المسابقة الرسمية لأفلام الرواية الطويلة في مهرجان قرطاج السينمائي: فيلم «إلاهيات» للمخرجة «هدى بنيامينة» (المملكة المغربية) وسط القتامة ينمو الحبّ والصّدق ...

شجاعة وخوف وتظاهر باللامبالاة وعشق داخلي يفتت الروح ويسكن القلب، ضحكة صادقة وسط اكوام من الفقر والتعاسة، صداقة حقيقية امام آلاف العقبات واولها الفقر الفاحش، رغبة في التمرد وفي الجنون وحب كبير للانا وللآخر، جميعها مشاعر نقلتها «علية عمامرة» الممثلة المغربيّة بطلة فيلم «الهيات»

للمخرجة هدى بنيامينة، فيلم متحصل على جائزة الكاميرا الذهبية في مهرجان «كان»، فيلم ينقل جزءا من وجيعة سكان الاحياء الشعبية الفرنسية خاصة المهاجرين الافارقة والعرب. «إلهيات» فكرة سكنتني غداة أحداث 2005 بفرنسا، وأردت من خلال الفيلم إظهار مشاعر إنسانية قوية انعكست في علاقة الصداقة التي جمعت بين المراهقتين في أوقات الفرح والتعاسة» على حد تعبير المخرجة هدى بنيامينة.

يتجاوز فيلم «الهيات» حاجز اللغة ليبسط بأسلوبه الجميل سحره السينمائي... هو أول فيلم روائي طويل في رصيد المخرجة «هدى ينيامينة» التي لفتت من قبل الأنظار بفيلمها المتوسط «الطريق إلى الجنة»، شاركت به في قسم «نصف شهر المخرجين» في الدورة التاسعة والستين لمهرجان «كان» السينمائي.

المهاجرون..وحلم الثراء...ووضعية الضواحي
«ماني، ماني» اغنية لفرقة روك، تكون فاتحة موسيقى الفيلم وصورة بانورامية فوقية لأحد الاحياء الفرنسية، تقترب الكاميرا قليلا وتركّز على وجه فتاة سمراء البشرة ضخمة الحجم هي « ميمونة» افريقية الاصول والداها امام جامع تسمعه يرتل القران ويريد لابنته ان تدرس فقط، وسط صوت الترتيل صوت هاتف يرن ورسالة قصيرة تقول «أريدك حالا» ثم تتحول الكاميرا إلى أعلى ليجد المتفرج نفسه امام فتاة بيضاء البشرة، نحيفة الجسد، سريعة ضحكتها جميلة هي «دنيا» (علياء عمامرة) وربما اختيار الاسم لم يكن اعتباطا.
ويروي الفيلم قصة صداقة قوية بين مراهقتين فرنسيتين تعيشان في الضواحي الفرنسية المهمشة. تحلم الصديقتان بهجر حياة البؤس والفقر التي نشأتا فيها. ولتحقيق هذا الحلم، تسلكان طريق التمرد على قوانين المجتمع.

تتواصل احداث الفيلم ليكتشف المشاهد انه امام حكاية صديقتين افريقية ومغربية كلتاهما نزحت الى فرنسا بحلم البحث عن عيش أفضل صديقتان جد مختلفتان ولكن هناك رابط قوي يجمعهما، الافريقية ميمونة والدها امام جامع ومؤذن انسان بسيط يريد ان تدرس ابنته لتكون افضل، ميمونة سمراء، بسيطة حد السذاجة احيانا، ضخمة الحجم اما عقلها فعقل طفل صغير وتفكيرها محدود، في المقابل صديقتها «دنيا» والداها يغنيان في الفضاءات الليلية همهما الاوحد جمع المال، دنيا بيضاء البشرة، رشيقة القوام، ذكية متمردة ولا تهاب شيئا عقلها بعقل عدة رجال، حين تشاهد الفيلم تلاحظ حتما تلك المفارقة العجيبة بين الشخصيتين مفارقة حد الاختلاف جعلت منها صديقتان مقربتان و تشتركان في حلم البحث عن المال متمردتان على كل شيء يربطهما بالبيئة التي ولدتا فيها. تحلمان بكسب الكثير من المال، ولأجل ذلك تسلكان الطريق الأسرع المفتوحة أبوابها أمامهما وهي تجارة المخدرات.

بالكاميرا تنقل المخرجة هدى بنيامينة كيف يعيش المهاجرون في الضواحي الفرنسية، تدور احداث الفيلم بين مكانين مختلفين الاول هو مدينة جميلة شوارعها نظيفة اين تدرس دنيا وصديقتها ميمونة واين يتعرفان على «ريبيكا» تاجرة المخدرات، اما الجزء الاخر فهو الضواحي والفضاءات المهمشة المبنية بطريقة عشوائيبة اين يقيم المهاجرون مكتظين في بضعة امتار هناك وسط منزل جد مهمل وقميء ومقزز تعيش دنيا المتمردة.

و مرة أخرى تخوض «هدى بنيامينة» في فضاء المهاجرين وسكان الضواحي الباريسية التي يبدو أنها تعرفها جيدا، وتحسن التعبير عن مفردات هذا العالم،. لتمنح البطولة المطلقة للممثلة «علية عمامرة» التي تحملت أعباء الفيلم وقدمت آداء متميزا لتضفي بحيويتها وقوة شخصيتها وتمرّدها وجنونها الكثير من الطرافة والجاذبية على شخصية «دنيا» المراهقة من مهاجري الضواحي التي تتمرد على واقعها المر، فتترك الدراسة بحثا عن الثراء الذي تجده في التجارة غير المشروعة مع «ريبيكا» تاجرة المخدرات الأشهر في الضاحية... طريق محفوفة بالمخاطر حيث كانت البداية بتجارة المخدرات، وانتهاء بسرقة مال تاجر آخر.

كانت «دنيا» تعتقد أن هذه هي نهاية الطريق فاقتسمت المال مع صديقتها «ميمونة» وأمها التي لا نرى لها وجودا أو تأثيرا في حياة ابنتها... تحاول «دنيا» الهروب لكن فيديو يصلها من «ريبيكا» وهي بصدد تعذيب صديقتها المقربة «ميمونة» يدفعها إلى العودة، وبعد عراك وشتائم متبادلة ينشب حريق في المنزل ولا توجد سوى فتحة صغيرة تمنح للثلاثة: دنيا، ريبيكا وميمونة فرصة للنجاة، إلا أن هذه الفتحة لا تتسع إلى «ميمونة» البدينة فتظل عالقة أمام رفض الحماية المدنية التدخل ما لم تأت الشرطة... فالضواحي مصنفة مناطق خطرة لا يدخلها الفرنسيون حتى وإن تعلق الأمر بوضع معقد يتطلب التدخل العاجل من الحماية المدنية... ومع انفجار المنزل واحتراق «ميمونة» داخله تدور مواجهات بين شباب الضاحية الباريسية من المهاجرين العرب والأفارقة والشرطة الفرنسية... ولا نرى نهاية لتلك المواجهات ليبقى الحال على ماهو عليه.

كاميرا «هدى ينيامينة» حية، شديدة الحركة، لا تكاد تتوقف في مساحة ثابتة، ملتصقة بـ«دنيا» التي لم تغب عن عين الكاميرا لحظة واحدة، تشتغل المخرجة بكاميرا محمولة في جزء كبير من الفيلم لتضفي الجانب الوثائقي عليه.
الفيلم نقل طريقة عيش الفتاة دنيا كأنموذج للمهاجرين، تبعتها في كل حركاتها و مغامراتها و كلما حزنت الفتاتة اقتربت الكاميرا الى وجهها اكثر لتقول للمشاهد بعض الاحاسيس المضطربة والصادقة وتنقل وجيعة المهاجرين، الكاميرا ايضا تتجول في المناطق الفوضوية والبناءات المهملة و كأنها تريد الاقتراب اكثر ممن يعيشون هناك.

الجسد...الرقص دواء وبلسم
يتحرك الجسد بسرعة، يتلوى على القاعة كأنه صورة لأنفاس لمهاجر متقطعة هارب من الشرطة ومن احد تجار المخدرات، تخفت سرعة الجسد ويسترد الراقص انفاسه ويعيد نفس الحركة العديد من المرات «لان الرقص دواء، كلما شعرت بالضياع والخوف ارقص وارقص» كما قال الراقص في حديثه الى دنيا.

هو أيضا من المهاجرين، يعمل في فضاء تجاري ضخم وفي الحين ذاته يمارس هوايته المفضلة، لغة الجسد يرقص و يريد ان يكون ضمن اشهر الفرق الفرنسية بالرقص المعاصر، الكاميرا تصور كل مشاهد الرقص من اعلى وكأنها تتحدث عن علوية الرقص وضرورة مشاهدته من فضاء يجعلك تتعرف على كل تفاصيل جسد الراقص وكل جزئيات الحركة.

في الفيلم تقدم المخرجة صورة لقصة حب جميلة تجمع «دنيا» بالراقص قصة حب انطلقت من اعجابها بحركاته و رقصه، وإعجابه بقوة شخصيتها وتمردها على الجميع ، بين فتى جميل وهادئ له طريقته المميزة في الحياة، وفتاة صعبة المراس تقدم إلى الكاميرا لحظات من الحب والرومنسية تنسي المتفرج بعضا من قتامة المشاهد الاخرى وكان بالمخرجة تقدم الجانب المضيء داخل كل انسان مهما بلغت قساوته وثورته.

لحظات الحب تلك وكأنها محاولة لتغيير واقع دنيا فالراقص الوسيم يقنعها بأن تكون معه ومثله وتخرج من مستنقع المخدرات والعنف، تقبل الفتاة المتمردة وتتبع صوت قلبها ولكن تعلقها بصديقتها يعيدها الى الحيّ وتقبل ان تخسر الكل لانقاذ حياة صديقتها وكان بالمخرجة تصور ذلك الاضطراب الذي تعيشه المرأة بين ا لحب والواجب.

«الاهيات» فيلم لهدى بنيامينة المغربية، ميزته قوة الممثلتين الرئيسيتين ، كلتاهما ابدعت وكلتاهما شدت انتباه المتفرج بطريقتها الخاصة ، فيلم متحصل على جائزة الكاميرا الذهبية في «كان» أقل ما ينعت به انه رائع سينمائيا وانسانيا وجماليا.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115