اختتام «زردة السينما» في دورتها الأولى: أصرخ لتعلم أنك ما زلتَ حيًّا وأنّ الحياة على هذه الأرض ممكنة

الطموح اللامححدود هو الوقود الذي يساعد الانسان على الوصول الى طريق النجاح، والطموح اللامحدود هو الذي يقود مجموعة من الشباب التونسي من كل ربوع هذا الوطن ليجتمعوا في الكاف العالي يتناقشون بخصوص السينما، يصورون افلاهم ويقدمونها الى المشاهد في مدة لا تتجاز الثلاثة ايام

تجربة انطلقت من جبال بني خداش لتحل في جبال الكاف لنشر ثقافة بديلة ثقافة مقاومة ثقافة يقودها شباب يعشق الكاميرا اختار ان يكون صوت الحق وصورة الثقافة الحقيقية لا ثقافة «الفترينة» وفي الزردة كان الاجتماع زردة فرسها الكاميرا وفرسانها شباب محب للسينما.

اختتمت فعاليات الدورة الاولى لزردة السينما التي اشرف عليها الحالمان اشرف العربي ولسعد الصالح ونظمتها دار الشباب محمد القمودي بالكاف وسخرت كل منشطيها وفضاءاتها لتقديم دورة اولى مختلفة توجهت الى أطفال الكاف وكهولها وإلى أريافها لغرس بذور الحب علّها تزهر املا.

لقاء وصرخة ضد الظلم والنسيان
زردة السينما في دورتها الاولى، مهرجان احتضنت فعالياته دار الشباب محمد القمودي بالكاف، تظاهرة شارك فيها اكثر من 40 شابا من المولعين بالسينما مع حضور مجموعتين من الجزائر، زردة السينما لقاء انفتح على كل ربوع الولاية، فالسينمائيون الشباب اختاروا الدهماني وتاجروين والكاف المدينة و السرس والجريصة لتصوير افلامهم ولم يقتصروا على رقعة جغرافية معينة، زردة السينما كلقاء اول من أجل تحطيم الصورة النمطية للثقافة حقق أهدافه أو بعضا منها ففرسان الكاميرا احيوا المدينة وتوجهوا بالكاميرا الى عدة امكنة وأوصلوا للمتفرج صورا أخرى ر بما لا يعرفها عن الكاف في مسابقة انتهت ب تقديم «11 فيلم قصير» في مواضيع المرأة والمهن والحرية والوطن، 11 فيلما لكل واحد منها سره وتاثيره ووجهة نظر مختلفة ولكن جميعها تشترك في تقديم صورة مغايرة غير نمطية.
وفي تصريح لـ «المغر ب» أكد السيد عبد العزيز بوشمال أن هذه اللقاءات تقدم صورة مغايرة عن المعهود، فبالسينما يريدون الترسيخ لفكرة ثقافة المقاومة، ثقافة قريبة الى الشعب لا إلى الدولة، ثقافة يقودها تونسيون عشقوا الفن ويريدون تقديم الافضل، وأشار انهم يريدون تكرار هذه اللقاءات وغرسها في ربوع الجمهورية لتوفير فرصة اكبر للشباب للّقاء وتبادل الخبرات.

وبالفعل كان الاختلاف من خلال الورشات، اذ قدمت الزردة لجمهورها ثلاث ورشات، اولى في السيناريو اشرفت عليها السيدة دوجة بن خضر وثانية في المونتاج اشرف عليها اشرف بلعربي مدسير مهرجان زردة السينما وثالثة في الصورة الفتوغرافية اطرها وليد الدبوني واختتمت بشريطي فيديو الاول بعنوان «مزردين» لخص اجواء المهرجان ونقل جل المعالم التراثية بطريقة مختلفة، وثان عن اطفال المحجوبة فيديو قال عنه وليد الدبوني انه هدية الى الصغار الذين رددوا كثيرا عبارة «نحن منسيين» ونريد للفيديو ان يكون تكريما لصدقهم وجرأتهم ، فيديو اختتم بأغنية اعطونا الطفولة وذاك هو طلب اطفال المحجوبة.

للوطن والمنسيين أحياءهم وأمواتهم ميزة الافلام
الفيلم الفائز بالجائزة الاولى طرح سؤ الا «هل تساءلتم عمن ماتوا ودفنوا تحت ركام المناجم في الجريصة؟» الفيلم بعنوان «عربة الموت» تم تصويره في مدينة الجريصة وتحديدا في عربة قطار، في الفيلم طفل صغير مغرم بالإيقاع يرقص و يضرب بقوة على العربات المهملة ، وفجأة يظهر احدهم وكأنه طيف او ميت استيقظ من قبره لان روحه لم تمت بعد ويقول للطفل « هذا المنجم به سر كبير نسيناه نحن الكبار ووجب ان تعرفونه انتم» ثم النهاية مع قولة لجمال الصليعي «ربّ ميت لم يدفن سره معه»، الفيلم صور في الجريصة وكان وكأنّه صرخة للتساؤل عمن قتلوا تحت ركام المناجم، عن الذين سقوا الارض بعرقهم ودمائهم تحدث فيلم عربة الموت.

ومن الافلام التي شدت المتفرج فيلم «استرداد وطن» لمحمد الصديق رزيق «من الجزائر»، صورة للطفولة المحرومة من الوطن والتعليم، وطن سكنه الارهاب والظلم، ربما هو صورة لما حدث في الجزائر في التسعينات وتنبيه ايضا ليتحد التونسيون حول الوطن يعاضدونه ويكونوا خير نبراس له حتى لا يسكنه عشاق الموت والظلامية.

هنّ الكادحات، الصادقات والمقاومات، هن عنوان الرجولة والصمود، الى الارياف غير البعيدة تحولت كاميرا ابن بني خداش علاء عياد لتنقل حديث احدى المقاومات في هذا الوطن، امرأة تنحت في صخر التهميش والنسيان وتمتهن الرعي فقط لتضمن حياة كريمة لها ولابنائها، عن النساء الراعيات تحدث الفيلم ونقل للمتفرج كيف يقسمن اوقاتهنّ بين الرعي والمنزل، صورت الكاميرا اين يسكنّ، فهن دائمات التنقل والترحال اينما كان المرعى سكنوا وعملوا، الفيلم بعنوان صراع حياة وهنّ عنوان لص راع ابدي من اجل الحياة.

من يقول الكاف سيقول حتما سيدي بومخلوف، ذاك المعلم الذي يعود الى العام 1100ميلادي، معلم شاهد على تاريخ الكاف، شاهد ان هذه الارض ارض علم وفن، الكاف او سيكافينيريا او سيرتا جميعها عنوان للحياة، من يزور الكاف حتما سيزور بومخلوف ويسال عن تلك القباب العالية المميزة وعن بومخلوف كان فيلم زياد حداد وحاتم بوسعيد فيلم بعنوان «اخر صورة» ، فيلم قدم عن بومخلوف بطريقة مغايرة جمعت جيلين تحدثا عن الكاف وجمالها عن الابداع والجمال فيلم عمل مخرجه بشعار «عندما أقوم ببناء فريق فإني أبحث دائماً عن أناس يحبون الفوز، وإذا لم أعثر على أي منهم فإنني ابحث عن أناس يكرهون الهزيمة «كما يقول روس بروت».

اختتمت فعاليات الدورة الاولى من زردة السينما، دورة وليدة احتضنت دار الشباب محمد القمودي كل فعالياتها في تلاقح بين الشباب والثقافة، مهرجان هدفه نشر الثقافة البديلة، ثقافة الشعب لا الدولة، والاهتمام بثقافة تعنى بالإنسان وتتجه الى الطفولة اينما كانت، والعمل في مجموعات على سينما مغايرة سينما تعبر عن التونسي وتكون منه واليه ، دورة تؤكد مقولة توماس كارليل أن إنسانا دون هدف كسفينة دون دفة كلاهما سوف ينتهي به الأمر على الصخور ، اما من يسكنه الطموح فسيحلق حتما في فضاء الاختلاف.

«شكون قص الضو؟» الصدفة أم ..؟
اثناء عرض الفيلم الوثائقي بخصوص زيارة مهرجان زردة السينما الى المدرسة الابتدائية المحجوبة، فيلم تحدث فيه الاطفال بوجيعة عن التهميش والنسيان والبعد والمطر وخوفهم من المستقبل والحاضر وامام كلمات «المحجوبة منسية» التي رددها كل الصغار وبعد مرور سبعة دقائق من عشرين انقطع التيار الكهربائي داخل القاعة الكبرى فقط بينما ظلت الانوار في البهو، وبمجرد ان قطع التيار الكهربائي غادر الوالي القاعة حينها صرخ احدهم «كمّل الفيلم» و بمجرد ان انتهى العرض تساءل الجميع «شكون قصّ الضو»، فكل من حضر العرض شاهد أحدهم وهو يصعد خلف الستائر وفجأة انقطع التيار الكهربائي، فكيف بمسؤول ان يبقى داخل قاعة ويشاهد اصابع اتهام الطفولة موجهة اليه؟ وكيف لمسؤول تحمل ذاك الكم الهائل من الوجيعة في احاديث الأطفال فان كانت وجيعة الاطفال هكذا فكيف بالكبار؟، سيدي المسؤول ربما قطع النور الكهربائي، وربما غادرت القاعة، ولكن هناك الكاميرا والسينما والفنون ستوثق صرخة اطفال المحجوبة وبير العفو وتاجروين والقلعة والجريصة وكل اطفال الارياف هناك.

الاختلاف...يصنع التميز
في زردة السينما اراد المشرفون الاختلاف والخروج عن السائد في مواضيع التصوير ومناطقها والاماكن التي تنقلوا إليها والاختلاف أيضا في طريقة تقديم ا لجوائز والهدايا وعوض التغليف النمطي للهدية اختاروا تقنية «البريكولاج» واقتنوا «شكاير» مصنوعة من «الخيش» تلك التي يحفظون فيها القمح والزيتون وقد أشرفت اسلام منشطة بدار الشباب على تزيينها ووضع الجوائز داخلها فبدت غريبة مختلفة وجميلة .

• جنود الخفاء وصنع الاختلاف
ساهم في انجاح المهرجان، سلاحه الكاميرا وضحكة دائمة على محياه، لسعد الصالح اححد المساهمين في انجاح زردة السينما، صامت دائما وخدوم الكل كرّمه لقدرته الهائلة على التعامل مع الكل برحابة صدر وهدوء، لسعد الصالح جندي خفاء كان من عوامل قوة زردة السينما.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115