هذا العدد الثاني من مجلة شؤون ليبية تضمن ملفا حول المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي في ليبيا: أسباب التعثر واستراتيجيات التدارك وفيه أدرجت جميع الدراسات والبحوث التي وقع تقديمها خلال المؤتمر السنوي عن إسهام المجتمع المدني في الانتقال الديمقراطي بليبيا الذي أقامه المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا يومي 4 و5 ماي 2016 بتونس.
وفيه اُدرجت كلمة المنذر الرزقي باعتباره الممثل الخاص لرئيسة مفوضية الاتحاد الإفريقي لدى ليبيا في افتتاح المؤتمر ثم دراسة بعنوان «المجتمع المدني في ليبيا: تكيّف أم تكييف مع الواقع الليبي» للإعلامية هدى مزيردات وفيها أشارت إلى مميزات واقع المجتمع المدني في ليبيا بعد الثورة والمتمثلة في تواصل الانقسامات بين مختلف الأطراف السياسية وفشلها في المسك بزمام أمور البلاد كما ركزت على ضرورة إيجاد تصور لإعادة النهوض بمؤسسات المجتمع المدني الليبي بعيدا عن التصور السابق «الجماهيري» الذي خلق تركيبة مجتمعية مشوهة في ليبيا.
وقد صوّرت بدقة واقع المشهد العام للمجتمع المدني الليبي قبل الثورة وبعدها والمشهد السياسي والمشهد الحزبي والمشهد الاقتصادي والإعلامي والقبلي والثقافي وغيرها من المشاهد الأخرى.
الدراسة المهمة الثانية هي لمدير المركز سالف الذكر الإعلامي رشيد خشانة وهي بعنوان «المجتمع المدني والانتقال الديمقراطي في ليبيا: أسباب التعثر واستراتيجيات التدارك، حيث أشار إلى أن النظام الليبي السابق استطاع أن يقضي تماما على مكونات المجتمع المدني على مدى فترة حكمه الطويلة وهو ما جعل البناء الجديد ينطلق من فراغ تقريبا كما أن بناء مؤسسات المجتمع المدني بعد الثورة اتسم بشوائب وعلل جعلت فعالية تلك المؤسسات تخفت مع تدهور الأوضاع الأمنية واندلاع المواجهات المسلحة وسيطرة العنف بين فريقين متصارعين اعتبارا من أواسط 2014.
وقد استند الأستاذ رشيد خشانة في بحثه على جملة من البحوث والتقارير منها تقرير صدر قبل الثورة وهو بقلم إدريس المسماري ورضا بن موسى عن واقع العمل النقابي وعلاقته بالمجتمع المدني في ليبيا خلال المرحلة الحديثة الممتدة من 1952 إلى سنة 2000. وقد أكد انه على الرغم من تزايد عدد الجمعيات والنقابات والاتحادات (قبل الثورة) فإنها ظلت عبارة عن امتداد للمؤسسات الرسمية وتخضع للقوانين واللوائح والتعليمات في اختيار قياداتها.
ومن الدراسات الأخرى التي تضمنها هذا العدد من مجلة شؤون ليبية نذكر دور مؤسسات المجتمع المدني الليبي في المصالحة الوطنية بين العراقيل وآفاق التجاوز للمحامية الليبية هند فرج الجريبي ثم دراسة بعنوان دور مؤسسات المجتمع المدني في التغيير المجتمعي: زوارة مثالا للأستاذ عمرو عبد الله سفيان وكذلك دراسة لأستاذ التاريخ بكلية الآداب بصفاقس عبد المجيد الجمل وعنوانها تاريخية المسألة الدستورية في ليبيا وهي دراسة مهمة جدا بالإضافة إلى دراسة أخرى لا تقل أهمية لرئيس جمعية الشفافية الليبية إبراهيم علي وهي بعنوان مكافحة الفساد في أجهزة الدولة ودور الجمعيات الأهلية في الكشف عنه (جمعية الشفافية نموذجا) وغيرها من الدراسات.
لقد ترك العدد الأول من مجلة شؤون ليبية كما أكد ذلك الصديق رشيد خشانة في افتتاحية هذا العدد انطباعا جيدا لدى القرّاء.
ولا شك في أن يشد هذا العدد الثاني أيضا انتباه كل من يهتدي إليه وذلك لأهمية المواضيع المطروحة ذلك أن المركز المغاربي للأبحاث حول ليبيا الذي يتولى رشيد خشانة أيضا إدارته يسعى إلى تقصي نقائص المجتمع المدني في ليبيا وثغراته من اجل التدارك مع إبراز نقاط القوة من أجل المساهمة في بلورة رؤية للمستقبل تحقق التوازن وإعادة نهوض الليبيين وذلك بلفت النظر إلى أهمية الحوار وتفاهم كل مكونات المجتمع المدني الليبي.