إصدارات: الرغبة والأخلاق في فلسفة سبينوزا بين فلسفة المعرفة وفلسفة السعادة والفرح

لم يفهم فلاسفة الأخلاق والوعاظ وضع الإنسان لذلك ما انفكوا يعللون فساد البشر وانحلال أخلاقهم بعيب كامن فيهم ورأوا أنهم يستحقون الرثاء بقدر ما يستحقون اللوم والجزاء.لكن الفيلسوف «سبينوزا» أراد أن يقدم توظيفا جديدا للأخلاق فهو يرفض القول بالتفاضل بين ظواهر الطبيعة

ويدعو على خلاف «بسكال»و«ديكارت» لا إلى الاختبار بين الخير والشرّ وإنما إلى تأسيس أخلاق تقف ضد الفصل بين الخير والشرّ .

و»سبينوزا « (1677/1632) فيلسوف ولد في عائلة يهودية برتغالية لاجئة في هولندا وهو فيلسوف مختلف عمّن عاصره من الفلاسفة في القرن السابع عشر فهم اختاروا منهجا تحليليا أمّا هو فقد اختار المنهج التأليفي الذي ينتقل من معرفة العلة إلى معرفة المعلول بحيث يصبح المطلوب ليس الحكم على النفس بالنظر إلى ما تنتجه من الأعمال بقدر ما هو التوغل في معرفة النفس وفهم ما يجعلها منتجة بالضرورة لأعمالها.

في هذا الكتاب « الرغبة والأخلاق في فلسفة سبينوزا» الصادر مؤخرا عن دار الجنوب للنشر بتونس سعى المؤلف الأستاذ جلال الدين سعيد إلى أن يواكب فكر « سبينوزا» في تمشيه الإتيقي من خلال تحديده للبعدين الانطلوجي والمعرفي للرغبة وتقصي طبيعتها وعلاقتها بجوهر الإنسان وقدرته على المعرفة والفهم والتخيل والتبصّر والاختيار والفعل كما تولى المؤلف النظر في البعد النفسي للرغبة وفي بعدها الأخلاقي أيضا بوصفها مصدر الانفعالات أي انفعالات النفس وأهوائها.

تضمن هذا الكتاب عشرة فصول وهي التالية :
الماهية والوجود – الرغبة في الوجود – الرغبة والمعرفة – المعرفة والحقيقة – الرغبة والمخيلة – الرغبة والوعي – الرغبة والانفعال – الرغبة والإرادة – الحرية والضرورة والمشروع الأخلاقي – الرغبة والأخلاق والفضيلة.
كل هذه الفصول سبقتها مقدمة واختتمت بخاتمة.

لقد اعتبر الكثيرون أنّ أخلاق «سبينوزا» مقرفة والسبب حسب جلال الدين سعيد هو قطعها مع أخلاق العامة ومع أخلاق الفلاسفة .الأولى لقيامها على الوعد والوعيد والثانية لتكريسها مبدأ الالتزام والواجب .فتلك تزرع في النفس وازع الخشية والرهبة وتولّد فيها مشاعر الكره والحقد والضغينة وهذه ترسم صورة إنسان فائق للإنسان وتدعو إلى النسج على منواله.

إنّ الرغبة بما هي ميل ونزوع واشتهاء هي ما يسمح للإنسان بوعي وجوده فالإنسان لا يعي ذاته إلا عن طريق أفكار وانفعالات جسده ويظل الوجود الخارجي شرطا ضروريا لإدراك كينونته الداخلية لكنّ أدوات الإدراك ودواليب المعرفة معقدة ولا تلعب المخيلة فيها أضعف الأدوار فهي شديدة الاقتران بالوجود ولاسيما بكينونة الذات العارفة حتى أنّ الفيلسوف نفسه مهما كان إدراكه للطابع الخيالي لانفعالاته لا يستطيع أن يستبعد لا مخيلته ولا الانفعالات التي تترتب عنها .

إنّ فلسفة «سبينوزا» هي فلسفة الفرح والسعادة قبل كل شيء لكنّ السعادة والفرح لا يتحققان بقمع ميول الإنسان الطبيعية وقهرها بل يتحققان بإنماء الانفعالات والأهواء وتهذيبها بالعقل كي تتحول من انفعالات سلبية إلى انفعالات ايجابية وهذا لا يتحقق إلا بالمعرفة لأنها حسب «سبينوزا» هي الأداة الوحيدة للخلاص والتحرر.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115