افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان تونس الدولي لمسرح الطفل: مسرحية «ريفيزور» لمختار الوزير: «الفساد لا ينحصر في الحصول على المال»

الوان جميلة تشد الانتباه موسيقى ساحرة ترقص لها الروح و العقل، نقد لاذع وسخرية على الرّكح قدمت بلغة عربية مبسطة يفهمها الطفل ويتفاعل معها. ذكاء وحنكة على الركح يؤكدان مقولة ان ذاك الذي يستخدم عبارة.. أسهل من خداع طفل.. لم يجرب أبداً أن يخدع طفلاً»

تكامل في النص والسينوغرافيا والأداء المبهر هكذا كان افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان تونس الدولي لمسرح الطفل الذي تحتضن فعالياته دار الثقافة ابن رشيق بالعاصمة.
الافتتاح كان بمسرحية تونسية عنوانها «ريفيزور» للمخرج مختار الوزير، مقتبسة عن نص للكاتب الروسي نيكولاي غوغول وهي عبارة عن نقد اجتماعي يطرح مسألة الرشوة واستغلال النفوذ والفساد بكل أنواعه المادي والأخلاقي. و ارتأى تطويع هذا الأثر الذي كتب سنة 1836 وتقديمه للناشئة إيمانا منه بأهمية المسرح في بناء جيل سليم التفكير ومتوازن ثقافيا، «ريفيزور» عمل من تمثيل سهيل عمّاري و أشرف رابحي و فاتن بالحاج عمر و أحمد حشيشة و يسرى عمّوري و هدي عويساوي و علي برهومي.

اذا حلّ الفساد عمّت الفوضى
«ريفيزور» كلمة تعني في الروسية « قاضي دائرة المحاسبات»، وحول هذه الشخصية التي اعتمدها الكاتب نيكولا غوغول تدور احداث المسرحية.
على الركح يعود المخرج مختار الوزير بالجمهور الى عام 1836 والحديث عن الرشوة والفساد المالي والأخلاقي وانعدام القيم الذي انتشر في احدى الولايات ، احداث تفصلنا عنها مائة وثمانون عاما ولكن وكان الاحداث تنقل واقع الان والراهن.
و تجري أحداث المسرحية في ولاية نائية حدودية عم الفساد جميع مجالاتها، في يوم يبلغ مسمع الوالي عن طريق صديق ذي جاه في السلطة المركزية أن قاضي دائرة المحاسبات او المتفقد العام سيُرسلُ إلى الولاية قصد التقصي عن أحوالها...
حينها يجتمع الوالي بقاضي القضاة ومديرة المستشفى و ناظر المدارس و مدير البريد للتشاور والحديث في «كيفية التعامل مع المتفقد الذي سيزور ولايتهم» وأثناء النقاش الحامي الوطيس كل منهم يتحدث عن «فساد الاخر» فيعرقف المتفرج كمية الفساد المستشري في الولاية، فالمستشفى رائحته كريهة و حال المرضى كما سوق الحدادة للدلالة على انتشار الاوساخ و سوء وضعية المرضى الذين اسودّت وجوههم كما الحدادين.

يحاول قاضي القضاة نقد ناظر المدارس ويتهمه بالتقصير والتغافل عن المال العام «لأنه بلغني ان استاذ التاريخ يحطم الكراسي اثناء الدرس» فيجيبه الناظر «اعتقد ان تحطيم الكراسي، اهون من الاعتداء على الكرامة، فدار القضاء اشبه بالمدجنة « ثم يشير الى الاحكام التي يحكم بها القاضي جزافا وحسب مصالحه الشخصية، حينها يغضب قاضي القضاة ويقول «ولكني لم احصل على الاموال، لا احصل على الرشاوي» فيجيب الكل بصوت واحد « الفساد لا ينحصر في الحصول على المال، للفساد اوجه عديدة».

الصمت على التجاوزات اللاّأخلاقية في مدينة حدودية يعتقد انها بعيدة عن العاصمة فساد، الصمت على سوء وضعية المسشفى والتلاعب بحالات المرضى وأدويتهم وحقنهم فساد، الصمت تجاه تعجرف المدرسين واستغلالهم لتلاميذهم واستغلاهم لنفوذهم فساد، اطلاع مدير البريد على كل الرسائل كي يعدم تلك الناقدة للوالي فساد، اصدار احكام لا تتناسب مع القانون فساد، استغلال هيبة الدولة والنفوذ ضد البسطاء اصحاب الحق فساد، فساد استشرى في المجتمع وكل هياكل الدولة نقده مختار الوزير انطلاقا من نص نيكولاي غوغول، نقد موجع ومضحك في حين قام اساسا على السخرية، سخرية سوداء من فساد سكن مفاصل الدولة التونسية ومجتمعها.

بين سواد السخرية وسواد المعنى نقد للفساد
في «ريفيزور» تقوم الاحداث على الصدفة والاضحاك، فأثناء اجتماعهم للنقاش عما سيقولونه للمتفقد العام، يحدث صدفة مرور احدهم بنزل الولاية ، يسمع الوالي فيعتقد انه المتفقد العام يذهب الى النزل ثم يصطحبه الى منزله ويمده بمبلغ مالي كي يسدد ديونه، في بيته يجعله يغازل ابنته «فلو اقتربا من بعضهما حتما سأغادر هذه الولاية النائية» كما يقول الوالي في حديثه الى زوجته.

يتواصل الظن ان ذاك الغريب هو المتفقد العام، حينها يجتمعون في منزل الوالي لتقديم تقارير مفصلة اعمالهم ومؤسساتهم، يتواصل الفساد ولضمان سكوته وحتى لا يتهمون بالرشوة يتفقون على الجملة التالية «وصلنا مال من مجهول مرسل الى مجهول ونظرا لان القانون يمنع التصرف فيه قررنا ان نأتمنك عليه لانك مسؤول سام في الادارة المركزية» و هكذا تصل الرشوة الى صاحبها بطريقة قانونية.

يستغل الغريب سذاجة الوالي وبطانته، ويستغل خوفهم من المتفقد العام، يتحصل على المال ثم يقرر المغادرة لزيارة ولاية اخرى وأثناء فرحتهم بخبر مغادرتهم ودخولهم في حالة هستيرية من النشوة والرقص والسعادة تصلهم رسالة عاجلة «الى السيد الوالي وأعضاء المجلس أنتم مدعوّون غدا للمثول امام المتفد العام» وأخرى من الغريب مكتوب فيها «شكرا لحسن ضيافتكم ولكن لست الرجل المقصود في الرسالة الأولى وأمام الصدمة يسدل الستار عن المسرحية
«ريفيزور» عمل ناقد ساخر من الظواهر الاجتماعية وانتشار الفساد قدم بطريقة ساخرة ليشد انتباه الطفل ويبتعد الخطاب عن الطوباوية وبعض الشيفرات التي قد يصعب فهمها على الطفل.

الموسيقى والأزياء نقطة قوة في العرض
في ريفيزور حافظ المخرج مختار الوزير على الموسيقى الاصلية وكذلك الأزياء موسيقى روسية ممتعة وتفاعل معها الصغار الذين حضروا بإعداد غفيرة لمواكبة العرض الاول من مهرجانهم، الوان زاهية في الملابس وكأنها رسالة سلام الى الاطفال فإذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في العالم، فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال» كما يقول المثل.

للأزياء ميزتها، المخرج لم يعتمد على الديكور فقط اداء الممثلين، حركاتهم وملابسهم مع الموسيقى، لكل حدث موسيقاه، ولكل حدث حركته الخاصة، وتعد الازياء من الركائز الاساسية في مسرح الطفل اذ تعمل على توسيع استجابة المتلقي وهو الطفل لما يحدث اثناء العرض، وعلى شد انتباهه وتركيزه فتنمي لديه ذائقة جمالية وتربوية اعتمادا على الصورة المرئية التي تشكلها الازياء ، وفي ريفيزور كانت الازياء بألوانها الزاهية والمختلفة جد أنيقة إلى حد أن اصبحت الشخصيات وكانها كاريكاتور ممتع يفهمه الطفل، ازياء امتعت صغار دار الثقافة ابن رشيق وشدت انتباههم الى الحوار والحركات.

افتتاح الدورة الخامسة لمهرجان تونس لمسرح الطفل بمسرحية ريفيزور، مهرجان سيشع خارج دار الثقافة ابن رشيق الى المدارس والمستشفيات ومؤسسات رعاية الطفولة، عرس مسرحي انطلق بعمل للقيدوم مختار ا لوزير وستتواصل العروض الى يوم 4 ديسمبر لضمان متعة اكبر لأطفال تونس لتكون لهم مطية للحلم والجمال، فجميلة هي ضحكة الطفل الصادقة بعد العرض.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115