الفيلم الوثائقي عن المدرسة الابتدائية المحجوبة: حين يبكي الأطفال من شدة التهميش فأعلم أنك في وطن يأكل أبناءه

ضمن فعاليات اليوم الثاني لزردة السينما كان الموعد في ا لمدرسة الابتدائية المحجوبة، ووثقت كاميرا المخرج اشرف العربي للقاء في فيلم مدته 20 دقيقة تركت الكاميرا الكلمة للأطفال ليتحدثوا عن المدرسة والمهرجان.

طيلة العشرين دقيقة تحدث اكثر من تلميذ عن مدرستهم البعيدة، تحدثوا عن عدم توفر وسائل النقل ، وبحرقة الكبار تحدث التلميذ حسام عن زميله قصي ذاك الساكن خلف الجبال وقال «ما يسخفني كان قصي، يقطن بعيدا جدا، يقبل على المدرسة مرهقا وخائف، وكيف لا يخاف ووسيلة نقله حمار يسقطه مرات، ومرات اخرى تعترضه ذئاب الغابة وثعالب الوهاد» في حديث حسام الكثير من الوجيعة والالم، في حديثه كلام موجع عن الظلم و التهميش فالمحجوبة «منسية، نحن سوى ارقام في الانتخابات»، هكذا تحدث .

في المدرسة كان حسام اكثر التلاميذ شغبا وجنونا، رقص و غنى وصور لحظات المتعة و بمجرد ان سال عن قريته سقط قناع السعادة ذاك وانطلق القلب الحزين في الحديث ، حسام الطفل الرجل كان اصدق من وعود المسؤولين، حين تشاهد الفيلم الوثائقي حتما ستتذكر ان
حسام، ذاك الرجل الصغير، طفل جنسيته تونسية، ولا يملك من التونسة غير كلمة «جنسيته تونسية» في مضمون الولادة، طفل من ربوع هذا الوطن المسمى تونس، طفل لم يتجاوز عمره العشرة أعوام اجلس اليه انصت وستسمع حديث رجل كبير سيتحدث عن «الواد كي يحمل» عن المدرسة، عن «الحمار» وسيلة النقل الى المدرسة ، عن «المحجوبة المنسية»، اجلس واكتفي بالاستماع سيشير بيديه الى قاعة الاعلامية المغلقة منذ عامين، لا ترفع عينيك اليه ستشعر بالخجل امام دموعه وعبراته التي تخنقه، دموع الظلم والتهميش، سيحدثك

بوجيعة عن نادي الاطفال المغلق منذ اعوام، سيحادثك عن اطفال بعيدين عن المدرسة وكيف يجلسون «تحت الحيط للمطر والصقيع»، انصت جيدا ستراه يمسح دموعه خلسة، لا يريدك ان تراه باكيا فقد رضع الرجولة منذ النعومة، حسام ايها الصغير القريب، حسام ايها البعيد جدا عن مشاغل المسؤولين انصت اليه حادثه ستبهر بذكائه وفطنته، ركز جيدا ستعرف كم الوجيعة والتهميش في عينيه، سيقول «المحجوبة منسية، وين نمشو لنادي الطفل يطردونا خاطرو مسكر ، اين سنذهب؟ لماذا لسنا كغيرنا؟ لماذا يجبروننا على البقاء تحت الحائط؟».
تقترب الكاميرا الى وجهه فترى دموعا في مقلتيه ثم يقول «يرحم والدين العساس يحلنا داروا نتخبوا على البرد» و يضيف «والمدير زاده يرحم والديه، يهزنا للرحلات، اما شوية، علاش لتوه مارجعتولنا الإعلامية»، كلمات حسام الطفل الرجل كانت كالرصاص يصم الاذن امامه ستشعر بالخجل من انتمائك لوطن يظلم أبناءه يهمشهم ويقدمهم كبش فداء لآخرين ينهبونه ويسرقونه والوطن يباركهم ويجلّ اعمالهم.

من حسام الى مريم هي الاخرى كبرت قبل ان تزهر ، بعينين دامعتين تحدثت عن الحرمان، عن البعد، عن نادي الاعلامية المغلق عن وجيعة اترابها الذين يقطنون بير العفو، عن خوفهم من الوادي وخوفهم من البرد، مريم طفلة التسعة اعوام كلامها اكبر من سنّها بكثير.
وجيعة الاطفال ووجيعة التهميش عاينها ضيوف المحجوبة وأرهقت نفوس من شاهدوا فيلم اشرف العربي فياسين، ذاك المشاغب الضحوك، يدرس في السنة السادسة يريد ان يكون صحفيا لينقل الحقيقة كما قال او جنديا يفتدي الوطن بدمه، طفل يتحدث عن افتداء الوطن ووطنه نسيه هناك في احد الارياف «نحن منسيين، مدينتنا منسية، اترى يعرفون بوجودنا» هكذا تساءل امام الكاميرا، فان كان الطفل يتحدث عن مرارة التهميش بتلك الحرقة فكيف بالكبار.

اطفال المدرسة الابتدائية المحجوبة كما شاهد جمهور زردة السينما لم يطالبوا بالمستحيل بل طالبوا بإعادة فتح نادي الاطفال لحمايتهم من البرد وليجدوا مكانا يجتمعون فيه وطلبوا من السلط اعادة الطاولات والكراسي لإحدى القاعات القديمة حتى يجدون مكانا يحميهم من المطر اثناء الدراسة وطلبوا تصليح الحواسيب في قاعة الاعلامية ، فهم طلبوا القليل من حق يكفله الدستور ؟ فهل ستستجيب السلط؟ هل سيسمع وزير التربية صراخ ياسين وحسام ومريم وهديل ويصدر قراره الى الادارة الجهوية للتربية لإصلاح قاعة الإعلامية وهل ستسمعهم سلط وزارة المرأة لإعادة فتح نادي الاطفال علهم يشعرون ان وطنهم يذكرهم وليسوا منسيين كما رددوا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115