إعلان سمامة «عاصمة كونية» للثقافة الجبلية: الجبل جبلنا... الأمل يسكننا والفن سلاحنا فهل من نصير ؟؟

جبل سمامة ذاك الرابض بعيدا، ذاك الجبل الذي استوطنته مجموعة من التكفيرين محبي الموت وحرموا ابناء الجبل من ممارساتهم اليومية، حرموهم من الوصول الى «كاف الحمام» والصعود الى قمة جبلهم هناك اين صنّف الجبل كمنطقة حمراء رفض

أبناؤه الخضوع والخنوع وانتفضوا كما طائر المنيرفا ليعلنوا سمامة عاصمة كونية للثقافة الجبلية وبحضور اكثر من 2000 متفرج انجز الانزال الثقافي الثالث وتم الاعلان عن انطلاق اشغال بناء المركز الثقافي الجبلي بمنطقة الوساعية ليكون حاضنة للابداع وصرخة تحد ضد ثقافة الارهاب والموت.

هناك في الوساعية سفح جبل سمامة مبدعون يقاومون التكفيريين يوميا هناك رعاة يقومون بالغناء واطفال يقومون بالرقص هناك غير بعيد عن المنطقة العسكرية اناس بسطاء يعشقون الارض متمسكين بترابها تمسّك الحلفاء بحجارة الجبل
فقد دأب فريق المركز الثقافي الجبليّ على تنظيم هذه التظاهرة منذ 3 سنوات وذلك في اطار رسالة تحدّ ثقافي إبداعي للتهديد الإرهابي الذي جعل من جبل رائع كجبل سمّامة مكانا مصنّفا خطيرا و سقط فيه عديد الشـــهداء من المؤسستين العسكريّة والأمنية ومن سكّان الجبل نساءً و رعاةً.

انطلاق المركز الحلم...من احلام مبدعي الجهة ومقاوميها
«هل حقا سيبنون مركز ثقافي في الجبل؟ هل يمكن الوصول الى سفح الجبل دون خوف؟ هل هناك من يسكن قرابة المنطقة العسكرية؟ احقا هناك فعل ثقافي هناك؟»
جميعها اسئلة طرحها ضيوف الوساعية اثناء رحلتهم من تونس الى الوساعية اسئلة اجاب عنها صغار الجبل بنعم هنا في جبلنا نتعلم الشجاعة منذ النعومة هنا نحفر مسرحنا ونغني ونرقص وندخل الجبل نرافق امهاتنا لاقتلاع الحلفاء هنا نتعلم الحياة ولا نخاف الخطر وان اختلف اسمه.
سبيطلة، فطريق القصرين وبعد كيلومترات تكون في منطقة الشرايع لافتة كبرى كتب عليها الوساعية استدر الى يمينك وواصل السير فالطريق ضيقة ولا تتسع لسيارتين، المدرسة الابتدائية بوفروة الى يسارك وككل المدارس زينت ببعض الشعارات والنقوش، طريق طويلة لن ترى فيها إلا منازل متناثرة هنا وهناك وأشجار الزيتون وزهر اللوز زاد المكان هيبة.
واصل طريقك وبعد 5 كيلومترات تقريبا سيتفرع الطريق الى فرعين، الى اليسار ستجدك امام المدرسة الابتدائية الوساعية وقبالتها الشانطي» عمال يضعون الخوذات البرتقالية على رؤوسهم، الحديد والآجر والاسمنت وصوت الالات والرافعات اخرج الجبل من صمته فهنا في هذه الارض التي تبرع بها عدنان الهلالي سيتم بناء المركز الثقافي الجبلي الاول في العالم، مركز ثقافي في الجبل غير بعيد عن سمامة والسلوم مركز ثقافي تكلفته 500الف دينار .

هناك حيث اشغال البناء انطلقت منذ شهر، تجمع عدد من المواطنين وكأنهم يحثون العمال للإسراع في البناء فالمركز لن يخصص للثقافة وحدها بل سيوفر مواطن شغل لجامعات الحلفاء والنسوة المشتغلات في الحرفة اليدوية ومنها النسيج والحلفاء.

وفي ندوة صحفية عقدت تحت سفح جبل سمامة في الفضاء الطلق اين اخذت الحجارة مكان الكراسي وزينت الارض بالحلفاء والإكليل عوض السجاد والجليز ودون مكبرات صوت ولا اجهزة مكروفون قدمت الفة التّراس المشروع الجبلي وأكدت ان ذاك واجبها تجاه وطنها ولن يكون المركز الثقافي الجبلي مقتصرا على ورشات المسرح والسينما والموسيقى بل سيفتح ابوابه لنسوة الجبل ليكنّ جزءا من المشروع الحلم يقدمن ماتصنعه ايهديهن ليحافظن على الحرفة اليدوية وأشارت ايضا ان المركز بداية من العمال الى الادارة والورشات وكل شخص سيعمل هناك سيكون ابن الجهة فالمركز الثقافي الجبلي نبع من ارادتهم واليهم يعود.

ويكون بذلك مشروع المركز الثقافي الجبلي قضية وطن وهوية لمنطقة تنتمي للتراب التونسي قد تربص بجبالها العدو وحاول تدنيسها بنشر ثقافة الموت كما صرحت الفنانة زينة مساهلي.
أما ان كنت تريد زيارة موقع الانزال الثقافي وتحديدا جبل الفلاقة فوق «الراقوبة» الموجودة في «دوار اولاد الهلالي» فواصل الطريق بضع كيلومترات اخرى ستجدك على بعد 150مترا من المنطقة العسكرية هناك حفر الاطفال مسرحهم، وصنعوه من الحلفاء وفرشوه الاكليل ليكون المسرح كما الجبل يولد من رحم الارض وفيها يقدمون اجمل العروض.

تنفس الفن، تنفس الموسيقى
ضحكة ليست ككل الضحكات، وجوه صادقة، وأيادي لم يؤثر فيها البرد ظلت تصفق وتعبر عن الفرحة بطريقة مميزة، اطفال لم يثنهم البرد والصقيع ولا اليوم الشتوي البارد من التوافد الى الوساعية، أكثر من 700 طفل جاؤوا ليشاهدوا العروض الموسيقية والمسرحية في مسرح الفلاقة وكانت البداية مع كرنفال الهضاب الذي جمع اطفال الوساعية والشرايع وحي ميمون والهراهرة و فيض المثنان وحي الخضراء بسبيطلة و وادي مساهل والغرابلية جميعهم احتضنتهم سمامة التي اعلن عنها عاصمة كونية للثقافة الجبلية.

هناك في ريف الوساعية تمكّنت جمعية الهضاب من جلب 700 طفل ويزيد من كل ارياف القصرين ليشاركوا اترابهم الاحتفال، يوم شتوي بارد بعض رذاذ خفيف زاد الاطفال بهجة ، في سفح الجبل حضر عدد كبير من المواطنين وجلبت النسوة صغارهن للمتعة «بنيتي هذا عرس وألا مهرجان خلينا نفرحوا شوية» كما قالت الخالة فاطمة الى كل الصحفيين.

هنا في الجبل لقاء مع تلامذة المسرحي مقداد الصالحي وهم يمشون على العصي العملاقة، غير بعيد مهرج «كلون» يثير شغب الاطفال وكلما سكنوا او صمتوا حرك فيهم بعض شغب طفولي ممتع، الى يسارك اسفل «الراقوبة» الكميون الثقافي لجمعية الشهاب المسرحي بماجل بلعباس تحلق حوله عدد من الاطفال يشاكسون الدمى العملاقة ويستمعون الى المنشطين، «الكميون الثقافي» لجمعية الشهاب المسرحي ماجل بالعباس وزع البسمة بين الصغار والكبار بركحه المتحول والساحر والذي صنع بدوره مصالحة مع طفولة الآباء المفقودة في زمن التهميش والإقصاء حتى أنهم رافقوا كل العروض وشاركوا الأطفال المتعة واللعب على حد تعبير الفنانة زينة مساهلي ابنة الجبال.

على الركح المصنوع من الحجارة والحلفاء حمل زرياب الجبال محرز العبيدي عوده وغنى للجبل ولأهله الصامدين وفي الاعلى مجموعة ّغار بويز» يقدمون ورشة للأطفال في البريك دانس، وغير بعيد الفنان ياسر الجراي يعلمهم بعض الاغاني، ثمة أطفال تحلقوا حول معلمهم ينشدون للجيش الوطني ولتونس ويتجولون بالراية الوطنية باحثين عن أعلى نقطة ليضعوا العلم فوقها مرفرفا شامخا وكأنهم يتحدثون الى من افتكوا الجبل ويخبرونهم انهم زائلون مادام في الوطن اطفال يعشقون الحياة.

في مسرح الفلاقة الذي حفره صغار سمامة تعالت الزغاريد الكل جاء للمتعة، غير بعيد عن المكان انفجر لغم ولكن ارادة الحياة اقوى وزغردة النسوة تجاوزت صوت الالغام هنا ولدت مجموعة أصوات سمامة وغنت «خالتي مباركة» بعض الاغاني بالشلحة وغنت صلوحة والكامل وتغنى «الجمعي» بالجبل الصامد ابدا.

وكما يقول قاسم حداد في نصه «الجواشن» هاهي الأرض، في غيبوبة الصحو، تلامس بأطرافها مسرح الأعشاب. وإذ تسري الارتعاشة، الأكثر شبقاً، في هضاب روحها، يدغدغها التهيّج وتجتاحها الحمّى النهمة التي تقرض تخومها البيضاء باشتهاء.

يا أعشاباً تتمرأى مأخوذةً في
خصوبة الماء، يا عشيقة الماء
المدلّلة، أمِنْ أجل المتعة وحدها
تفعلين ذلك؟ تذرفين الندى
العذب حين يداعبك النسيم

هنا في الوساعية تزينت الارض وتكحلت بأعشاب جميلة وتوشت بالأزهار البرية وتعطرت بالإكليل والشيح وزادها رذاذ المطر وقارا، هنا غير بعيد عن الجبل لبس النسوة اجمل لباس وخرج الاطفال قبل الكبار للاحتفال، هنا صنعت البساطة الفارق فهم بسطاء يعيشون من الرعي والأعمال اليدوية ولكن تسكنهم ارادة حب للحياة جد قوية، هنا يقاومون في صمت يستيقظون باكرا لجمع الاكليل ويرعون الاغنام ويعودون الى منازلهم لتنظيف الاكليل من الغبار ثم بيعه بأثمان زهيدة ولكنها تسد الرمق كما يقولون، هنا يعبرون عن فرحتهم بالضيوف غير عابئين بالفقر او التهميش ويحدثونك بضحكة مرسومة على المحيا متناسين مؤجلين وجيعتهم لوقت لاحق، هنا تعلموا من الجبل الصمود.

هل يقدر الظلم على تفتيت ارادة الحياة؟
هل يقدر الظلم على تفتيت ارادة الحياة التي سكنت مبدعي الجبل؟ هل للحيف قدرة على تحطيم رغبة ازلية للإبداع كشعلة نار ملتهبة وان اختفت تحت الرماد فلهيبها المستعر سيشتعل حتما؟ هل للإرهاب الساكن داخل الجبل قدرة على اخافة مبدعين ينثرون بذور الامل على اطفال المدارس الحدودية والجبلية؟ اسئلة كثيرة اجابتها «لا» فلا الارهاب ولا التمييز الاجتماعي ولا التهميش ولا غياب الدعم استطاع ان يثقل عزائم مثقفي الجبل.

منذ الثورة الى الان كم من فضاء ثقافي خاص في القصرين؟ وكم من انتاج مسرحي وموسيقي حقق نجاحا جماهيريا وإبداعيا؟ كم من طفل تمتع بالمسرح في ربوع ارياف القصرين؟ حتما كثر فمن الجبال الواقفة الى الجبل يغني الى ابتسامة لكل مواطن الى ايام منيرفا للمسرح جميعها تظاهرات حاول المشرفين عليها تمكين أطفال الجهة من حقهم في الحياة رغم الداء والأعداء.
في ولاية القصرين مبدعين يؤمنون ان الجبل موطن الفلاقة والوطنية، الجبل موطن تعلموا منه الصمود والمقاومة ولم يتعلموا الخنوع والخوف ومن تمسكهم بجبلهم زرعوا في اطفالهم حب الحياة، عدنان الهلالي ووليد الخضراوي وفارس السعداوي و بلال الرحموني وبلال العلوي ومقداد الصالحي لكل منهم طريقته في تشريك اطفال الجهة في الابداع ربما تختلف طرق عملهم ولكنهم يجتمعون في شحذ العزائم ونشر البسمة على وجوه الصغار الذين ينتمون لمنطقة قسى عليها التاريخ وتغطرست عليها الجغرافيا.

في الوساعية استمتع الاطفال بزينة الكميون الثقافي، عاندوا «الكلون» واستمتعوا بشغبهم، غنوا مع ياسر الجرادي وانصتوا الى موسيقاه، واهتموا بموسيقى ميمون الجزائري، من سفح سمامة وجهوا التحية الى جبال الاوراس، هنا انطلقت اشغال حلم ثقافي واقتصادي سيبدأ عمله رسميا في شهر سيبتمبر 2017، مشروع سيفتح ابوابه لابناء المنطقة لعلّ الوساعية تكون قبلة ثقافية وسياحية وتحطم فكرة «القصرين منطقة حمراء، لانها منطقة خضراء بجبالها واكليلها وحلفائها» و كما تابى الحلفاء ان تقتلع كذلك مبدعو القصؤرين يابون ترك جبالهم ووهادهم فهم هناك كطائر المنيرفا كلما احترق انبعث من رماده لينثرو الامل على صغار القصرين عروس الوسط الغربي.

عدنان الهلالي: جبلنا عاصمتنا


في تصريح لـ«المغرب» أشار الفنان عدنان الهلالي أن تظاهرة الإنزال الثقافي، بمثابة تواصل لعدة تظاهرات نظمها المركز الثقافي الجبلي لتنشيط الجبال وفي تحد للخطر الداهم على ساكني الجبل وهو الإرهاب
واضاف محدثنا انّ إعلان سمامة عاصمة كونيّة للثقافة الجبلية هو تعبير عن فعل مقاوم للحفاظ على الجبل وما يمثله من شموخ ومن ثروات طبيعية أصبحت مهدّدة بفعل الإرهاب الذي تجاوز خطره الأمني لتهديد وجود الناس بالمنطقة
وهي رسالة تحد ثقافي وإبداعي للتهديد الإرهابي الذي جعل من سمامة مكانا مصنّفا خطيرا وأدى لتوطن الإرهاب، وسقوط ضحايا من العسكريين والمدنيين الساكنين بالقرب من الجبل
مشيرا الى ان إعلان سمامة عاصمة كونيّة للثقافة الجبليّة هي خطوة جيدة تهدف لكسر الحصار الذي ضرب على المناطق الجبليّة المحاصرة بطبعها منذ زمن طويل مرّة بدواعي سياسيّة ومرّة بدواعي أمنيّة».
وختم بالقول «جبلنا و هو عاصمتنا وفكرتنا و خطوتنا إلى الأمام... لا نحتاج إذنا من أحد كي نعلنه عاصمة كونيّة وبرنامجنا سيدافع عنا لأنه تربوي تثقيفي إبداعي لا استهلاكي فولكلوري زائل. إنه مشروع للزرع الثقافي و التأسيسي الفعلي».

الجزائري ميمون محمد الصالح: الارهاب لن يؤثر
في إرادتكم الصلبة


من جبال الاوراس قدم حاملا كمانه عازفا ارق النغمات مهديا عملا مسرحيا الى اطفال سمامة، الفنان الجزائري وتحديدا من تبسة ميمون محمد الصالح شارك محرز العبيدي العزف وفي تصريح بخصوص مشاركته في الانزال الثقافي قال .
«أصبت بالدهشة منذ أن وصلت إلى المنطقة؛ إذ لا شيء يوحي مثلما اعتدنا سماعه بأن هناك مشاكل أمنية بالمنطقة هناك كرم ضيافة وغناء ورقص فهنا الحياة بكل معانيها ويبدو لي أن هذه العمليات الإرهابية التي يشهدها الجبل لم تؤثر على سكانه».

ألفة الترّاس مؤسسة رامبورغ للثقافة: المكز الثقافي الجبلي هدية لإرادة الحياة عند نسوة سمامة


أكدت الفة ترّاس رئيسة جمعية رامبورغ المشرفة على بناء المركز الثقافي الجبلي الاول أن مشروع المركز الثقافي الجبلي، سيكون مشروعا نموذجيا لا مثيل له، لأنه، سيكون بمثابة الفضاء الثقافي والترفيهي والاجتماعي والتربوي ، لما سيحتويه من نوادي متعددة الاختصاصات (مسرح ، سينما ، موسيقى ، رقص...) وورشات عمل حية في الفن التشكيلي والقرافيتي... ومكتبة عمومية وروضة أطفال وفضاء للصناعات التقليدية، وسيوفر للمشتغلات في جمع الاكليل ولنسوة المنطقة مورد رزق يغنيهن عن الجبل الملغوم ، موضحة أن المشروع سيكون جاهزا خلال شهر سبتمبر المقبل على أقصى تقدير.
وأكدت ان المشروع ولد من ارادة الحياة القوية التي اكتشفتها عند نسوة سمامة واشارت ان المشروع هو اقل مايمكن ان تقدمه لوطنها تونس.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115