عرض اللجنة لمسرحية الغُراب الأبيض لمحمد توفيق الخلفاوي: قد نختلف ولكن الوطن يوحّدنا

هل ننبذ المختلف عنا؟ هل الاختلاف عيب يدفعنا للفظ الآخر والابتعاد عنه؟ لماذا لا نتحد من اجل مصلحة الجميع ولا نمد يدنا للأخر لأنه مثلنا وان اختلف عنا؟ هكذا تساءل الغراب «غربيبو» في مسرحية الغراب الابيض التي قدمت عرض اللجنة صبيحة الاربعاء بدار الثقافة دوار هيشر.

«الغراب الأبيض» مسرحية للاطفال بدعم من وزارة الثقافة للمخرج محمد توفيق الخلفاوي وتمثيل شكيب الغانمي و فاتن شوايبي وحسن المي وعبد الرحمان محمود و اروى الجندوبي و سلمى حفصي و ايمن النخيلي وكوريغرافيا مكرم الغزي .
 

اشترك في النسخة الرقمية للمغرب ابتداء من 25 د

ألوان تبهر البصر والبصيرة
موسيقى هادئة جميلة تبعث من الداخل، اطفال يتفاعلون معها بالرقص والتصفيق، الوان جميلة تزين الركح، فأجساد تتحرك تحمل بأيديها حمامات ملونة مشعة بألوان تخلب الانظار والأبصار، وللسينوغرافيا في مسرح الطفل ميزتها، فالمسرح بما هو فعل انساني يسعى لتفسير و توضيح الفعل الانساني و يعد من اكثر الفنون التي تستخدم التشكيل و اللوحات الراقصة بما هي صورة بصرية وفي «الغراب الابيض» تميزت الصور البصرية بجمال الالوان وتناساقها، الوان تشد الناظر وتمسكه لمواصلة الفرجة، الوان في كل مكان، ولان ابطال العمل غربان يلبسون الاسود اختارت المجموعة ان يكون فضاء العمل مدينة جميلة كل شبر فيها أجمل من الاخر من حيث تمازج الالوان وتناسقها.

وللصورة السمعية موقعها في مسرح الطفل والمقصود هو الموسيقى وتوزع حسب الحدث تارة هادئة وجميلة كهدوء الاحداث وبتصاعدها يرتفع نسق الموسيقى لتصبح اكثر تشويقا.

وللأزياء بهرجها في مسرح الطفل لان الزيّ يدفع الطفل للتخيل خاصة حين يضع الممثل قناعا على وجهه يكون الطفل اكثر رغبة في معرفة ما وراء القناع فتنطلق رحلة بحثه من الأزياء وأزياء مسرحية الغراب الابيض مميزة، لكل مشهد زيّه ولكل شخصية زيّ موشّى بالألوان خاص بها، فالزّي هو الدلالة الاولى التي ترسخ في ذهن الطفل المتلقي ومن خلال الزيّ والموسيقى والألوان يكون العرض المسرحي أقرب الى اللعب، واللعب محبب عند الطفل لأنه هوايته الاولى فهل هناك طفل لا يريد اللعب «اصدقائي وجيراني اريد فقط ان العب لست غريبا انا جاركم فقط مختلف عنكم وأريد ان اللّعب» كما يقول بطل الحكاية، اللعب هو مسعى الطفل ومطمحه ومسرح الطفل يسعى من خلاله المهتمون به لاشباع رغبة الطفل واسكات جوعه للعب من خلال تنشيط خياله ودفعه ليكون جزءا من احداث العمل وتشريط الطفل المتلقي في الحبكة الدرامية، لذلك شدت مسرحية «الغراب الأبيض» انتباه الاطفال بألوان زاهية وموسيقى مميزة وحركات ممثلين جسدت جيدا حراك الغربان والحيوانات المجسمة على الركح.

قد اختلف عنك ولكن الفضاء يوحدنا
«الغراب الأبيض» حكاية بسيطة انطلقت من الاختلاف ثم جابت الاسطورة ورحلت بالاطفال الى عالم عجائبي اصبحوا يفتقدونه امام سطوة وسائل التواصل الاجتماعي، من قصة غراب ابيض اللون تنطلق المسرحية، موسيقى هادئة، غربان تلعب وتتدحرج في فضاء جميل ملون وجميل، تناقض تام بين سواد الغربان وجمال الالوان فما كل اسود بشع.

تتغير الاحداث بقدوم غراب ابيض لفضاء الغربان، تخافه تهابه ويقاطعونه ثم يتركون له الفضاء ويرحلون لانه أبيض اللون: «لماذا تركتموني وحيدا؟ لماذا ترحلون، لست مؤذيا أنا فقط مختلف وريشي أبيض وأريد اللعب» بهذ الكلمات يعبر الغراب الصغير المختلف عن قلقه من تصرفات اترابه وأبناء جنسه يخاطبهم بلطف محاولا المقارنة بين الاجساد ويقول « في ريشك اتساع؟ وريشي ايضا؟ تصدر نعيقا، اصدر مثله، جناحاك مفرودان وجناحاي ايضا، لست ارى اختلافا فقط لوني أبيض»، تتواصل الحكاية والتشويق في عالم عجائبي يضطر فيه الغراب الصغير للبحث عن حارس الاسطورة فيخبره انه «غراب، هو فقط مختلف لانه ينحدر من عائلة غربان جدها ابيض اللون ويقدم له نصف تاج ويتركه للبحث عن النصف الاخر» .

حكاية تبدو بسيطة ولكن الممثلين بطريقة رقصهم وتقليدهم للشخصيات التي يجسمونها شدوا انتباه الاطفال ودفعوهم للتعاطف مع الغراب الصغير «مسكين هو ابيض رقيق لماذا لا يلعبون معه» كما قالت احدى الصغيرات في القاعة، وتنتهي المسرحية برقصة يشارك فيها الجميع وهو امر الغراب الصغير صاحب التاج فلنفتح ابوابنا لكل الطيور، بكل الوانها وأشكالها، وليرقص الجميع رقصة الألوان.

للمسرحية رسالة تربوية دعا من خلالها الممثلون لعدم نبذ المختلف عنا و مشاركة الاخر الفضاء، قد نختلف ولكن هناك وطن يوحدنا، قد تختلف البشرة والتفكير ولكن دماءنا واحدة وإيماننا بالفضاء يوحد الكل، هكذا قال الممثلون على الركح، في «الغراب الأبيض» عدة رسائل تربوية وتعليمية تعلم الطفل قبول الاخر المختلف والتحاور معه وعدم اصدار احكام مسبقة رسائل تصب في خانة ان مسرح الطفل وسيلة تربوية وتعليمية.

«الغراب الابيض» في عرضها الاول بها عدة هنات واولها النص الذي وجب اعادة الاشتغال عليه لشد انتباه الطفل أكثر مع الانتباه للحظات الفراغ فبين مشهد بحث الغراب عن حارس الظلال ومشهد حواره الثاني مع الغربان بخصوص التاج هناك دقيقتان من الفراغ دون ضوء او الموسيقى اضجرت الصغار والطفل لا يحب الفراغ، ولكن ما يميز العمل هو قدرة الممثلين على تجسيم الشخصيات مع الالوان الجميلة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115