّه كان مختَفيا تحت زهرات بريّة تركها تنمو لتُخفي الشجيرات التي تَنمو في مؤخرة رأسه وتَنتهي بشَجرة كرزٍ كان يأكل منها بدلا من أن يجوع حتى الموت .
كان يمسح زوجته بجريدة/ وكلما يمسحها بجريدةٍ يسمع ضوضاء الشارع/ كان يسمع ضَوضاء الشّارع / وحين يسمع بقرة تخور يسمعُ بقرة تخور / وهذا يزيده تأكدا من الأمر/ فهي ليست كلبا ينبح / أم أنها كذلك . أم أنها كلب/ تعلّم كيف يخور كبقرة ؟ أم أنها بقرة تمثّل دورَ كلب يخُور كبقرة .أنه أمرٌ جدير بالتفكير.
ومرة كانت في السّماء سحابة - كما لا يزال يذْكر- رفع عينيه نحوها
أم كانت بقرة تنبَح
طلب الحذاء منه أن يُغادر البيت فغادَر البيت ثم تسلّل عائدا إليه من الشُّباك وأخذ يرنو إلى الحِذاء وهو داخل إلى الحمام.

(3)
سيّارة
رجل تزوج للتو سيارة .
قال أبوه :لكنني أريد أن أقول إن السيارة ليست شخصا
لأنها شيء مختلف
قارنها على سبيل المثال بأمك هل ترى مدى اختلافها عن أمك ؟
انها بطريقة أعرض منها .صح ؟
وعلاوة على ذلك أمك تصَفف شعْرها بطريقة مختلفة .
عليك أن تحاول البحْث في العالم عن شيء يشبهُ أمّا.
عندي أمّي ألا يكفي هيّ لتُشْبِهَ أمّا؟ هل يتعَيّنُ عليّ أن أجِمع المزيد من الأمهات ؟
كلهنّ سيدات عجائز لا يَسْتطعْن أن يُثِرْنَ مجرّد الرغْبة في الإنجابِ ,قال الإبن . لَكِنّك لا تسْتطيع أن تُنْجب من سيارة . أليس كذلك ؟
عرض الإبن على أبيه مفتاح السيارة ,أنظر , ها هو قضيب من نوع خاص يفعل في السيارة ما يفعله الرجل في المرأة , والسيارة تلد مكانا بعيدا عن هذا المكان .
أهذا يجعلني جدا؟ قال الأب .
هذا يجعلك في مكانك حين أكون أنا بعيدا, قال الإبن .
الأب والأم يشاهدان سيارة عليها شارة زواج تزداد صغرا في الطريق .
(4)
الثور
ذات مرة كانت هناك امرأة أصبح أبوها بمرورا السنوات ثورا .
كانت تسمعه بالليل يخور وحيدا في غرفته
وتملت وجهه ذات يوم فأدركت الثّور فجأة.
صاحت : إنك ثور .
بدأ يخُور ولِسانه الوَرْدي الكبير مُدلّى خارج فمهِ
كان يطالع جريدته مقلبا صفحاتها بلسانه بينما يبول على السجادة
وحين كان ينتبه إلى ذلك , كان يخور بحزن , وببطء
يصعد السلم إلى غرفته , وهناك بقضي الليل في خوار
حزين .

(5)
هيّا نتأمل
هيا نتأمل حال الفلاح الذي يتّخد من قبعة القش
حبيبة له . أو في العجوز التي تتتّخذُ من مِصباحٍ أبنا لهَا .
أو في الشابة التى عهدت إلى نفسها بتقْشير ظلّها عن الجدار
(...)
هيّا نتأمّل في رجلٍ قلَى وردا للعَشاءِ , له مَطبخ يفُوحُ برائحة حَديقة ورد محْروقة ,أو في رجلٍ تنكّر في هيئة عُثة وأكل مِعْطفه وأعدّ للتحْلية قُبّعة مبرّدة .

(6)

قصيدة النثر حيوان جميل
كان يكتب قصيدة نثر ,ونجح في الجمع بين زرافة وفيل .
أقبل العلماء من جميع أرجاء العالم ليروا النتاج , بدا الجسم جسم فيل ولكن له عنق زرافة ورأس فيل صغير وخرطوم قصير كان يهتز اهتزاز خيط مبلول .
لقد خلقتَ حيوانا جديدا . قال أحدُ العلماء .
_ هل يروقُك فِعلا ؟
_ يروقني ؟ صاح العالم ,إنني أعشقه وأود أن أمارس معه الجنس حتى أخلق حيوانا جميلا آخر .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115