لشهيدات الوطن «قاطفات الاكليل الجميلات» اهدى فضاء منيرفا للمسرح عمله المسرحي الجديد، عمل بعنوان «مرا في صف الرجال» هو هدية الى من ضحين بانفسهن فقط لضمان لقمة عيش ابنائهن، استشهدن قاطفات الاكليل في ماي2016 ولهن قدمت زينة مساهلي ومقداد الصالحي مسرحية «مرا في صف الرجال».
نسوتنا...للرجولة والشهامة عنوان
تلتحف بالسفساري، ضوء احمر قاتم ينبعث على كامل الفضاء تتحرك الممثلة بسرعة وكلما ازدادت الحركة اتسعت رقعة اللون الاحمر وكانه لون الدم، الدم الذي سال سفح الجبل وسقى تربته فجر أحد الايام، دم هو عنوان الشهامة والتضحية من اجل لقمة عيش كريم، لون أحمر وكانه دم اتخذته النسوة حناء تزين بها حناء الشجاعة والبطولة «حنيت بالألغام الأقدام وسال دمي غزير، مدرار روى تونس ارض الأحرار رواها بريحة الحلفاء والاكليل» هكذا تعلق الممثلة على اللون الاحمر ورائحة الدم التي تكاد تستنشقها في الفضاء.
إلى «حراير» تونس شهيدات الوساعية « قاطفات الإكليل الجميلات» اللواتي علمننا كيف ننتمي لهذا الوطن بدروس كتبن أحرفها من مداد الكفاح والشرف والتشبث بالأرض المقدسة...» حراير أولاد هلال « سيخلدن في ذاكرة الأرض وحتى وإن تجاهلهن التاريخ وتناساهن الخطاب السياسي الخشبي والعقيم فإن المسرح سيذكر بطولاتهن وسيحدث العالم عن الجنديات الشجاعات اللواتي دافعن عن شرف الأرض بالفأس وتحدين العدو المتربص بالجبال غير مباليات بالألغام والموت المحتم حيث تتفجر أجسادهن بالألغام ويعجز الجميع عن جمع الأشلاء التي تتشبث بالأرض بما فيها قلب إحداهن الذي طار محلقا في الأفق ليحط الرحال في أعلى الشجر محاكيا فرحة العرس وشموخ الجبال ورفرفة العلم كما قالت الممثلة زينة المساهلي.
طيلة العمل هناك صوت خفي يغني وكأنه اهزوجة عرس او عرس الشهادة، صوت وغناء يحتفي بالدم الذي روى تراب تونس وقدم درسا اخر في الشموخ عنوانه نساء الوساعية، نسوة صنديدات يعرفن خبايا الجبل ويعرفن من يستوطنه ورغمها يواصلن حياتهن ويواصلن قطف الاكليل لصنع اكليل الحياة.
أنا مرا... أنا التونسية... أنا الأرض والميلاد
«انا مرا، في الرجال، انا الخدامة والخلاقة، انا البطّالة و الطبيبة، انا الريفية و المتحضرة، انا الحرة، انا النساء الكل» هكذا تكون فاتحة المسرحية، وبمجرد ان تقول انا النساء الكل يشتعل الضوء من كل الزوايا وكانه ينير دروب الجبل المظلمة، في العرض تلبس الممثلة اكثر من زي، فتارة ترتدي السفساري وطورا تلبس الجبة وحينا تلبس لباس النساء العاملات في الفلاحة وفي مناسبة أخرى تلبس زي الحضائر، بلباسها ارادت ان تتماهى الممثلة مع المرأة التونسية بكل تصنيفاتها، المرأة التونسية التي تقف الى جانب الرجل سندا وحصنا منيعا
في مسرحية «مرا في صف الرجال» هناك الكثير من القتامة، نص موجع، كلماته قاسية تتوجه اليك فتبكيك ويؤلمك ضميرك ربما لانك صمت امام مأساة راح ضحيتها ثلاث نسوة، صمت على نسوة صادقات ربما سينساهن التاريخ الرسمي ولكن الفن سيخلدهن والمسرح سيحفر أسماءهن في ذاكرة الاجيال.
يصبح الضوء ازرق، تزداد حركة الممثلة كاضطراب حي باكمله سمع صوت انفجار اللغم وسكنته الحيرة من أين يبدأ رحلة البحث، من المسرحية ترجع الذاكرة الى تلك الصورة التي اعتبرها الكثيرون عنوان شجاعة صورة لسكان سفح الجبل الذين هبوا هبة رجل واحد للبحث عن النسوة، صورة تزعزع امكانية التشكيك في خوف متساكني الجبل الاصليين ممن استوطنوه غدرا.
تزداد قتامة الجبل التي تتحدث بها الممثلة ومعها تصبح نبرة صوتها جد وهنة وموجعة وكانها صور احتضار النسوة، وتوصّف الممثلة باغانيها وحركاتها اجزاء واشلاء النسوة، تتحدث عن القلب الذي تطاير ليرسو فوق الشجرة وكانه يبشر بحياة جديدة، وصور الاقدام المتعبة والوجوه المبتسمة الشاحبة، جميعها صور جميلة كان لزاما على التاريخ تدوينها بحروف من ذهب ووجب تدريسها للأجيال حتى نتعلم جميعا كيف نستهلك الحرية لنخرجها من نطاقها المغلوط والمشوه . نماذج حقيقية تكشف دور المرأة التونسية الفعال والجريء الذي شيدته من عليسة مرورا بـ «خيرة» و «شريفة» و«مالية» حراير أولاد هلال ... هنا كان لزاما علينا الإنحناء للنساء الحراير اللواتي استهلكن الحرية منذ القدم حتى أنها أصبحت من دعائم هوية المرأة التونسية، على الركح تكون النسوة الشهيدات «شريفة» و«مالية» و«خيرة» وكأنهن الياذة الحب والحياة، هن على الركح في نص زينة مساهلي وأدائها تعويذة دائمة تعويذة لحياة ابدية لا تنضب ووطنية نادرة وشجاعة منقطعة النظير لانهن وببساطة تونسيات عشقن الحرية.
«مرا في صف الرجال» مسرحية تقدمها امرأة تنتمي الى تلك الربوع، امرأة عشقت المسرح فكان اداتها للتعبير، مسرحية وكانها اعادة تجسيد للواقعة وارشفتها وحفظها في ذاكرة المتفرج فالمسرح نضال متواصل في الحياة.