للصورة الف حكاية وللكاميرا صدقها
الليالي السودّ لفريق جربة هو الشريط الفائز بالجائزة الذهبية، فيلم لثلاثة شبان عشقوا الكاميرا وواظبوا على الحضور وللمرة الثالثة في ملتقيات سينما الهواة وفي كل مرة يقدمون فيلما بطريقة مغايرة ومختلفة رغم وحدة الموضوع، والليالي السود يمكن الجزم انه فيلم الصورة بامتياز.
الليالي السود مقتبس من قصيد لجمال الصليعي وتحديدا البيتان».
آه، هو اللّيل...لا...بل ربّما لعـــــــــــــــــــــــبت
أصابع الفجر حين الضّوء يرتجـــــــــــــــــــــف
يبدا الفيلم بصورة كبرى عن مكان التصوير وتحديدا الواحة، ثم تصغر الصورة وتقترب الكاميرا تدريجيا من الموضوع او الشخص، في الليالي السود تركيز على الجزئيات التي تصنع كبرى الأحداث منذ البدء تسمع صوت زفيف الريح ، يشتد تدريجيا ليصبح وسواسا يلفت الانتباه (الوسواس هو صوت الريح الخفي)، ثم تقترب الكاميرا اكثر مع فحيح يبدو انه لأفعى وكانه تعبيرة عن صوت الضمير الداخلي وكلما تقدمت الكاميرا بين الشجيرات الا وسمع المتفرج صوتا لنضيض المياه صوت يرتفع ليصبح صفقا له موسيقاه الخاصة تفزع النفس وتدفعك للسؤال حتما، هل الفيلم سياسي؟ هل سيتحدث عمن يعذبون داخل السجون ؟ وبعيد دقائق يعرف المتفرج انها رغبة ذاتية في الاختلاف وما التركيز على موسيقى الريح والماء الا لمزيد شد الانتباه.
الليالي السود حكاية تبدو بسيطة وهي الاحساس بالذنب ففي الفيلم نشاهد احدهم «حاتم بو سعيد» نائما متقلبا في فراشه، صوت للرياح وصورة لفحيح افعى تصعد وتلتف حول رقبته ثم قطرة ماء تنزل في الاناء يظنها المشاهد النهاية حينها يستفيق النائم ويعرف المشاهد انه مجرد كابوس ربما لاحساس بالذنب تجاه احدهم ففي الصورة الاولية لباس «قشابية» احمر اللون لأحدهم وبعد ان يأخذ النائم صورة من اناء الماء يعرف المتفرج انها لأحد مروضي الافاعي الذين يلتقط كل زائر صورا معهم بعضها عن رضا وبعضها عن امتعاض فقط لتأكد انه زار تلك المنطقة.
المميز في فيلم «الليالي السود» الصورة والصوت تركيز على الجزئيات والتفاصيل التي زادت من ثراء الفيلم، هي أربع دقائق و30 ثانية ستكرر مشاهدتها لمرات عديدة لتقارن بين كلمات القصيد والفيلم وبعد كل مشاهدة ستعيد القراءة فهناك تماهي تام بين ما قاله الصليعي وما صوره زياد الحداد وحاتم بن سعيد ووجدي بن يونس تطابق تام وكأنهم ارادوا ان يكونوا صوت الصليعي المصور، وأنت تشاهد تقاسيم وجه ذلك النائم ستقرأ :
ضجّت بهم همهمات اللّيل فاعتــــــــــــــــــــرفوا
وحينما ازدحمت أسرارهم نفـــــــــــــــــــــــــذوا
حتّى تفايضت الأرجاء والسّجـــــــــــــــــــف
سكينة اللّيل قد أفشت سرائــــــــرهم
وخفقة الضّوء أخفت كلّ ما كشـــــــــــــــــــــفوا
العينان المسودتان والوجه المتعب والانفاس المتقطعة ذاك ما تنقله الكاميرا بطريقة بطيئة تشعرك انك جزء من الاحداث تعايش القصيدة وتعايش الحدث والتصوير، وتلك الرهبة والضحكة حين مسك الصورة ورجع بذاكرته الى لحظة صفاء وكانك تسمع الصليعي يقول
وإذ يحوكون من أنوارهم حجــــــــــــــــــــــبا
تطلّ من بينها الذكرى فنأتلــــــــف
حيث التقينا وقد أسرى الصّهيل بـــــــــــــــــــــنا
بين الزّمانين لا ضوء ولا ســـــــــــــــــــــــدف
«الليالي السود» فيلم يطرح سؤال «كيف للظالم ان ينام؟ الا يشعر بالخزي؟ هل ينام من ارتكب الجرائم بحق الأبرياء من ظلم ايشعر بالراحة؟ الا يؤنبه ضميره ام ان ضميره مستتر نائم لا يصحو؟ في «الليالي السود» سؤال عن العلاقة بين الصادق والكاذب، سؤال عن الظلم والضيم والحيف سؤال عن مصير الظالم ومال المظلوم وعن الذنب والوجل وكل احساس يمكن ان يحرم الانسان متعة العيش، في اربع دقائق وثلاثين ثانية حلل فيلم «الليالي السود» جزء من شخصية الانسان ونقلت الكاميرا بعض تقاسيم الظًلاّم كيف تبدو وكيف يتعاملون مع الهواجس.
«الليالي السود» فيلم يكشف ان للكاميرا صوتها صوت صادق لا يعرف المجاملة صوت للحق حين تخرس الأصوات الانسانية وتلجم الافواه صوت للحياة والحبور حين تنتشر هواجس الموت والسواد صوت الحياة والضحكة الصادقة حين تعلو تباشير الموت.
من بني خداش الى مطماطة الى سيرتا فتوزوروس أبناء جزيرة الأحلام يتميزون
«اؤمن بالعمل الجماعي، عين واحدة لا تنجز فيلما، ليس مهما التتويج المهم ان نكون فريقا نحادث بعضنا دون كلام ونفهم ماذا نريد وكيف نقدم فيلما ليس كالاخرين» هكذا يقول زياد الحداد عن طريقتهم في العمل.
زياد الحداد ووجدي بن يونس وحاتم بن مسعود ثلاثتهم يمثلون جزيرة الاحلام جربة في ملتقيات السينما، من مطماطة الى سيرتا فتوزوروس 60 ساعة سينما قدموا أفلاما تختلف عن بقية المشاركين وفي كل مشاركة يبهرون المشاهد بطريقتهم المغايرة في استعمال الكاميرا فلهم «عين ذهبية ليست كالاخرين» كما قال احد المشاهدين في ملتقى الكاف افلامهم مختلفة اختلاف طباعهم فحاتم بن مسعود هادئ صامت يتحدث نادرا اما زياد حداد فخطيب له طريقة مميزة في اقناعك بفكرته ووجدي بن يونس ذكي ويعمل دوما في صمت ولا تشعر بوجوده احياتنا وربما اختلافهم صنع الفريق.
ثلاثتهم يؤمن ان الحلم يمكن ان يصبح فكرة والفكرة قد تكون مشروعا والمشروع هو فيلم يتحدث عن تونس كما يراها ثلاثتهم، اعتمدوا الكاميرا لنقل هواجس الشباب دون خوف او زينة يتحدثون عن الواقع يصورون مشاكله ويعرضونه في ملتقيات سينما الشباب الملتقيات التي تكرس للسينما البديلة والصادقة السينما الملتصقة بهواجس الوطن والمواطنين بميزانيات بسيطة.
اختتم ملتقى توزروس 60 ساعة سينما الملتقى الذي يكرس للسينما البديلة ويواصل تقديم ابداعات الشباب العاشق للكاميرا والملتزم بقضايا الوطن، شباب لا يرهبه عدم وجود المادة بل يزيده رغبة في الابداع.