مركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف والعرض الأول لمسرحيته «بذرة الحياة»: لنا المسرح ... لنعلّم الصغير ونشغل عقل الكبير ...

لنا الحلم لننجح، ولنا الفن لنعبر عما يخالجنا، لنا مسرح الطفل اداة للتعبير وللنحت معايير جمالية تبهر العين وتسحر القلب، لنا الفن لنواجه رداءة الواقع ولنا امل يسكننا لنقدم الافضل ونحقق فعلا لا مركزية الثقافة ونقدم للطفل مسرحا يعبر عنه وعنّا و يرتقي بالمشهد الثقافي في الجهات

لنا حب الفن لنبدع ولنا رغبة في التميز، هكذا يقول كل فريق المسرحية الوليدة «بذرة الحياة» انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف واخراج فادي المحواشي وماهر التواتي.
«بذرة الحياة» مسرحية للأطفال قوامها جمال الصورة المرئية والمحكية والحركية، عمل اتحدت فيه كل معالم الجمال ليمتع جمهور الكاف اطفالها وكهولها، مسرحية دراماتوجيا لمحمد صالح عروس وتمثيل معين العيدودي وسهام التليلي و عبد القادر الكوكي و نسيبة بن يوسف واشرف الغريبي و نادية العبيدي و محمد سليمة.

«بذرة الحياة» بذرة للحلم والجمال
موسيقى مميزة تبعث داخل القاعة تطرب لها الروح، ديكور يشد الانتباه، الوان زاهية تشعر وكأنك تتجول في احد الحقول الخضراء، شاشة كبيرة تنعكس عليها صورة لشجرة ازدانت بأجمل الألوان هي شجرة الحياة وما الحياة إلا تشابكا للألوان، الوان الحب والجمال، صوت لزقزقة عصافير ، ولافتة في الركن كتب عليها «غدير صالح للسباحة».

المشهد الاول يدخل «فأر» عبد القادر الكوكي» يقود عربة، يريد فتح مصنع لمواد التجميل، يأخذ القليل من ماء الغدير ويضع في الغدير قليلا من عقاقيره ويرحل، بعدها لقاء بين ضفدعين بسمة « سهام» ومهران «اشرف الغريبي» ضفدعان صغيران يريدان غرس الزهور حول الغدير ينهمكان في زراعة البذور وهما ينشدان « ازرع بذرتي الجميلة، اسقيها فتمسي أزهارها ألوانا وألوانها ألحانا بفرحة الاطيار وعبير الازهار على ضوء الاقمار نرعاها ونحميها» حوار مهران وبسمة لم يكن جافا بل هو حوار موسيقي يشد الاذن والعين.

حكاية مسرحية «بذرة الحياة» هي أن فأرا يريد أن يشيّد مصنع لمواد التجميل حول الغدير، يضع بعض العقاقير فيفسد ماء الغدير ويصبح غير صالح للسباحة و يضر بصحة الضفادع والبرمئيات، يتدخل العم رشيد الحكيم «محمد سليمة» ثم يستنجدان بسنجوبة «سهام التليلي» وسنجوب «معين عيدودي» المغرم بصناعة الادوية ليكون الحل ايجاد بذور الحياة تلك التي يخبئها الخلد الاكبر في جحره، وتنطلق رحلة سنجوبة ومهران لإيجاد الخلد وطلب المسا عدة حتى يعالجون جذور شجرة الحياة، وبعد محاولات وأمام عناد الخلد ذاك المتألم من خذلان الاصدقاء يشتعل ضوء بتقنية خيال الظل ويخرج صوت من القاعة يقول « خلدون انت بهذه الطريقة تشبه البشر» فيسال «من يتكلم» وتكون الاجابة «أنا جارتك شجرة الحياة، ربما الاشجار لا تتكلم ولكنها تحس وتتألم ، تراقب وتتعلم»، بعدها تمكنوا من الحصول على الثمانين بذرة لمعالجة الشجرة والغدير لتعود الحياة الى سالف عهدها جميلة ونظيفةبمساعدة الخلدة الصغيرة «نسيبة بن يوسف».

في بذرة الحياة الكثير من الرسائل الموجهة للطفل ومنها ضرورة المحافظة على البيئة والحفاظ على الاصدقاء ومساعتدهم عند المحنة، ونشر تعاليم الحب والجمال فببذور الحب نعيش وعلينا زراعة بذور الحب لتزهر أملا وجمالا .

في بذرة الحياة فضاء العرض فضاءات.. فضاء أول حذو الغدير وثان وسط القاعة اذ اشرك المخرجان الجمهور في العمل فأثناء البحث عن جحر الخلد تكون القاعة طريق سنجوب ومهران، وأثناء نزولهما الى القاعة واهتمام الجمهور بهما يتم تغيير الديكور على الركح طريقة ذكية حتى لا يلفت انتباه المتفرج ان هناك اخرين فوق الركح يغيرون الديكور، فحجر الخلد ثم العودة الى الغدير، حركة دائرية تماما كدورة الحياة.

في «بذرة الحياة» لاحظ الجمهور تميز الممثلين في ادائهم وقدرتهم على تقمّص الشخصية حد التماهي، فالضفدعان يتحركان طيلة العرض كما الضفادع تماما وكذلك السناجب يبدون وكأنهم سناجب حقيقية بأصواتهم الغريبة، اما عم رشيد فكان الاجمل لان الممثل «محمد سليمة» كان يحرك دمية ضفدع كبير الحجم، ونفس الممثل ادى دور الخلد فبدى كخلد حقيقي في رقصه وحشرجته، كذلك القنفد «نسيبة بن يوسف» في حركتها وهلعها، ممثلي بذرة الحياة كانوا مميزين، عملوا لأشهر على الشخصيات وصنعوا أقنعتهم من لا شيء، لبسوا الشخصية فتماهوا معها وأمتعوا جمهور مدينة الفن الكاف .

حديث الصوت والصمت.. نوتة للتحدي والامل
من الصمت الى الصوت، من السواد الى الالوان الجميلة المميزة، من الخشبة الصامتة الى خشبة حية مليئة حياة، من مسرحة الموسيقى الى موسيقية المسرح جميعها مترادفات تحضر في مسرحية «بذرة الحياة».
من نص كلامي الى نبرات الى لغة جسد وايماءات الى عناصر الشكل البصرية والضوئية وغيرها الكثير ، تتفاعل بدورها مع جميع الابعاد المتشكلة عن تفاعلات العناصر الموسيقية من الصمت الى نبرات اللغة المحكية الى الاصوات على اشكالها وانواعها واختلاف سلوكها من الوشوشات والحشرجات الى الصراخ والضجيج ومن فوضى الاصوات غير المنغمة الى هارمونية التواشجات اللحنية العذبة ... كل هذا لا ينظر اليه الا بعين واحدة : عين المتعة المسرحية المتكاملة، هكذا هي الموسيقى في مسرحية «بذرة الحياة»، موسيقى جميلة وممتعة كانت اداة لايصال الكثير من الرسائل، فلكل مشهد موسيقاه ولكل موسيقى رسالة معينة ومختلفة.

«الموسيقى ، وفي حضن العناصر المسرحية الاخرى الداعمة انما تشكل عنصرا هاما في تنشيط الوعى الدلالي والادراك الحسى فهي لا تحيل الاشياء والعناصر الى ذاتها بل تفرقها عن ذاتها وتنزع عنها مرجعياتها المعنوية والدلالية» ،كما كتب في جريدة مسرحنا بقلم محمد جمال الدين.

كذلك كانت الموسيقى في مسرحية «بذرة الحياة»، اغنية رقيقة والحان بعضها تٌصادر من اصوات الممثلين وحشرجاتهم واصوات اقدامهم على الركح، جميعها اتحدت لتقدم بذرة جميلة ونوتة ممتعة، موسيقى تناور وتفاجئ، تمتع وتدفعك للتساؤل، تسعدك وتبهرك وكأنها الحياة.

«بذرة الحياة» بهجة الطفل وحيرة الكهل
من يقول ان مسرح الطفل وضع للتسلية فقط فهو مخطئ ؟ ومن يعتقد ان مسرح الطفل خال من الرسائل فهو مجانب للصواب ومن يعتقد ان مسر ح الطفل سهل فهو غير عالم بتعب ممثلين ومخرج وكاتب نص اجتمعوا منذ خمسة اشهر للعمل لتقديم مسرحية تمتع العين وتقنع العقل.

«بذرة الحياة» للمخرجين فادي المحواشي وماهر التواتي عمل يمكن الجزم انه درس في التربية المسرحية والعلمية والحياتية ، وعمل مشفّر ربما عكس توجهات المخرجين وطريقة تفكيرهم ، ففي العمل الموجه للأطفال هناك الكثير من الاشارات والايحاءات التي تقدم دروسا ورسائل للكبار ايضا.

فما الغدير إلا دلالة على الوطن تونس وما افساده ببعض العقاقير إلاّ اشارة الى الاحزاب والتراكمات والتجاذبات السياسية التي شوهت الوطن، وما الدعوة الى الاتحاد والعمل معا لإنقاذ الغدير الا نداء الى كل الصادقين للالتفاف حول الوطن.

مخرجا العمل كلاهما مسرحي ملتزم ومؤمن بقدرة الفن على التغيير لذلك اختارا ان يضمّنا رؤاهما داخل العمل فإقناع سكان الغدير بضرورة المحافظة على البيئة كان بالمسرح، بعرض مسرحي عرائسي دعوا فيه كل البرمائيات للمحافظة على وطنهم ذاك « يا سكان الغدير قد جئناكم بعرض مسرحي وموسيقي ظاهره هزل وباطنهم جد ورسائل كثيرة» كما تقول احدى الشخصيات، كذلك هما الفنانان في الواقع يدافعان عن اهمية المسرح دوما ويتمسكان بأهميته ودوره في التوعية والتغيير.

«بذرة الحياة» لماهر التواتي وفادي محواشي امتعت الاطفال بموسيقى مميزة واداء الممثلين المقنع وبحكاية مشوقة، وبعثت في الكبار حيرة واسئلة كثير ة فتلك هي وظيفة المسرح، طرح السؤال وزعزعة بعض القناعات، وللكبار حظهم في مسرح الطفل، طريقة ذكية للتعبير عن مواقف وتضمينها لإقناع الصغير وشغل عقل الكبير.

مسرحية «بذرة الحياة» هي عمل للاطفال و درس في التربية المسرحية والموسيقية، مسرحية تمتع الطفل وتشغل الكهل انتاج مركز الفنون الركحية والدرامية بالكاف، مسرحية زاد فريقها الابداع ومحاولة صنع الاختلاف.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115