العرض الاول لمسرحية الكواسر لحمادي المزي: نحن لا نعيش... نحن دائما على أمل أن نعيش

«خضراء» هي امرأة جميلة ليست ككل النساء، امرأة قوية شهمة لا تهاب الآخر خضراء امرأة جميلة قررت ان تثور... قررت ان تواجه المخاطر والصعاب لتصل الى عين تسنيم تفجرها لتعم السعادة كل الناس ويذوب جليد الكره والخبث من المكان، «خضراء» هي امرأة واجهت

في مشروعها الطوباوي الحالم عراقيل داخلية وخارجية فالكل مستمتع بالبرود والكراهية ورافض لمشروع الحب ولكن «خضراء» تحدت الكواسر لتنشر الحب في ربوع مكان ارادت ان يسكنه الحب بدل الحسابات والحساسيات.

كذلك كانت خضراء «سارة الحلاوي» في مسرحية «الكواسر» للمخرج حمادي المزي في عرضها الاول بقاعة الفن الرابع، «الكواسر» نص واخراج لحمادي المزي و تمثيل سارة الحلاوي ونادر بلعيد و اوس ابراهيم ومروان الميساوي ورمزي عبد الجواد ومحمد الصادق الطرابلسي ورامي الشارني وصالح الظاهري ومبروك المحضاوي ونضال الدين الحجري ونضال فرج.

خضراء المسرح والخضراء تونس...تاريخ ومناورات فهل من حل
موسيقى قوية تصم الاذان، صوت كصوت دق طبول الحرب، صهيل خيل كلّها اجواء تشعرك وكأنك في ساحة الوغى دون شك، ثلاثة اشخاص على الركح، اعمى وأبكم وثالثهم ذراعه مبتورة، من حركاتهم يبدو أنهم تائهون يبحثون عن مخرج أو مكان يؤمنهم، يتحدث الاعمى ويقول «اشم رائحة انثى «حينها يشتعل الضوء اصفر كخوف داخلي يسكن تلك المارة من هناك وتظهر على الركح، خضراء، امرأة فارعة القوام، شابة و جميلة شعرها مموج كما نفسها الثائرة، هي خضراء سيدة المكان والزمان هي الخضراء ام البدايات وارض النهايات وكل المقدسات، خضراء المرأة الصلدة القوية ، امرأة هربت من المعتقل تائهة في اللاّمكان تبحث عن عين تسنيم لتفجرها ليعم الحب المكان.

خضراء «عمرها أكثر من 3000 عام، تبحث عن عين تسنيم» هكذا يقول الأعمى فتجيبه «نعم اريد ان افجرها سيل طوفاني يطفح بالحب ليعم الامان» حينها يقول ولكنك «ستموتين» فتجيب الجميلة خضراء « نحن لا نعيش، نحن دائما على امل ان نعيش.
في حديث خضراء مع الاعمى هناك اشارة الى الفترات التاريخية التي مرت بها تونس، من التعنت الحفصي الى الاسلوب الفاطمي فالحكمة العثمانية الى الطموح الحسيني.
على الركح وفي مسرحية «الكواسر» فتت المخرج حمادي المزي تاريخ تونس واختصر ه في ساعة واحدة كانت كفيلة بالحديث عن 3000عام من الحضارة .
في «الكواسر» كانت خضراء تونس ارض الحضارات امرأة وسط قطيع منت الذئاب وقطاع الطرق بين الاعمى و احد جنود مدن الصقيع «نادر بلعيد»، امرأة حالمة بمكان يسوده الحب بدل الكراهية امرأة تتناحر مع اصحاب النفوس المريضة والمرتزقة والخونة و اصحاب

المصالح الشخصية، من اجل عدم وصول خضراء الى عين تسنيم يهب سكان الجليد وسكان الزلازل وسكان الصقيع والمناطق الحارّة لكل منهم مآربه الخاصة وجميعهم يتحدون في منع تلك الشامخة من الوصول الى العين.

على الرّكح يحضر التناحر والصراع المتواصل، تجاذبات ومعيقات كلها تتحد لصد خضراء عن مسارها، تماما كما حال تونس البلد الذي يعيش على وقع تناحر الساسة وصراعاتهم، صرخ وعويل، قتل بالسرقة واغتيال واتهام اخرين بالجنون وممارسة كل انواع الكذب السياسي فقط لمنع تونس من النهوض من ازمتها و ضمان استمرارية فسادهم .

بين الماضي والحاضر، بين الواقع والمنشود بين مصلحة هذا ورغبة ذاك تضيع خضر اء، تتشتت افكارها، يريدون بيعها كشيء لا قيمة له فلكل مصلحته الخاصة ، حال خضراء على الركح كحال الخضراء يبيعونها في المزادات ومؤتمرات الاستثمار، يعقدون الصفقات سرا يغتالون رموز البلاد يتناحرون في المنابر الاعلامية يتهمون بعضهم بالتوبة وآخرون بالجور والظلم يأكلون خيرات البلاد ويقابلونها بالجحود و النسيان وتفقيرها وجعلها بلادا مفلسة لاتقوى على النهوض كامرأة عجوز قصمت السنون ظهرها.

تتواصل الأحداث يستطيع سكان منطقة الصقيع اعتقالها من جديد، يتدبر احدهم طريقة لتهريبها و من ثمة اعادتها ليرتقي في سلم الوظيفة ويعرف سيده انه جبان و يدعمه لأن المسؤولين لا يحبون الشجعان لانهم يخيفونهم» كما يقول نادر بلعيد.

ومن الجهة الاخرى يبحث عنها سكان منطقة الجليد وسكان المناطق الحارة، في خضراء فضاء الركح فضاءات والحدث احداث ، والشخصيات بطريقة كلامها وحركاتها هي من يدل على مكان الحدث واغلبها تكون في المعتقلات و كان بالمخرج يشير الى القيود المفروضة حول تونس ، اليس المسرح اداة للتشكيك ولإيقاظ الضمائر الميتة وتنبيهها الى هول مايحدث ولها؟.

الماكياج والملابس عنوان لنشاز الساسة
الوان داكنة يلبسونها، الوان غير متناسقة ولا متجانسة ماكياج مخيف يوضع على العيون وكانها عيون الساسة التي لا ترى حقيقة الوطن، االموسيقى والضوء والملابس جميعها خدمت موضوع المسرحية.
بعض الشخصيات تضع النظارات على عيونها تماما كبعض نوابنا المحترمين الذين يغمضون اعينهم عن الكثير من مصالح الشعب والوطن وهم الذين انتخبوا ليكونوا صوت الشعب وعيونه داخل قبة مجلس النواب.

يتحرك بعض الممثلين على الركح كملك لا يهاب الآخرين لا تهمه صرخات خضراء ولارجاؤها غير عابئ بحمل الاعمى والأبكم كبعض المسؤولين الذين نهبوا خيرات البلاد وظلوا يمارسون كل سلطاتهم ونفوذهم لمزيد خدمة مصالحهم الخاصة على حساب مصلحة الوطن!!
الموسيقى قوية كنفس شعب تائه ظن انه سيتحرر من الفقر والبطالة فوجد نفسه بين مخالب كواسر لا تقدس غير المصلحة الخاصة كحال خضراء على الرّكح حين هربت من الاعمى فوجدت نفسها بين مخالب سكان الصقيع.
كل المؤثرات الصوتية والبصرية، وحركات الممثلين، وطريقة أدائهم تعكس ميلهم الى السخرية، على الركح شاهد المتفرج صورا كاريكاتورية قدمها الممثلون بأجسادهم وملامحهم وطريقة كلامهم، سخرية من الواقع ومن السياسة، وحدها خضراء كانت جميلة رغم الإرهاق

مقنعة رغم الوجيعة، شامخة رغم المصاعب، ثابتة رغم التخويفات تماما كتونس التي وان تتالت عليها المصاعب والفترات الاستعمارية الا انها حافظت على شموخها وبقيت خضراء حتى آخر المسرحية شامخة لم تسقط لا في يد سكان الجليد ولا المناطق الحارة، ر غم ان نهاية المسرحية المطلقة ربما تعكس تخوف المخرج وكامل الفريق من حال البلاد ويطرح السؤال الى أين المسير؟ كيف سيكون حال البلاد بعيد سنوات؟ هل ستفتح الملفات؟ ام ستوارى في رفوف النسيان؟ هل سنعرف حقيقة الاغتيالات ومن كان ورائها؟ هل ستفتح ملفات الكبرى التي تساءل عنها التونسي لسنين؟ جميعها اسئلة طرحت بين ثنايا السطور في مسرحية الكواسر للمخرج حمادي المزي.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115