المشهد الثقافي بقبلي ينتظر تحقيق الوعود: تغيّر الوزراء وتعدّدت الوعود فمتى التنفيذ «؟

تعيش مدينة دوز من ولاية قبلي على وقع الدورة الحادية عشرة لمهرجان دوز للمسرح العربي، تظاهرة مسرحية افتتحت فعالياتها منذ يومين لتقدم لجمهور المنطقة مجموعة من العروض وحفل افتتاح حضره 600 متفرج لمواكبة عرس الفن الرابع بالجهة، مهرجان تشرف

عليه فرقة بلدية دوز ذات الصيت في المكان، فرقة صنعت اسمها ومجدها لتكون نبراس أمل في مدينة تعيش العطش الثقافي.

في دوز تم الاحتفاء بالمسرح في ظل غياب للفضاءات الثقافية التي تسهل انجاز تظاهرات كبرى فقبلي عموما تفتقر الى التظاهرات الكبرى لان مهرجان الصحراء الدولي اقتصر على الفلكلور ولاتزال قبلي تنادي بالتسريع في انجاز مركز الفنون الركحية الذي وعد به مهدي مبروك وتعطل الملف من 2013، ومازالت قبلي تريد حقها في الثقافة عملا بمقولة «القوة الحقيقية تكمن في الجهات، لذلك يجب أن نبني مع بعضنا البعض صرحا ثقافيا «تنويريا يرفع وطننا عاليا بعيدا عن الاختلافات السياسية».

«عشقة» الافتتاح ...جمهور متوفر وفضاءات تفتقر الى التجهيزات
افتتحت الدورة الحادية عشرة لمهرجان دوز العربي للمسرح يوم 17اكتوبر وتتواصل فعاليات التظاهرة الى غاية 22 أكتوبر، تظاهرة تضمن الفرجة لمحبي الفن الرابع بمدينة دوز والمدن المجاورة، وفي تصريح لـ«المغرب» أكد المخرج والممثل مكرم السنهوري ان «دوز تتنفس مسرحا، وللمسرح جمهوره في المدينة والدليل ان القاعة كانت جد مكتظة في العرض الافتتاحي الذي قدمه مركز الفنون الركحية والدرامية بمدنين».

وأشار محدثنا ان الافتتاح الرسمي كان مع العرض القياسي «عشقة» لمكرم السنهوري وفرقة بلدية دوز، «عشقة» قال السنهوري انها حديث عن المسرح بالجسد، حديث عن مشاكل المسرح ومعضلاته مع الاشارة الى أنه يبقى أب الفنون وأداة للخلق والتجديد، فالجمهور يتنفس مسرحا وللفن الرابع حضوره المميز في حياة المواطن في دوز وفي هذا السياق كانت «عشقة».

هو عرض افتتاح الدورة الحادية عشرة لمهرجان دوز العربي للفن الرابع.. «عشقناك ..يا أب الفنون كلها..يا مسرح ..احببناك اطفالا في كل اصقاع العالم..في حكايات سندريلا..في روايات السندباد..في خرافات علاء الدين..همنا بك شبابا..في حكايات اوديب ..هملت..روميو وجولييت..عشنا معك احلى اتعابك ..وألذّ تفاصيل لحظاتك..في صراع الموت مع الحياة..في تطاحن الحقد والحب..في تصادم الخير بالشر....جمالك ..سحر الطامعين فركبوا صهوتك ..من اجل ظهور لافت او كسب سريع ..لكنك لفضتهم جميعا..لانك تعشق من احبك ..وتسعد من اخلص اليك..وتظلّ شامخا عصيّا ..تزرع الخيروالامل في الأرض تنشر المحبة والجمال بين الناس.. تبثّ التسامح والابتسامة للجميع.. يحيا المسرح ...يحيا المسرح»...

مهرجان دوز للمسرح العربي يقدم لجمهوره مجموعة من العروض من تونس وليبيا والمغرب، عروض يحتضنها فضاء دار الثقافة محمد المرزوقي ودار المسرح ومركز التربصات ، عروض وانشطة في ظل غياب فضاءات ثقافية مجهزة و قادرة على استيعاب عدد كبير من الجمهور و تقديم عروض بتقنيات عالية، فدار الثقافة بدوز كغيرها من دور الثقافة من ولاية قبلي تعاني من نقص التجهيزات فهي تفتقر الى «السقف التقني» مثلا ، و الى الان لم تحتضن دار الثقافة بالجهة عروضا للمسرح الجديد
بسبب سوء التجهيزات.

وفي زيارته الاخيرة وعد وزير الشؤون الثقافية بتوفير تجهيزات تقنية للفضاءات الثقافية وقاعات دور ا لثقافة بولاية قبلي عموما و صرح وزير الثقافة انذاك أنه «لا بد أن نصارح أنفسنا بالحقيقة لكي لا نصبح شركاء في التواطئ مع مكامن الخلل، لذلك نعمل على مقاربة جديدة ونعمل على تكريسها بكل ما أوتينا من قوة، حتى تصبح الجهات مركز إشعاع، وقوّة مبادرة، وقوّة عمل».. ولكن وفي سياق الصراحة فقد سبق ان وعد مهدي مبروك اثناء توليه لمسؤولية وزارة الثقافة من 2011 الى 2014 بالتدخل لفائدة قاعات دور الثقافة بالجهة، و وعد الحبيب الصيد رئيس الحكومة السابق اثناء زيارته لمدينة قبلي ضمن اشغال المجلس الجهوي بتفعيل الوعد السابق، وها أن السنوات قد مرت وتغير الوزراء (3وزراء بعد مهدي مبروك ومحمد زين العابدين رابعهم)و الوعود لم تنفذ الى الان، و قبلي تحتاج التنفيذ لا الوعود.

«كابيلا» مدينة سياحية ثقافية تتطلب تغيير العقليات وتدخل السلط
السياحة والثقافة وجهان لعملة واحدة هي صورة تونس عند الآخر ويحظى الجنوب التونسي بصورة جد مميزة عند السائح عموما ، فسحر شمس الجنوب وطيبة سكان الصحراء وبساطة الحياة يقبل عليها السائح ولكن النمطية و الفلكلور و حدهما لا يدفعان بالعجلة الاقتصادية ولا يقدمان صورة حقيقية عن الحركة الثقافية والسياحية بالجهة.

قبلي لا تقتصر جغرافيتها على دوز، ودوز لا تكتفي بمهرجان الصحراء الدولي فقط وللإشارة فقبلي مدينة بالجنوب التونسي كانت تعرف بولاية نفزاوة ابان حكم البايات وماقبلهم.

كانت في المنطقة 4 مدن هي تلمين وبشري.ونفزاوة (رأس العين) ووطرة وفي العهدالروماني كانت بلدة تلمين تقوم بدور كبير في المنطقة ثم فتحها عقبة بن نافع سنة 47 هـ/670م وبنى بها جامعا. ثم بشري في العهد الأسلامي أما قبلي القديمة فقد أسست في القرن السادس عشر ميلادي مع بداية الوجود العثماني.

وفي قبلي العديد من المواقع الاثرية و الثقافية القادرة على تنشيط حركة السياحة الثقافية بالجهة خاصة قبلي القديمة اذ تحيط بها الواحة من جميع الجهات وتمتد على مساحة 333هكتار حين تدخل المدينة القديمة تعترضك لافتة قديمة كتب عليها «مدينة قبلي القديمة، تأسست على انقاض موقع بربري يعتقد أنها كانت تسمى KAPELLA».

وتوجد بالمدينة العديد من المعالم المعمارية اهمها الجامع القديم و البرطال و زاوية سيدي بدر والرحبة، وكذلك هناك سوق البياز وهي السوق القديمة للمدينة وتعود الى نهاية القرن التاسع عشر وقد حافظت على معمارها القديم بأبوابها الخشبية وسقفه المصنوع من القصب، وفي قبلي ايضا منتزه راس العين الرابط بين مدينتي قبلي ودوز، ويعتبر نقطة استقطاب سياحية و كذلك منتزه الفردوس ، ومن المعالم الموظفة سياحيا جامع البياز و مدرسة شارع الحبيب بورقيبة بطابعها الاوروبي، جميع هذه المعالم توظف اثناء فترة المهرجان الدولي للصحراء بدوز، ولكن فترة المهرجان وحدها لا تكفي للتعريف بالموروث الثقافي والتاريخي و تنشيط السياحة بالجهة.

مدينة قبلي القديمة، حين تدخلها تشعر بآثار من مروا من هناك، مدينة قبلي القديمة ببنائها القديم وحجارتها الناطقة بذكريات من سكنوا تلك البلاد، مدينة تكاد تندثر ان لم تتدخل الجهات المعنية لصيانتها مدينة تربعت وسط النخال حجارتها تعاند شمس الصباح كلما اشرقت للإعلان عن يوم جديد، قبلي القديمة مدينة تاريخية جد قديمة تعود الى فترة ما قبل الرومان سكنها الامازيغ اولا وكانت تسمى «كابيلا» مدينة حين تزورها تقابلك بعض القباب البيضاء واللون البني لون المدينة القديمة وفي جولتك بين اثارها فقط يشد انتباهك «فضاء الفنون والحرف» للعم المنصف الصديق فهو العاشق الوحيد للأرض الذي فضل البقاء في مدينة افرغها الاستعمار من سكانها في سبعينات القرن الماضي ببناء مدينة قبلي الجديدة.

في ولاية قبلي وبجولتك في قبلي القديمة و دوز و تلمين المدينة التي عرفت بوجود الماء اثناء الفترة الرومانية، مدينة كانت حصنا للدفاع عند الرومان في 146قبل الميلاد بها اقدم الكنائس التي بنيت في تلك الفترة، مدينة مر بها عقبة ابن نافع وبنى جامع عقبة قبل وصوله الى القيروان هي ايضا غنية بالتراث، تشاهد مناطق ومدنا يمكن ان تكون قبلة للسائح ان وظفت جيدا وقدمت فيها تظاهرات تقدم تراث الجهة بكل حرفية بعيدا عن التظاهرات النوفمبرية و الشعارات الرنانة وسياسة الوعود.

ومن مشاكل السياحة الثقافية بالجهة حسب تصريح الفنا ن مكرم السنهوري تقديم الموروث بطريقة فلكلورية غير متجددة، كذلك العقلية النوفمبرية في تنظيم المهرجان من ناحية البرمجة والادراة ، «حان الوقت لتغيير عقلية «جيب هذا وحط الآخر» بالنسبة للإدارة وحان الوقت ليكون لمهرجان دوز سهرات كبرى و يستقطب نجوما عالميين لتنشيط الحركة السياحية أكثر كفانا فلكلور السائح اليوم يريد التجديد ولدوز موروث كبير يمكن تقديمه للضيف» على حد تعبير محدثنا.

ولاية قبلي قبلة سياحية وثقافية، ولاية بجميع مدنها قادرة على أن تكون قطبا سياحيا ان توفرت ارادة سياسية حقيقية للتغيير لعلّ المدينة تكون موقعا اثريا وتاريخيا محميّا.

«لوقتاش» قبلي دون مركز للفنون الركحية والدرامية؟
«لوقتاش» هو الشعار الذي استُقبل به وزير الشؤون الثقافية في زيارته الاخيرة الى قبلي، «لوقتاش» قبلي دون مركز للفنون الركحية والدرامية، «لوقتاش» قبلي دون فضاءات ثقافية مجهزة بتقنيات محترمة، «لوقتاش» قبلي تعيش الفراغ الثقافي، فتقريبا الولاية تقتصر على مهرجان الدولي للصحراء بدوز في الربيع، ومهرجان المسرح العربي بدوز ايضا فأين بقية المدن من النشاط الثقافي، و«لوقتاش» وقبلي دون ثقافة خاصة بعد اضمحلال مهرجان المسر ح المحترف الذي لم ينجز منذ اربعة أعوام ومهرجان «وثائقيات دوز» اصبح ينجز في جربة.

«لوقتاش» هو الشعار الذي ردده كثيرا مثقفو الجهة عند استقبالهم لكل مسؤول يزور المدينة، و اكد مكرم السنهوري في تصريحه لـ«المغرب» ان مطلب مركز الفنون الركحية والدرامية بالجهة هو المطلب الاول والأساسي الآن لأنه وبانجاز مركز للفنون الدرامية سيكون واقع الثقافة ا فضل لأنه سيكون فضاء بتجهيزات محترمة فضاء يكون و اجهة الابداع وقبلة لكل مثقفي الجهة ، واشار السنهوري ان مركز الفنون الركحية مطلب كل مثقفي الولاية ومطلبهم الملح، خاصة وان المشروع معطل منذ 2013 بسبب البلدية وعدم توفير قطعة الارض، وقال السنهوري ان الوزير في زيارته الاخيرة وعد بالتسريع في انجاز المركز ربما بصياغة فضاء على وجه الكراء الى حين ايجاد حل لمشكل الأرض فمركز الفنون الركحية سيكون حتما فضاء لكل مبدعي الجهة فضاء لتحقيق بعض من عدالة ثقافية خاصة وان «الجهات لا تحظى بما تستحقه من دعم، ها نحن نفتح علاقة جديدة مع الجهات، ومن هنا فصاعدا لن نقول ثقافة جهة، بل سنقول ونعمل على ثقافة وطنية بالجهة» كما صرح محمد زين العابدين وزير الشؤون الثقافية.

قبلي تحتفي بالفنون وتقدم لضيوفها مادة فنية متنوعة، هي مدينة التاريخ والثقافة و الحكاية و الشعر، مدينة تزخر بالطاقات المسرحية والابداعية مدينة تعيش فقرا في الفضاءات الثقافية وتنتظر تحقيق وعود الوزراء المتعاقبين على وزارة الثقافة، مدينة ثقافتها تستحق تنفيذا للوعود لان سياسة التسويف «لا تنجز فنا» فالثقافة هي الحصن الحصين التي تثبتنا وتجمعنا، ولا سبيل لمراجع تفرّق بين المفردات الأساسية للحياة».

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115