قاعة ABC بالعاصمة: الفيلم الفلسطيني «3000ليلة» لمي المصري: «أقسمنا اليمين لن نخون الأرض يوما واتخذنا الحب دينا»

اسمها «ليال» بمعنى جمع ليل، ومن الاسم يعرف المشاهد انه امام المعجم الاصطلاحي للظلمة والسواد، ليال هي شابة فلسطينية حكايتها ذرة من حكايات ملايين المعتقلات الفلسطينيات في سجون الاحتلال، ليال هي امرأة فلسطينية صلدة ومقاومة، ترفض الخنوع تعيش تمزقا

بين الواجب والامومة وبينهما تقدم كاميرا المخرجة الفلسطينية مي المصري صورة عن جانب من المعتقلات وجزء لا يعرفه المتفرج من سجون الاحتلال.

ومن بين آلاف الروايات لمعتقلين فلسطينيين عانوا لسنوات طويلة داخل المعتقل، يحكي لنا فيلم “3000 ليلة” للمخرجة الفلسطينية مي المصري حكاية ليال، الشابة الفلسطينية التي تعتقلها القوات الإسرائيلية عند أحد الحواجز ليلا، لتبدأ رحلة المعاناة والصراع من أجل الصمود، الفيلم الذي دام ساعة ونصف من بطولة ميساء عبد الهادي “ليال” ، نادرة عمران “سناء” ، رائدة أدون، ركين سعد، عبير حداد، أناهيد فياض “ريحان” ، هيفاء الأغا، ختام إدلبي وهانا شمعون.
الفيلم من إنتاج أردنى فلسطينى فرنسى لبنانى بمشاركة الإمارات وقطر، وتقوم شركة MAD Solutions بتوزيعه فى العالم العربى.

ظلمة المعتقل وقساوة الوحدة
صورة مكبرة فوق مدينة نابلس، عربة عسكرية تسمع منها الصراخ وكلمات «اتركني»، صور للمطر يهطل بقوة وكانه يلهم المعتقلين بمزيد من الصبر، ثم تتحول الكاميرا لتركز على و جه «ليال» (ميساء عبد الهادي)، عيون شاخصة؟، خوف على محياها، شعر اشعث وبقايا التعذيب تظهر للمشاهد، ليال هي انموذج من آلاف النساء الفلسطينيات المعتقلات، ليال هي مدرسة لغة انقليزية، تعودت العودة الى منزلها ككل يوم ولكن احد الايام الماطرة كان مخالفا اذ وجدت نفسها داخل السيارة العسكرية ثم المعتقل.

ليال الفلسطينية المعلمة تجد نفسها في المعتقل ومن هناك تبدأ المشاكل اولا و ضعها داخل زنزانة للمعتقلات (الاسرائليات) الجنسية، يرونها عربية ارهابية، تدخل في غيبوبة فتعرف انها حامل حينها يتم نقلها الى زنزانة الاسيرات الفلسطينيات واللبنانيات وتستقبلها ريحان «اناهيد فياض» بالترحاب بينما تتوجس منها «سناء» (نادرة عمران) الفدائية اللبنانية وتسالها «كيف سمحوا لك بمقابلة زوجك؟،

ادارة السجن تطلب منها التجسس على المعتقلات الفلسطينيات لتعرف كيف تهرب الفلسطينيات الرسائل؟ تجد ليال نفسها في دوامة بين اجهاض صغيرها والوفاء لنساء وطنها؟ دوامة تتسع اكثر بعد انجاب صغيرها «نور» مرة اخرى تطلب منها ادارة السجن ايفادها بالأخبار او افتكاك الطفل.

في «3000 ليلة» ينقل المخرج الكثير من العناء و السوداوية التي تعانية الأسيرات ظلمة القيد، تخيل ان امرأة تضع وليدها ويداها مقيدتان الى السرير الحديدي وكذلك قدماها؟ تخيل انها ترضع صغيرها في زنزانة جد باردة برد عجز عن احتماله الكبار فكيف بالاطفال؟ وظلمة السجن وقسوة السجانات و سخرية الاسيرات الاسرائليات المتمتعات ببعض الحظ عكس الفلسطينيات، صورة مقربة للعيون و الوجوه المنهكة من التعذيب والخوف خوف من عدم الخروج والبقاء في السجن، خوف من الاحتلال، خوف على العائلة، خوف السجينات من انفسهن ومن الاخريات، هن الفلسطينيات المعتقلات ظلما فقط لأنهن و جدن في امكنة ربما حدثت فيها تفجيرات.

في 3000ليلة يشعر المشاهد بكل احاسيس الخوف والغضب، لن يحتمل مشاهد التعذيب وسيلعن الاحتلال والظلم سرا وجهرا، سيشفق على ليال وجميلة تلك الفتاة الفلسطينية المحكومة بعدة سنين فقط لانها شاركت في تحرك مدرسي لتموت بالرصاص اثناء احدى الاحتجاجات داخل المعتقل، سيشعر بالحيرة تجاه «ريحان» (اناهيد فياض) التي يكتشف اخر الفيلم انها كانت تزود ادارة السجن بالمعلومات وتتجسس على رفيقاتها فقط طمعا في مغادرة السجن، حينها سيسال هل ريحان مخطئة لانها باعت صديقاتها والكل اتهم ليال؟ ام ريحان محقة لانها فكرت في أبنائها؟ حينها ربما يفهم التمزق الذي عاشته ريحان وليال

نحن النساء، عنوان الرجولة والصمود
اسمها ليال و هي الى شمس الظهيرة اقرب، اسمها ريحان و هي الى حد السيف اقرب، سناء تلك اللبؤة الصامدة بيد واحدة، جميلة وفداء، جميعهن اجتمعن في زنزانة واحدة، اختلفت مدنهن ولكنهن اجتمعن في حب فلسطين، ففداء تخيط الملابس العسكرية وتخيط كلمة فلسطين تحت شعار دولة الاحتلال «هكذا اريد اسم فلسطين يوضع فوق قلوبهم وان ابوا» ، اما جميلة فتعمل في المطبخ وتضع كل البهارات المقلقة في طعام السجانات، ربما اختلفت اسباب دخولهن للمعتقل ولكنهن يعلمن المشاهد درسا في الصمود والوطنية ولهن يمكن القول:

شّدي عليك الجرح وانتصبي عبر الدجى رمحاً من اللهب
يا ساحة الأنواء كم عصفت فيها خيول الهول والرعب
فالأرض فيها وجه مذبحة والجو أمطار من الشهب
لم يبق غصن غير منتهب لم يبق وجه غير مستلب

ليال بطلة الفيلم رمز للصمود، بذكائها الشديد لم تجهض صغيرها، و بحنكة المعلمة استطاعت كسب بعض الكتب من ادارة السجن لرفيقاتها واستطاعت انجاح اكبر اضراب شهدته معتقلات الاحتلال ونجحت ان يعرف العالم حال الاسيرات داخل معتقلات الكيان الصهيوني ونفت كذبة «اسرائيل دولة الديمقراطية» ، امرأة تتمتع برجولة عالية حولت انوثتها الى رجولة فقط لتدافع عن حقها وحق رفيقاتها في الحياة.

وسط الظلمة يولد النور، ووسط المعتقل ولد الطفل «نور» ليصبح رمز السعادة والحبور عند الأسيرات المخرجة لم تكن متشائمة و اكدت بالكاميرا و بالضحكة المرسومة على وجوه السجينات ان هناك نورا بعد الظلمة والأمل يولد من شقوق الالم فوسط العتمة يجتمعن ويغنين اغنية تراثية اعادت احياءها مكادي نحاس:

«يا ظلام السجن خيّم، نحن لا نخشى الظلاما، ليس بعد الليل الاّ فجر مجد يتسامى، يا رنين القيد زدني نغمة تشجي فؤادي، ان في صوتك معنى للأسى والاضطهاد ، لم اكن يوما اثيما ام اخن يوما نظاما ، انما حب بلادي في فؤادي قد أقاما وتعاهدنا جميعا يوم اقسمنا اليمين لن نخون الارض يوما واتخذنا الحب دينا».

3000ليلة للمخرجة مي المصري فيلم انساني بامتياز، متحصل على مجموعة من الجوائز ، فيلم يقدم صورة اخرى عن الفلسطينيات، صورة عن الفلسطينية الصادقة التي تنقذ الاسرائلية من الموت، والفلسطينية التي تتعامل مع السجانات فقط لمغادرة السجن، كما قدمت سجينة اسرائيلية تساعد الفلسطينية «ليال» بمدها بالطعام لابنها الصغير ومدها بالصحف (الممنوعة آنذاك) للاطلاع على ما يجري خارج أسوار السجن، كما قدمت المحامية الإسرائيلية المدافعة عن الفلسطينية، في رسالة مفادها أن المشاعر الانسانية ليست حكرا على أحد، فيلم انساني تجاوز المعطيات السياسية ليغوص في الانساني اكثر، وينتهي الفيلم بابراز تكاثر الرسوم التي كانت ترسمها ليال لابنها للدلالة على ان الامهات المعتقلات كثر وما ليال الا انموذجا لواحدة منهن.

مي المصري
مي المصري مخرجة فلسطينية درست السينما وهي في السابعة عشر من عمرها في جامعة كاليفورنيا، بيركليوجامعة ولاية سان فرانسيسكو بالولايات المتحدة الأمريكية حيث حصلت على درجة البكالوريوس. وتمتلك مي تاريخاً هاماً وثرياً من الأفلام الوثائقية التي تتسم بزواياها الإنسانية حصلت من خلالها على أكثر من 60 جائزة في مهرجانات السينما الدولية، ومن بين أفلامها: تحت الأنقاض (1983)، زهرة القندول (1986)، بيروت جيل الحرب (1998)، أطفال جبل النار (1991)، أحلام معلقة (1992)، أطفال شاتيلا (1998)، حنان عشرواي: مرأة في زمن التحدي (1995)، أحلام المنفى (2001)، يوميات بيروت: حقائق وأكاذيب وفيديو (2006)، و33 يوم (2007).

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115