انفتاح المسرح على السينما: فيلم خسوف: «نحن ملح هذه الأرض، ولن تخسف شمس تونس»

الكاف - المغرب - مفيدة خليل
تتواصل فعاليات تظاهرة الـ 24 ساعة مسرح بالكاف، تظاهرة انفتحت في يومها الثالث على الفن السابع، في حضن أب الفنون حضرت السينما وكان اللقاء مع فيلم لمخرج عرف بتميز ما يقدمه في المسرح و السينما، الفاضل الجزيري اختار لفيلمه الجديد اسم «خسوف»

فيلم يتحدث عن تونس الآن بنظرة فنية جميلة، خسوف حكاية الشرف والوطنية و الخيانة والإرهاب والتجارة بالسلاح و الحب جميعها مواضيع حضرت في الفيلم.
ساعة وخمس دقائق رحلت بجمهور تظاهرة 24 ساعة مسرح ليتجولوا من خلال الكاميرا في الكاف و المدينة العتيقة و البحيرة و قرطاج والقصبة، رحلة في الوطنية والوطنية، و الدماء التي سالت من أجل أن تبقى تونس عصية عن الخونة.

خسوف تونس تحتضر
يبدأ الفيلم بالأذكار و المدائح الدينية التي تقدم في المآتم ، جنيريك موجع، بأبيض واسود يجد المتفرج نفسه أمام موجة عالية و مجموعة من «الحراقة» تنقلب المركب وتظهر في الشاشة الجثث و الأشلاء و العدم، منذ الجنيريك اختار الجزيري الصدمة لشد انتباه المتفرج، فصوت يقول «ممنوع التصوير، الصحافة لا» صوت ضابط شرطة يمنع الكاميرا من تصوير حادثة غرق مركب صغير يحمل احلام شباب تونسي فقد الامل في وطنه فرمى بنفسه عرض البحر إما أن يصل إلى ايطاليا او يموت في البحر لانه ميت في كلا الحالتين فالجوع لا يعرف الممنوع.

حكاية خسوف حكاية بسيطة نعيشها ونعايشها ونعرف انها موجودة ولكن تغيب عنا التفاصيل، جزئيات سلط عليها فاضل الجزيري الضوء وكشف عن شكل اخر من الاستعمار الذي تعيشه بلادنا اليوم، استعمار السلاح و الارهاب والتهريب.
«خسوف» هو قصة الأسعد الشهير باللص (علي الجزيري) ضابط الشرطة الذي يحقّق في جريمة قتل مقاول بناء كبير، يقوده التحقيق الى اكتشاف حلقة ربط بين المقاول القتيل ومجموعة من المقاولين والتجار المتورطين في تسفير الشبان عبر قوارب الموت إلى أوروبا بعد انتدابهم كعمال بناء، ثم تحوّلت وجهة التسفير بعد الثورة إلى سوريا وليبيا ومالي والعراق! مناطق ساخنة يمثّل فيها الشبّان التونسيون الرقم الأول في عدد المقاتلين، كذلك يكتشف الضابط الصلة مع مهرّبي العملة والسلاح والسلــع الفاســدة والمخدرات عبر الشريط الحدودي مع ليبيا، خاصة مدينة بنقردان. سيقوده التحقيق أيضاً إلى صلة هذه الشبكات بالبناءات الجديدة في ضواحي العاصمة مثل «البحيرة» في إطار تبييض الأموال، سلسلة من التحقيقات وكل جريمة تقود الضابط الى جريمة اخرى فالارهاب «في المناطق الراقية يا صاحبي وليس في بن قردان» كما يقول الضابط لصديقه المحامي.

أثناء رحلة التحقيقات يتعرف الضابط على صحفية استقصائية تقدم تحقيقات وبرامج عن «الحرقة و الحراقة» تنشأ بينهما علاقة حب و من قصة الحب يكون هناك تعاون بين الضابط و الصحفية للكشف عن جريمة قتل صاحب المقاولات وعلاقته بتهجير الشباب الى ان يجدوا أنفسهم أمام إحدى ضحايا الحرقة «وليد الخضراوي « كنت نجارا في احد أرياف الكاف ثم تعرفت على المقاول اعمل لتسعة اشهر واتحصّل على ثلث الراتب، ثم يجمعوننا في مكان لتلقي بعض الدروس الدينية يقدمها رجل عراقي و بعد اشهر تغير المضمون وعوض الحديث عن ايطاليا اصبحوا يحدثوننا عن سوريا وليبيا و مالي والجهاد والموت في سبيل الله».

بين الارهاب و التهريب يقبض الضابط على سلفيين، يعترفان بكل المخططات ويقدمان أسماء رجال اعمال مورطين في الارهاب و التهريب، اعتراف بسببه تحرق منطقة الامن و يتعرض القاضي للضغط ويهدد الضابط بالموت، دموية و عنف، لون اسود وأصفر يملآن الشاشة يحيلان الى تونس الان، وكان بالفيلم صرخة ان انتبهوا الى وطنكم، تبييض الأموال وجه أخر للاستعمار، في الفيلم حديث عن السلاح و الحدود وكان بالمخرج يستحضر ملحمة بن قردان، حرق لمنطقة الامن، سخرية من الشرفاء، نهاية الفيلم موجعة، ودموية فبعد رحلة البحث وقبل الوصول الى الحقيقة بدقائق يتعرض الاسعد إلى الطعن حد الموت، يسقط وسط دمائه، دماء زكية طاهرة ككل دماء الشهداء الذين سقوا تراب تونس بأرواحهم، هكذا هم الشرفاء إما يقتلون او يغتالون ويدثرون بالعلم.

«أيخون إنسان بلاده» سؤال طرحه السيّاب في إحدى قصائده ووجد المتفرج له صدى في فيلم خسوف، خسوف الخيانة و الجبن وبيع الوطن مقابل مصالح ذاتية، ضابط شريف تعمل معه عون امن انانية تفكر بذاتها و تقدم كل تحركات رئيسها الى احد الرجال المشبوهين «رؤوف بن عمر» مقابل بضعة دنانير، «منتصر» كنيتها رمز للخيانة والغدر قدمها المخرج كانموذج عمن يفكر بذاته قبل مصلحة وطنه انموذج لمن يقسم كذبا و لا يرى أمامه غير بضعة دنانير يبيع مقابلها ذاته وأهله ووطنه، مقارنة مباشرة بين من يفضل الموت لأجل الحقيقة ومن يسرق الحقائق ليطمسها غيره، حضور «منتصر» كان ثانويا وكان بالمخرج يقول ان الخونة هامشيون وان كانت لهم سطوة وسلطة ولكنها زائلة.

لن ينكس العلم الوطني مازال هناك رجال
وسط السواد و الوجيعة هناك جانب مضيء كشفه الفاضل الجزيري في الفيلم، جولة بانورامية في المناطق العتيقة والمدن التونسية، صورة قدم عبرها المخرج صورة جميلة عن تونس فرغم الصفرة هناك ضياء و أمل .
بين المقاطع و الصور ووسط الكم الهائل من الحديث عن الموت و الجريمة و الدموية تنتقل الكاميرا إلى ساحة القصبة أين يرتفع النشيد الوطني و يرفرف العلم عاليا، من القصبة الى عدة مؤسسات يركز الجزيري على صورة العلم، على لونه الأحمر القاني و النجمة و الهلال، صورة يؤكد معها الجزيري انه وان اشتد السواد فالصبح قريب، رغم الهنات و المشاكل، بالرغم من الدمغجة و الإرهاب فلهذا الوطن شرفاء تذود عنه بأرواحها.

اختيار ضابط أمن شريف غايته الكشف عن وجود الأمل بين صخور اليأس ، فوسط ركام الخيانة والتهريب و محاولة اغتيال ضياء البلاد يوجد نبراس شجاعة أمنيين وعسكريين ومواطنين يؤمنون بضرورة افتداء الوطن والدفاع عنه.

يسقط الاسعد الضابط وسط الدماء ، وصوت داخلي يقول « سوف نبقى هنا، كي يزول الألم، سوف نحيا هنا سوف يحلو النغم، موطني ذا الإباء موطني يا انا، رغم كيد العدا رغم كل النقم سوف نسعى إلى إن تعم النعم سوف نرنو إلى رفع كل الهمم « و لا عاش في تونس من خانها.

صرخة ضد الوجيعة و التهريب والإرهاب، صرخة ضد استعمار جديد و ثقافة الموت و التهميش قدمها الجزيري بطريقته الخاصة، صرخة علّ التونسي يستيقظ من سباته و ينقذ وطنه قبل الغرق، صرخة للحياة، صرخة ترج الذات فهل يسمعها التونسي؟.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115