كذا هو الكاتب زين العابدين حمدة الشريف وتلك هي مقاربته للإسلام السياسي كما ورد في كتابه «الإسلام السياسي في مواجهة المجتمع التونسي: من الاتفاق السياسي إلى الاتفاق التاريخي» الصادر باللغة الفرنسية . لقد أشار المؤلّف في أمسية فكرية نظّمها قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بمجمع بيت الحكمة حول مضامين الكتاب إلى طبيعة الإسلام السياسي كخطاب يؤمن بالأمة لا بالمواطنة والقيم الجمهورية، منطلقا من حركة النهضة كنموذج، تلك التي حاولت حسب رأيه تمرير مشروعها الإيديولوجي، مستثمرة وفقا لتحليله المسار الثوري للحساب الخاص، وقد صدّها القطب التحديثي المتمثّل في قوى المجتمع المدني أساسا والنخب المؤمنة بالمشروع الجمهوري، ولإبراز الملامح «الفاشستية للحركة» ذكّر الكاتب ببعض الشعارات التي ردّدتها قيادات وبعض رموز الإسلام السياسي مثل «موتوا بغيظكم»، «السّحل»، «التكفير»، «الطاغوت» الخ... كما تناول مسألة «تقسيم الأدوار من أجل تمرير المشروع»، ولتجاوز الوضع المهدّد للمسار الديمقراطي دعا الكاتب إلى ضرورة «قيام إسلام ديمقراطي يؤمن بالنظام الجمهوري» ومتحرّر من هواجس «الأسلمة» وتقسيم المجتمع حسب مفردات الإيمان والعلمنة، «فالمجتمع التونسي مسلم بطبعه»، لا ينتظر الأسلمة بل ينشد منظومة القيم الديمقراطية والوعي الجمهوري كي يقطع مع موروث وصاية الاستبداد السياسي السائد ما قبل الثورة، حيث كانت الأحزاب آنذاك شبيهة بالنوادي . . بل لم
ترق في معظم الأحيان إلى مستوى النادي على حد قوله . وتريد تيارات الوصاية الدينية وفقا للكاتب إعادة إنتاج المنطق الاستبدادي في ثوب جديد عبر آليات توهم بالديمقراطية، إذ ينطلق من أزمة وفوضى المفاهيم المرتبطة بعدم التمييز بين الحكومة والدولة، والتي أفضت إلى اختراق عديد المؤسسات والتوظيف الحزبي، فالحجة كما قال شعار الغنوشي «خرجنا من الحكومة ولم نخرج من الحكم»، فضلا عن الاستعداد الدائم للتحالف مع أي كان من أجل السلطة.
وعليه يكون النظام الجمهوري المقنّن هو الضمان الفعلي للتعايش المشترك بمقتضى القوانين الوضعية والتعاقد الاجتماعي تكريسا لسلطة المؤسسات الملزمة بضوابط الإرادة العامة، ولن يتحقّق هذا المشروع إلا عبر بوابة الثقافي لأنّ غياب الاستراتيجيات الثقافية والمنابر الإبداعية يعبّد المسالك للحركات المتطرّفة والخطاب المتشدّد.