فراشة المسرح التونسي سعيدة السراي تغادرنا: عشقت الفنّ فعشقها السرطان حدّ الفناء

«اعشق المسرح، سأعود لأكمل ما بدأته، لن يهزمني المرض، اعرف انني سأنتصر وأعود الى الخشبة لأكمل بقية العروض» هكذا قالت قبل سفرها للعلاج في فرنسا، سافرت بعزيمة امرأة من حديد لتعاند مرضا قاتلا يسمى السرطان، طيلة عامين وفراشة المسرح التونسي تعاند

السرطان وتحاول ان تتغلب عليه، طيلة العامين ورغم حصص «الشيميو» لم تنقطع الفنانة عن فنها، عشقت المسرح وأرادت ان تهزم الموت بالفن ، عاندته صعدت على الركح في اقسى حالات وجعها وألمها، قدمت مسرحية «الكاهنة» في اكثر من مدينة ويدها اليسرى لا تستطيع حراكها بسبب العملية الجراحية، قدمت عرضا جد متميز في اختتام تظاهرة ايام قرطاج المسرحية في مسرحية «جمرة الهواء» للمخرج لطفي العكرمي، لم تتوان على العمل مجتهدة ضاحكة مستبشرة رغم ذاك الداء الذي ينخر جسدها، صارعته بابتسامة وحب كبير للحياة ولكن السرطان كان أقوى.

رحلت فراشة المسرح التونسي تلك المرأة القوية العنيدة ، رحلت بعد سفرها الى فرنسا علها تعالج هناك من داء ابى إلاّ الاستفحال في جسدها واستيطانه، تمسكت بالحياة حتى ضاعت كل خيوط الامل، اخر مسرحياتها كان «الذئب الاليف» للاطفال عمل كانت فيه كطفلة هي الاخرى تشاكس الاطفال وتلاعبهم وكأنها تودع جمهورها من الصغار .

... سعيدة سراي كما الكاهنة ليست ككلّ النّساء ... هي امراة من زمن الحبّ .. صنعت طريقها بكبرياء .. فرشته بشوق و شوك ، و مشته لوحدها ...

مشت واثقة ، بصرها يكاد يطال السّماء ، واقدامها ثابتة في اديم الارض، نحتت مسيرتها الفنية بحبها للمسرح الذي كان بالصدفة ، دخلت التمثيل صدفة واجتهدت لتصنع لنفسها اسما يكون كما نجمة في سماء المسرح التونسي والتلفزة، عاهدت نفسها والكل بالنجاح ونجحت

عاهدتهم كما عاهدت الكاهنة جنودها:
فتحت عيني على النسيم الصافي..»

من الصغرة تهزين على اكتاف لجبال
هزتني النخوه والعزه ونغرة الفرسان

صاحبت الشيح والزعتر
تغرمت بمواويل الريح..

عاشرت التين والزيتون وشوامخ الفرنان..
بالدم عاهدت رجال ماتنذم..

رجال مكويين بحب الارض..
مكويين بصون العرض

لترحل تاركة وراءها ابتسامتها تلك التي يعرفها كل جمهورها وهدوء منقطع النظير فهي الهادئة دوما والثائرة على الركح هي «الفارسة ام الفوارس، عزيزة قوم ماتنهان» و حتى لحظاتها الاخيرة ظلت كما الفارسة تنازل السرطان وتريد ان تهزمه ولكن سيفه المسموم كان اسبق اليها.

رحلت الفراشة المتوجة بجائزة احسن ممثلة عن دورها في مسرحية «سبعة صبايا في قصبايا» في مهرجان المسرح بالقيروان، رحلت تلك التي نالت الجائزة وقدمت عرضها بعد حصة «العلاج الكيمياوي « بسويعات وكانها توجه رسالة للمرض القاتل «ان لن تنتصر فارادتي اقوى» ، تتويج قالت عنه انذاك «شكرا لمحبتكم شكرا لمن لا يزال يؤمن بقدرتي على العطاء، عاش المسرح، عاش الفن، وسأنتصر» وبالفعل قاومت وناضلت كانت اشد من الرجال واصلب من الجبال وامهر من فرس عربي في مسابقة المرض وانتصرت وان فارق

جسدها الحياة فيكفيها أن ظلت مبتسمة الى لحظاتها الاخيرة.

يصعب قول وداعا لفراشة المسرح التونسي، يصعب قول وداعا لامرأة تكره الدموع والحزن وتعشق كل تعاليم الحياة والألوان يصعسب ان نقول وداعا لتونسية اختارت وطنها على المهجر رغم وجود فرص الرحيل، يصعب قول وداعا لامرأة عشقت المسرح لحد أن قتلها فنها.

فنانتنا انتصرت على السرطان أخيراً ، موتاً ، لا يهم ، الأهم أنها انتصرتْ ، بشهادة 3سنوات من النضال الشاق ، الأمل الجميل ، الابتسامة الجميلة تلك التي لم تفارقها حتى و هي تخرج من أشد غرف العمليات وحشة ، كانت ساحرة بشكل لا يقاوم ، ودودة كنسمة ، دافئة كشمس ، طيبة كطفلة صغيرة وثائرة على الركح كماردة.

لم تكن تعترف بالمرض ، و لم تكن تعرف أن ما ينتظرها سيأخذها أبعد من فكرة الفحوصات ...حتى بعدما عرفتْ ما كان هذا ليغير فيها من شيء ، ببساطة لأنها ابنة الأقدار الحسنة، تلك التي تصنعها بنفسها، غادرت وهي تناضل الخلايا المجنونة التي استعمرت جسدها واحتلت أنسجتها احبها الجميع حتى السرطان الذي يبدو انه عشقها فابى تركها واخذ يشاركها حبات عمرها الفتيّ.

رحلت سعيدة السراي هناك في غرفة في احدى المستشفيات الفرنسية، عشقها السرطان وأبى تركها و شاركها لحظاتها الاخيرة على ايقاع نغمات فرنسية حزينة الرنين، رحلت سعيدة السراي وتركت حلمها ان ترى الوضع الفني في تونس افضل، ر حلت وأمنية سكنتها وهي أن يتحسن حال الفنان في وطنها الذي نساها ورماها للموت ، رحلت سعيدة السراي بعد نضال عامين عاندت فيها ذاك الذي يسمى «السرطان» ارادت ان تغلبه فاستوطن جسدها حد الانهاك، و داعا فنانتنا الهادئة، انطفأ نجم جسدك ربما ولكن حتما ستبقين راسخة في ذاكرة التونسيين ممن اعجبوا بالليالي البيض وبفضيلة في عودة المنيار، سيذكرون آداءك المتميز في المقاريد الخليجي وسيذكرون وقفتك وشموخك على الركح، فوداعا فراشتنا ...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115