الافتتاح قبل الأول لأيام قرطاج المسرحية في الجهات: «روميو وجولييت» عمل يحذر من الصراع ويدعو الى الانسانية

هل يقدر الحب الصادق المتبادل على تجاوز العنف ربما هو «كالسفينة التي لا يغلبها الموج الصاخب ولا البحر المتقلب»، حين يولد الحب وسط الحقد و الكره يكبر التحدي، تحدي الحب للكره وتحدي الكره الذي يقتل الحب، عن ثنائية الحب و الكره، الحياة و الموت كان

اللقاء في افتتاح الدورة الثامنة عشرة لأيام قرطاج المسرحية بالجهات والموعد مع «روميو وجولييت» المتونسة.
افتتاح أيام قرطاج المسرحية في الجهات كان في قاعة اسد بن الفرات بالقيروان مع مسرحية «روميو و جولييت» للمخرج الشاب غازي الزغباني، روميو وجولييت لشكسبير اقتبسها المخرج وتونسها وقدم لنا نصا في الانسانية نص عن الحب وضرورة الدفاع عن المشاعر المقدسة وان اتحدت أمامها كل المعيقات، روميو و جولييت في نسختها التونسية فريدة ومتفردة هي رسالة انسانية و دعوة للتسامح وجهها غازي الزغباني وكامل فريق لرتيستو.

لنا الحب..لنا الامل والموسيقى
ظلام يسيطر على الركح الكبير، بضع درجات وكأنه الشرفة التي شاهد فيها روميو جولييت، موسيقى قوية، غناء اوبرالي يدل على الغضب والعنف، موسيقى صاخبة، ولكل ممثل آداؤه الموسيقية ينقر عليها للتعبير عن الغضب، بين صوت فاطمة الفالحي الهادر كموجة غاضبة ونقرات الطاهر رضواني على الطبل، صراع قوامه بالموسيقى أراد من خلاله المخرج ان يعبر عن الخصام الازلي والأبدي بين عائلتي « منتيغيو» و «كابوليت»، صراخ وعنف يكتشفه المتفرج من طريقة نقر الطبل وطريقة الغناء لتكون الموسيقى عنصرا أساسيا في روميو وجولييت موسيقى تعبر عن الحب حينا والحقد حينا اخر وكان بالمخرج اراد ان يقلل من الكلام ويكثف من الصور الشعرية والموسيقية.

بعد مشهد الصراخ يخرج الراوي ليتحدث عن صراع ازلي بين العائلتين، عن الحقد الذي ملئ المكان والكره الذي انتشر في كل ركن حتى كادت الانفاس تختنق وتستنشق هواء البغضاء عوض شذى الامل والحب والجمال» اعداء الحب، اشعلتموا البلاد، بحقدكم وكرهكم الكل بات يعيش في الظلام»، ظلام عبر عنه المخرج بلباس اسود يرتديه كل الممثلين مع اضافة اللون الاحمر أحيانا وكان بالمتفرج بين صراعي الاحمر والأسود.

وكأنه يتمزق داخليا بين الظلام و الدم، ظلام سكن النفوس المليئة بالحقد نفوس اتخذت الكره دينها هاجسها الصراع سرقة الآخر ودم متدفق من العروق ولكنه دم الموت لا الحياة، دماء تسيل بين العائلتين في صراع ورثه الصغار عن عائلاتهم دون معرفة السبب، دم اصبح عنوان الحياة في عروق روميو وجولييت ولكن يد الظلام اشرس فسالت دمائهما ايضا فقط لارضاء ميول من يحلمون بالموت للجميع.

روميو وجوليت النص الشكسبيري العالمي، نص اشتغل عليه مئات المخرجين، كل يطوعه حسب ميولاته أو الزمان والمكان، ولكن المخرج غازي الزغباني حافظ على النص الاصلي وترك حكايته الاصلية دون تغيير لأنه نص ذو بعد انساني صالح لكل زمان ومكان، وميزته في نسخته التونسية، المقطوعات الموسيقية والاغاني الاوبيرالية.

في روميو وجولييت الموسيقى تعزف فورية وليست مسجلة، موسيقى امتعت الجمهور موسيقى اتحدت فيها نغمات الطبل البركيسيون والاورغ، تقريبا لكل مشهد موسيقاه، عبروا عن الفرحة بنغمات رقيقة يعزفها العاشق روميو «عاصم بالتوهامي» وموسيقى الخوف بطبلة الطاهر الرضواني و موسيقى اللقاء نغمات لسليم الزغباني وموسيقى الحرب بصوت فاطمة الفالحي، في روميو وجولييت نجح المخرج في جعل الممثلين موسيقيين على الركح وبامتياز.

من مميزات روميو وجولييت التونسية الضوء فالضوء الاصفر الخافت يغطي نصف الوجه ويكشف النصف الاخر، ضوء اصفر وكأنه دلالة على الشحوب والفزع، و نصف الوجه مكشوف و كان بالمخرج يتحدث عن جزء من الحقائق المكشوفة فلا وجود لحقيقة مطلقة ولكل حقيقة جانب مظلم تماما كما القمر له جانبه المظلم وكما قلب روميو وجولييت ، فهما العاشقان باحا بحبهما للأصدقاء المقربين والجانب المظلم اخفاء زواجهما عن العائلتين، وبين لعبة الضوء والموسيقى استمتع جمهور قاع ة الاسد ابن الفرات بحكاية «تحَدِّي الحُب إلِّي يتُولِد فِي الكُره و تحَدِّي الكُره إلِّي يُقتُل المحِبّة».

كفاكم تناحرا...احبوا بعضكم علكم تصبحون افضل
قد تسمو مشاعر الحب على الواجب، حين يزرع هذا الواجب البغضاء والعداء في النفوس بدلا من الحب والتسامح، فكثير من العداوات بين الأسر، يرث الأبناء سعيرها وأوارها، ولا يعرفون أسبابها، ولا كيف بدأت، وكانت عائلتا «مونتيغيو» و»كابيوليت» في مدينة فيرونا بإيطاليا من تلك الأسر وكان بينهما عداء وقتال دائم وتشاء الأقدار أن يتعلق قلب «روميو» ابن اللورد «مونتيغيو» بابنة اللورد «كابيوليت» وهي الحسناء «جولييت» وبادلته حباُ بحب ووقف الاثنان ضد أسرتيهما، وواجها بشجاعة عوائق العداوة والبغضاء، وانتصرت مشاعر الحب على واجبيهما نحو أسرتيهما، ربما مات روميو وجولييت و فنيت اجسادهما ولكن اتلك الشرارة المتوقدة باسم الحب بقيت لقرون ولا ادل من ان النص لازال يستهوي عشاق الخشبة ولازال حيا يريده كل المبدعين.
لأنه نص يدخل في باب الانسانية والتصنيفات الكونية المناهضة للعنف والعداء، نص يدافع عن الحب كقيمة ومطلب إنساني لا يفنى وينبذ الحقد والضغينة والتناحر.

لذلك عمل غازي الزغباني في اختيار هذا المشروع على إسقاط هذا الأثر العالمي ذي البعد الإنساني” ليتماشى والأوضاع السياسيّة الخاصّة التي يعيشها العالم حاليا سيما وأن تناولات عديدة لهذه المسرحية عالجت الصراعات الدينيّة والعداوات السياسيّة والتناحرات العرقيّة والمشاكل العنصريّة” كما صرح المخرج لـ«المغرب».

في مسرحية «روميو وجولييت» أبدع الممثلون جميعهم في تجسيد ادوارهم وفي عزفهم لمقاطع موسيقية امتعت جمهور القيروان، فاطمة الفالحي، أمال الفرجي، سارّة صقري محمد حسين قريع، عاصم بالتوهامي، طاهر رضواني، سليم زغباني جميعهم قدموا ملحمة الحب والموت بذكاء.

على الركح حبيبان تحديا الموت والحقد وتعلقت قلوبهم ببعضهما وان رفضت العلاقة من العائلتين، حكاية روميو وجولييت لم يقيدها غازي الزغباني بإطار زماني او مكاني، هي حكاية الإنسان قصة حب يمكن ان تحدث في مختلف العصور يمكن ان تتغير الاسماء والأحداث و التيارات الدينية والعرقية وكل اشكال الفتن التي تؤدي الى الفرقة ولكن الثابت فيها هو الانسان ظالما كان او مظلوما، جائرا وأجيرا ، ناسكا وحكيما ، عاشقا او حقودا.

روميو جولييت صرخة مبدع لإيقاف الاحقاد والاتهامات، دعوة علنية للحب للجمال “نحبك تعيش” كما هو في نص العمل، دعوة لإعلان الحرب على الظلم والحقد والبغضاء و نشر عبارات التسامح والوجد والإنسانية، دعوة صريحة لنحبّ انفسنا ونحب اوطاننا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115