إطلالات على رواية «مكينة السعادة» للأستاذ كمال الزغباني

صدرت أخيرا عن دار التنوير للنشر بتونس العاصمة رواية تحت عنوان « مكينة السعادة « للأستاذ الجامعي كمال الزغباني المختص في مادّة الفلسفة . وقد جاءت الرواية في ثلاثمائة و خمسين صفحة قسمها المؤلف إلى العناوين التالية: لقاءات ، تقاطعات ، صيرورات ، مصائر.

أستاذ التعليم العالي أحمد السماوي الذي قرأ الرواية خرج على أصدقائه و رفاقه ليتحدث إليهم عن إعجابه بما كتبه الزغباني و اعتبره مؤهلا لنيل جائز بوكر 2017 «لم لا؟» على حد تعبيره إلتقينا به و طرحنا عليه بعض الأسئلة حول المؤلف :

هل يوحي عنوان الكتاب «مكينة السعادة « بأن الأستاذ الزغباني قد دلّ قرّاءه على ماكينة هي كبقية المكينات التي نمتلكها في بيوتنا؟
المكينة في تصوّر الزغباني مشحونة إيحاء بالسلب. فهي لا توحي بمساعدة المرء على قضاء شؤونه كما كانت الغاية من اختراع الآلات إبّان الثورة الصناعيّة وما بعدها، وإنّما هي توحي بعكس ذلك تماما، وهو تهديدها الإنسان بالالتهام والسيطرة. فللمكينة، ههنا، إنباء بالخطر خاصّة متى ربطنا بين المتضايفين، المكينة والسعادة. فالسعادة شيء معنويّ والمكينة لا تنتج إلاّ المادّيّ . ولذا، فثمّة ما يدعى إردافا خلفيّا في البلاغة وهو تضارب متضايفين، كالحديث عن الشمس المظلمة. وبما أنّ المكينة لا تنتج إلاّ ما هو مادّيّ فالعلاقة بين المتضايفين تمثّل سخريّة مقاليّة، إذ بدل أن ننتظر كما في الأصل، مدينة تتوافر فيها حظوظ السعادة نلفي مكينة دأبها تقديم منتج عالي القيمة دقيق المواصفات، هو السعادة. وهل هذا ممّا يسوّق ويباع في المتاجر أو الصيدليّات أو المساحات الكبرى أم هل هو مجرّد دعاية كاذبة كتلك التي تدغدغ أوهام الناس.

يرى بعض الذين قرؤوا الرواية أن المؤلف قد برهن على أنه ذو معرفة واسعة في عديد المجالات وخاصّة منها المدارس الفلسفية؟

الرواية تستوعب المعارف والفنون والأجناس الأدبيّة والأساليب المختلفة الأخرى. وهي في الآن نفسه تعدّد خطابات. وهذا ما يسمح للروائي عبر راويه وشخصيّاته بالتعبير عن أفكار والقيام بتحاليل ووصف آليّات. ولعلّ من هذه المعارف الإشارات الفلسفيّة الكثيرة التي تظهر من حين إلى آخر في الرواية، يكل الروائيّ أمر الحديث عنها لشخصيّة مّا تكون مؤهّلة لإبداء وجهات نظر من هذا القبيل. وهذه العادة معروفة منذ الإبداع الطبيعانيّ في رواية إميل زولا. ففي مثل هذه الرواية، يخصّ عامل مّا مثلا بتفسير مكوّنات آلة مّا وكيفيّة اشتغالها.وأن تكون التحاليل المقدّمة في مكينة السعادة ذات طابع فلسفيّ أو سياسيّ لتماشي ذلك مع تكوين المبدع وقدرته على النظر في مثل هذه القضايا.

يلاحظ الكثير أن عديد الروايات التونسية يكرّر بعضها البعض حيث تطرح نفس الأحداث و في نفس الأمكنة (الجامعة التونسية و الحانات و الخلوات السرية) فهل توافق هذا الرّأي؟

لعلّ ما طبع الرواية التونسيّة منذ مدّة طويلة خوضها في المسائل التي لها صلة بالتابو الجنسيّ والتابو الدينيّ بدرجة أقلّ ولم يكن هذا التابو يحظى باهتمام المؤلّفين إلاّ بعد انتفاضة ١٧ ديسمبر. أمّا التابو السياسيّ فقد كان فعلا محرّما ولم يعد الكلام في السياسة ممكنا إلاّ في السنوات الأخيرة. وإغراق الرواية التونسيّة في الحديث عن الجنس مردّه إلى أنّ معظم الشخصيّات المختارة طالبيّة يساريّة شابّة. وربّما كان في هذا الاختيار ما يتناسب والممارسة السائدة في السينما التونسيّة أيضا، وهي سينما منتجة بالاشتراك مع الفرنسيّين ومستهدفة مشاهدين ذوي ذائقة معيّنة . وأن يفكّر كثير من الروائيين في نقل رواياتهم إلى السينما يوما مّا يجعلهم يلحّون على البعد اللبيديّ أكثر من سواه. المهمّ في الأمر هو السؤال عمّا إذا كان استعمال الجنس مجّانيّا أم هادفا! فقد يتبارى بعض المؤلّفين في الإلحاح على هذا الجانب الجنسيّ رغبة أوّلا في إثبات الذات ورغبة ثانيا في كشف النفاق الذي يتخفّى وراءه بعض المدّعين الدفاع عن الدين في وقت يكونون فيه أكثر شبقا من سواهم وأكثر عدوانا ضدّ المرأة. وأن يكون معظم من باشر كتابة الرواية جامعيّين أو خرّيجي جامعة فقد كان ذلك ميسّرا الحديث عن النشاط السياسيّ لتيّارات مختلفة، إذ الفضاءات الوحيدة المخوّل فيها النشاط السياسيّ هو الحرم الجامعيّ لا يُتجاوز.

هل بإمكان رواية «مكينة السعادة» أن تنال شرف نيل جائزة البوكر كما حصل مع رواية «الطلياني» للأستاذ شكري المبخوت؟
أن تكون رواية «مكينة السعادة» قد لذّت لي قراءتها وأمتعتني بل حقّقت لي سعادة حقيقيّة، وأن أسمع من كثير ممّن قرؤوها انطباعا إيجابيّا عنها أمران يجعلاني مرتاحا لترشيح الرواية لجائزة البوكر العربيّة. وأملي كبير في نيل الزغباني الجائزة أو الحصول على المراتب

الأولى في الترتيب الذي تقوم به لجنة البوكر. هي رواية جميلة في ذاتها، ولكنّ منافسة لغيرها من الروايات في مسابقة قد تأتي بمفاجآت. نأمل إن شاء الله أن تحظى بقبول كثير من القرّاء وخاصّة من أعضاء لجنة التحكيم.»

إن كنا نوافق الأستاذ أحمد السماوي فيما ذهب إليه من إشارة إلى الدلالة الإنتقاصية sens péjoratif لملفوظة المكينة فإننا نرى من جهتنا أن المكينة من حيث هي نسق تشير إلى الانخراط الآلي للإنسان المعاصر في صيغ وجود أملاها النظام الاستهلاكي توليدا للإشتهاءات و الرغبات الآنية عبر نظام الإشهار . فإذا السعادة تتلخص في الإقتناءات و الزغباني تفنن في تصوير البطل لاهثا وراء النزوات العابرة بحيث ليست له لحظة توقف مع ذاته ليسائلها عن دلالة للسعادة تختلف عن تلك التي أملاها النسق أملتها الآلة وهو بذلك يشير إلى الإنسان المعاصر الذي ما عاد يجد الوقت للتفكير وذلك على عكس ما نجده عند الحكماء الذين اعتبروا السعادة متمثلة في قدرة الذات على السيادة على ذاتها وتحقيق الفضيلة. يقول إبن باجة: «وحدهم السعداء إذا ما خلوا بأنفسهم اعتزوا بها والأشقياء على خلاف ذلك»

لذلك لا نخال الشخصيات التي تحدث عنها الزغباني إلا من أولئك الذين يعيشون سعادة الأشقياء و لا يجدون فرصة لمحاكمة النفس أو تزكيتها و ما يدفعنا بقوة إلى قول ذلك هو أن صاحب الرواية فيلسوف لا يمكنه أن يروج لسعادة الأشقياء ، و ما وراء وصف الجلسات الخمرية و الدعارة و اعتماد الملفوظات الجنسية القبيحة يكمن النقد العميق لمجتمع تحولاته اللاأخلاقية غطت عن باقي التحولات. ونحن من جهتنا لا نرى الفحش في الرواية أمرا ممنوعا بل نراه عاكسا لواقع انقلاب القيم دليلنا في ذلك ما ذكره كانط في كتابه نقد ملكة العقل حين ذكر» عندما أكون أمام طبق من الغلال فإن الطبق موضوع أمامي إنه شيء من الأشياء آخذ منه ما أريد لكن حين أكون أمام لوحة فنية تعكس طبقا من الغلال تكون ذاتي هي التي أمامي تقرؤه وتتناوله.»
لذلك كانت الرواية هذا الفن تجعل ذات القارئ تتذوقه قراءة ونقدا لا ينبغي أن يختزل في الانتقادات الأخلاقوية.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115