هكذا قالت الممثلتان سلوى الرابحي وسامية بوقرة في مسرحية انتظار المستطيل للمخرج محمد القلعي.
في انتظار المستطيل، عمل مسرحي تقدمه امرأتان من حكايات يومية بسيطة تنطلق رحلة و جودية نقدية للواقع والسياسة والموجود والمنشود، فضاء العرض فضاءات والحدث احداث والشخصية شخصيات، من الواحد تتفرع الحكايات و المواضيع لتتعري العديد من المسائل التي تمس التونسي امرأة كانت او رجلا.
كوميدياء سوداء موجعة
زينة الركح بسيطة، ثلاثة كراسي موزعة في شكل مثلث، فخيمة بابها موصود وفوقها فانوس احمر اللون، ابطال الحكاية اثنتان اولى جميلة هيفاء القامة جميلة الوجه و المبسم تبحث عن زوج تريد ان تجد شريك قلبها و جاءت لساكن الخيمة صاحب القدرات الخرافية ليساعدها على الزواج، والثانية بدينة تريد ان تنحف وجاءت لصاحب الحكايات العجيبة علها تصبح نحيفة وهيفاء القامة، امرأتان من مجتمع مختلف وأهداف متباينة يلتقيان صدفة امام باب موصد لسنوات وفانوس ابى الا ان يبقى أحمر ورفض الاخضرار، كلتاهما تريد ان تدخل الاولى لمقابلة الرجل الخارق القوى لحل معضلتها، يطول الانتظار فتتسابق المراتان للحديث والنقاش و الخوض في شجون الانا والانت والاخر فالارهاب والسياسة والاغتيال السياسي، وتتساءلان «من قتل؟ من أمر ومن نفّذ؟ من خان دم الشهيد؟ من صمت امام الجريمة النكراء، و«حياك بابا حياك»، بأسلوب كاريكاتوري مضحك سخرت سلوى الرابحي وسامية بوقرة من الواقع و الموجود.
من حكاية الزواج الى الاغتيال وواقع البلاد تختلف المواضيع وطريقة التناول، في البداية يظهرن وكانهن ساذجات لا يفهن في امور السياسة ولا المجتمع فكيف لامرأة واعية تستطيع التحليل والفهم ان تقف لايام امام خيمة موصدة تنتظر صاحبها ليأذن لها بالدخول ليساعدها على الزواج؟ وكيف لقائدة قادرة على مجاراة الاحداث التحدث بتلك السذاجة؟ ولكن بتصاعد وتيرة الاحداث وبطريقة اكثر من مضحكة يكتشف المتفرج أنه أمام أنموذجين للمرأة التونسية السياسية، أولى مولعة بالفن والغناء يضطرها اختفاء شقيقها لتصبح مغنية الحزب ثم ترتقي في رتبة القيادات وتصبح من اهم نساء الحزب، اما الاخرى فتعش النضال وترى ان حضور كل الاجتماعات وان كان على حساب صحتها ومبادئها واجب لا بدّ منه، لكل منهما رؤيتها للسياسة ولكن كلتاهما تصدم بقذارة لعبة السياسة وعدم عدلها.
في انتظار المستطيل، «طاء» تعوض «الحاء»، هنّ ينتظرن مستحيلا لن يأتي، ينتظرن شهيدا لن يعود، ينتظرن دما سال و لن يعفروا من هدره، ينتظرن املا بكشف حقائق طمرت، ينتظرن معرفة من اغتال بلعيد والبراهمي ومن ذبح الشهيد في الجبال ومن اغتال ومن يتّم ورمّل؟؟؟ ينتظرن اجابة عن حقائق لا اجابات لها، على الركح يتساءلن، يبكين قهرا ووجيعة، وجيعة وطن «مجرموه احرار» و «رجاله تحت التراب» كما يقول النص.
في انتظار المستطيل كوميديا سوداء تصفع المتفرج لاعادة التفكير في عدة مشاغل تسكنه ولاعادة النظر الى واقعه والبحث عن البديل و مراجعة واقع المراة فهي ليست الباحثة عن زوج و لا العاملة المنسية بل هي مؤمنة بقضايا الوطن و واعية بمشاكله وان اجبرتها الظروف لتكون بعيدة عن المشهد السياسي.
قرّري، أنت حرة
«انا قررت البحث عن دم اخي، وانا قررت أن أكون قائدة مع غاندي وغيفارا، انا قررت ترك السياسة وألاعيبها والالتصاق اكثر بهموم الوطن، وأنا قررت ان اكون انا» بهذه الجمل يسدل الستار، بعد ساعة إلا وربع وهو عمر المسرحية، تسأم الاثنتان من الانتظار ويعترفن بقدرتهن على التغيير فهنّ خلقن ليكنّ فاعلات وليس مفعول بهنّ، خلقن للريادة والقيادة، خلقن ثائرات كما تقول سامية بوقرة في المسرحية.
جميلات وقادرات على الاضحاك والسخرية، اقنعن المتفرج بسخريتهنّ ودفعهن للتصفيق طويلا حين غنين «يا عبد الودود» و «حياك بابا حياك».
بتلقائية، اضحكت سلوى الرابحي جمهور قاعة (الريو) خاصة حين حطت الكرسي وسط العمل، موقف ارتجالي اضحك الجمهور فبكاء سامية بوقرة وطريقتها في الرقص، جزئيات بسيطة كشفت ابداع الممثلتين وقدرتهما على الاقناع.
أُريدُكِ أُنثى..
لأنَّ الحضارةَ أُنثى..
لأن القَصيدةَ أُنثى..
وقارورةَ العطر أُنثى..
وبيروتَ تبقى – برغم الجراحات – أُنثى..
فباسْمِ الذين يريدونَ أن يكتُبُوا الشِعْرَ.. كُوني امرأهْ..
وباسمِ الذين يريدونَ أن يصنَعوا الحُبَّ .. كُوني امرأَهْ..
وباسْمِ الذين يريدونَ أن يعرفوا اللهَ .. كُوني امرأَهْ..
أُنثى بطهرِكِ.. أُنثى بمكرِكِ..
أُنثى بمشيتكِ الرائعَهْ
وأُنثى بسُلْطتكِ التاسعَهْ..
كما قال شاعر المرأة نزار قباني، ساعة من النقد للواقع وكشف عن مشاكل السياسة والسياسيين.
«في انتظار المستطيل» مسرحية تونسية الروح والمواضيع، بطريقة هزلية نقدت الممثلتان حال البلاد وعدة مشاكل لقد تمّ كشف واقع التونسي وكيفية تفكير المواطن البسيط وكيف اصبحت المواضيع السياسية والاحزاب هاجس المواطن وشاغله.
القيروان للمسرح فرصة لاكتشاف ما تزخر به الولايات الداخلية من طاقات ابداعية وقدرة على شد انتباه المتفرج، خاصة وجود ممثلات بتلك الجرأة دلالة على رغبة صادقة في العمل المسرحي في القيروان في ظل انتشار أصحاب التفكير السلفي الرافض للفن والتمثيل يعد تحدّ تعيشه المرأة في القيروان على حد تعبير احدى الممثلات المشاركات في التظاهرة.
«القيروان للمسرح» اداة لتعرية الواقع وكشف حقيقة الفعل الثقافي في الجهات، هي فرصة لكسر مركزية الثقافة وتأكيد ان لكل شبر من هذا الوطن مبدعين يعملون في صمت في انتظار التفاتة ليكونوا افضل ويساهموا في الرقي بالمشهد الثقافي في جهاتهم.