يتناول هذه القضايا كتاب «الوطن القبلي بين الأزمات والتحولات» وهو مؤلّف جماعي بإشراف منجي بورقو صدر مؤخّرا عن المجمع التونسي للعلوم والآداب والفنون «بيت الحكمة»، ويتضمن المؤلّف الوارد باللغتين العربية والفرنسية فعاليات ندوة علمية، نظّمها قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بالمجمع يومي 19 و20 أفريل 2016 ، تحت إشراف الأستاذ منجي بورقو. يهتم الكتاب بأربعة محاور كبرى ، حيث يبحث المحور الأوّل في أهم خصائص الوسط الطبيعي بالجهة،وخصّص الثاني للمجال والإنسان عبر المسار التاريخي، أي منذ الحقبة القديمة إلى الآن، ويتعلّق الثالث بقضايا التنمية والديناميكية المجالية، ثم يشخّص المحور الرابع أهم التحوّلات السوسيو-ثقافية بالإقليم .
فلم تلتحم منطقة الوطن القبلي «ببقية الأراضي التونسية إلا في بداية الزمن الرابع» كما يقول الأستاذ بورقو، وتحوّلت وفقا لدراسته عبر مسار تكوّنها المورفوجيني «من وضعية أرخبيل إلى وضعية شبه جزيرة، ومازال شكلها يتغير
باستمرار، إلى يومنا هذا» . من أميز ما يميز الواقع الطبيعي بإقليم الوطن القبلي حسب الكتاب التنوّع ممّا يفسّر أهمية النشاط الفلاحي، الذي يمثل «أهم القطاعات الاقتصادية النشيطة»مثلما جاء في دراسة الأستاذ الحبيب بن غريبة . فلم يقتصر التنوّع عما هو طبيعي، بل يتجلى كذلك في مستوى الأعراق والثقافات، إذ انعكس ذلك على الأنشطة الاقتصادية، وفي هذا السياق يشير الباحث أحمد السعداوي إلى تأثير الجالية الأندلسية في تنمية عديد الأنشطة الاقتصادية ، حيث استثمر برأيه الأتراك في القرن السابع عشر «المهارات الأندلسية»، منطلقا من مدن بالإقليم تترجم «التأثيرات الأندلسية في مجال التحضر والبناء»، كمدينة سليمان بوصفها مركزا أندلسيا يختزل الخصائص المعمارية الأندلسية . بوجيز العبارة يمكن اعتبار إقليم الوطن القبلي ضفة كونية، لأنّه عنوان التنوّع البيئي، والثقافي، والعرقي، فهو جسر عبور لعديد الثقافات والحضارات نظرا لموقعه الاستراتيجي
كما ورد في جل دراسات المؤلّف، المجسّدة لتكامل المقاربات العلمية ذات الصلة بالبحوث التاريخية، والدراسات الجغرافية بأجناسها المعرفية المختلفة، والحفريات السوسيو-ثقافية، والمقاربات الأنتروبولوجية، قدّمتها كفاءات أكاديمية مختصة، لنستنتج أهمية الكتاب لكل المهتمين بالبحوث العلمية، والرهانات التنموية، والسياسات الاقتصادية، إن رغبنا في القطع مع الارتجال والدراسات الهاوية، ألا تستثمر القوى المتسيّدة على العالم في مراكز البحث والدراسات الاستراتيجية من أجل إرساء مجتمع المعرفة؟