مسرحية «لقاء» لأسعد المحواشي: حين تتجسّد روح الفنان في «العروسة» يكون الإبداع

ماذا لو تكلمت العروسة ونطقت بما يخالج الفنان؟ هي صوت المبدع وبحركاتها تعبر عما يعانيه المبدع في تونس؟ تخيل كيف يمكنك ان تناقش عروسة تتحدث عن الفنان ومعاناته ومحنته واغترابه في وطنه؟ هل تقنعك العروسة حين تبكي؟ وكيف لتلك الثلاثين سنتمتر بمحو وجود من يحرّكها؟

اسئلة جميعها تخالجك وانت تشاهد مسرحية «لقاء» للمخرج لسعد المحواشي، انتاج المركز الوطني لفن العرائس.

 

مسرحية «لقاء» هي صرخة وجيعة كل مبدع تونسي، هي صوت داخلي ينادي بضرورة الالتفات الى المبدع الغريب في وطنه، «لقاء» هي قصة كل مبدع تونسي نفي من وطنه ليجد حظوته هناك في بلد اخر ومع جمهور اخر وهنا يسكنه تمزق نفسي بين الوطن والانتماء من جهة والغربة من جهة ثانية.

غاب النص وحضر الاداء فقط
لقاء مسرحية عرائسية للاطفال، موسيقى هادئة تملأ أرجاء القاعة، ركح صغير فوقه، اثاث مكون من طاولة وسرير و عصفور يزقزق ويرسل نغمات حزينة حزن صاحبه، لقاء حكاية عازف أكورديون عاشق للموسيقى والنوتة، يعزف الحانا مميزة ولكنه لم يجد فرصته للظهور ولتقديم معزوفاته الى الجمهور، فنان يقضي يومه في الكتابة والالحان وعزفها وإرسال رسائل الى كل التظاهرات والمهرجانات عله يحظى بفرصة ليثبت انه مميز.

تتواصل حكايةالعازف ويتغيّر الفضاء ليصبح حديقة عمومية، اين يضع العازف رسائله في صندوق البريد ويجلس ليعزف ما تيسر له من نغمات تثلج الروح، في «لقاء» تكون الدلالة على تغيرالزمن من خلال تغر أوراق الشجرة فكلما تغيرت الالوان دلت على تغيير الزمن من الشتاء الى الخريف، طريقة علق عليها احد الاطفال بالقول «مااذكاهم»..

وكما كل عناصر الحكاية يكون الانفراج بعد الازمة وتصل العازف رسالة من احدى المهرجانات يدعونه فيها ليكون ضيفا على بلادهم ليقدم حفلا، تتغير الساحة والاضواء والفضاء ويسمع المتفرج اصوات التصفيق والهتاف ومعها نغمات تصدح من الة الاكورديون وبعد ان كانت النوتات حزينة اصبحت جد مغرية بالرقص وكانها مقطوعات عازف غجري يأبى الحزن والاستسلام.

تتواصل رحلة العازف الذي باتت معزوفاته مطلوبة في كل العروض والمهرجانات وأصبح يتجول بين الدول وللدلالة على تغير مكان العزف قدمها الفريق بطريقة جد مميزة بوضع اطار بلوري وكلما خرج النغم وضعوا صورة معلم او معمار يميز ذالك البلد مثل التوريفال بفرنسا، او قوس النصر، او تمثال الحرية في امريكا، لترسخ الصورة عند الطفل فمسرح الطفل تعليمي قبل ان يكون ترفيها.

في مسرحية لقاء غاب النص تقريبا، فقط كلمات متقطعة وجمل قليلة بين المشاهد، وركز المخرج اساسا على حركة العروسة، كيف تتحرك،كيف تعزف، كيف تحزن، لحظات البكاء والوجيعة واللقاء والفرح، جميعها ركز عليها المخرج ومحركي العرائس الذين حركوا العروسة بطريقة مميزة حركوها ونقلوا اليها مشاعرهم وأحاسيسهم فغاب المحرك امام وجود العروسة وشدت تلك الثلاثين سينتمتر انتباه المتفرج وألغت صورة محركها.

محمد علي بن حمودة و عامر المثلوثي و الأسعد المحواشي ابدع ثلاثتهم في شد انتباه الجمهور في قاعة المركز الوطني لفن العرائس، ثلاثتهم نقلوا احاسيسهم واسكنوها العروسة فنطقت بلسانهم وتحدثت عما يخالجهم، طريقة تحريكهم للعروسة مميزة وتنم عن خبرةومحبة لعملهم فليسوا مثل الذين يتخذون العروسة وسيلة لملء الفراغ لان “العروسة ماتاخوش كاشي وما تاخوش بلاصة في الكار”، ثلاثتهم كشفوا عن صدق حقيقي في التعامل مع العروسة اسكنوها أحاسيسهم فرحهم وحزنهم،طريقة التحريك المميزة الغت وجودهم امام الدمية، فالعروسة في مسرح الطفل وسيلة اقناع ولها القدرة على التعبير وليس كتلك التي يستعملها البعض فقط للتهريج وملء مساحة بيضاء.
غياب النص والاقتصار على حركات العروسة والموسيقى اثبت ان للعروسة قادرة على الاقناع وليست الكلمات وحدها قادرة على ايصال الرسائل فالحركة ايضا لها وقع الكلمة وأكثر..

حين تتحدث «العروسة» عن وجيعة الفنان
«لقاء» مسرحية عرائسية للأطفال هي حكاية عازف اكورديون حلم بفرصة للنجاح في وطنه فتم لفظه ورفضه ووجدها في بلد اخر ومع أناس آخرين هي حكاية عازف عاش تمزقا بين الانتماء لوطن وانتماء لموسيقاه التي عشقها بلد أخر هي حكاية فنان تونسي يعيش الاغتراب بين ابناء وطنه والغربة في بلده واللامبالاة في حين يحمل على الاعناق في بلد اخر.

«لقاء» هي عنوان للوجيعة والألم والحرقة، حرقة تونسي يعشق الفن يعشق وطنه فلا يجد إلاّ الجحود واللامبالاة، وجيعة الاغتراب تجسدت من خلال الموسيقى التي قامت عليها مسرحية لقاء، عمل للأطفال ولكنه يطرح العديد من الاسئلة من قبيل متى يجد المبدع التونسي حظه في وطنه؟ الى متى ستظل تونس تتجاهل مبدعيها وفنانيها لحدّ الغربة اوالموت؟ ألا يستحق الفنان ان ينجح في وطنه ويسافر بعد ان وضع خطوات نجاحه الاولى هنا في وطنه بين رفاقه وأصدقائه ؟ الى متى والمبدع التونسي يعيش على الهامش ويتذكرونه اما عندما ينجح في الخارج او ينتقل الى جوار ربه فيؤبنونه بكلمات و يقولون ان «الفقيد» كان مبدعا.

«لقاء» مسرحية تكشف وجيعة المبدع التونسي، فكم من مبدع يموت في صمت وكم من مبدع يعيش على الهامش وكم من فنان نسيه الجميع حد الوجيعة وكم من مبدع وجد نفسه مضطرا للعمل بعيدا عن الفن فقط لضمان لقمة العيش، لقاء مسرحية وكانها صرخة تنحني لها الجبال وتركع امامها كل المصاعب، صرخة مبدع يريد ان يحيا في وطنه، ألم مبدع يرغب في النجاح داخل وطنه لا خارجه، صرخة علّ المسؤولين يسمعون ويلتفتون الى مبدعين يقتلهم التهميش والاغتراب هي صرخة الفنان وكأنه يقول على صوت الخالد اولاد احمد «الاهي اعني عليهم».

مسرحية «لقاء» عمل للاطفال تجسدت فيه كل معالم المتعة والجمالية،عمل يشد الانتباه ويدفعك للاستمتاع والتفكير ، عمل ينصح به للمداواة من رداءة الواقع وقتامة ما يعيشه التونسي ما قبل الثورة وخاصة ما بعدها.

المركز الوطني لفن العرائس يصنع الفارق

المركز الوطني لفن العرائس مقره في العاصمة ولكنه يتنقل الى كل الجهات تقريبا فأينما كانت هناك تظاهرات موجهة للطفل إلا وكان المركز حاضرا بعرائسه وورشات لمديري دورالثقافة وأمناء المكتبات العمومية والمهتمين بمسرح الطفل ليقدم لهم ورشات في صنع العروسة بأنواعها وكيفية استغلال المواد المهملة لصنع عرائس تكون جميلة كما الاطفال.

المركز الوطني لفن العرائس له العديد من الانتاجات المسرحية الدورية، جميع الاعمال الموجهة للطفل تقوم على رسائل الحب والجمال امام مايعيشه الطفل من بشاعة بعض المشاهد في الواقع ليكون المسرح فضاء لنشر معالم الجمال.وجل اعمال المركز الوطني لفن العرائس تتوج بافضل الجوائز حين تمثل تونس في الخارج.

أعمال المركز مميزة وتستحق ان تكون في كل المؤسسات التربوية خاصة المدارس لحث التلاميذ على الفنون واولها المسرح، ولكن فضاء المركز به بعض النقائص وأولها صغر حجم قاعة العروض فللمركز جمهوره الوفي ولعروضه جمهور خاص يفوق طاقة الاستيعاب احيانا فهل ستتدخل السلط المعنية بالثقافة والطفولة للنظر في امكانية توفير قاعة اكبر؟ فالمركز الوطني لفن العرائس كأنه دويلة صغيرة لها قانونها وجمهورها وانتاجاتاها، فضاء يستحق الدعم لأنه يتوجه للطفل بكل معالم الحياة.

• عبد السلام الجمل المبدع الخفي
كل من يشاهد مسرحية عرائسية سينتبه حتما الى العروسة وما تلبسه، احيانا تكون العروسة جد صغيرة ولباسها يتكون من قماش صغير جدا،ربما حياكته تتطلب تقنيات خاصة، ومن يشاهد مسرحيات المركز الوطني لفن العرائس حتما سيعجب بعمل مصمم العرائس وملابسها العرائسي عبدالسلام الجمل ذاك المبدع الذي يعمل في صمت دائما وهو يعشق عروسته الصغيرة وانطلاقا من النص يحيك لها أجمل الملابس ذات ألوان مميزة تلفت انتباه الطفل، عبدالسلام الجمل مبدع حقا وهو رمز للفنان المقاوم في صمت.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115