ونعترف بها كما يقول احدهم «انا جسدي» ام اننا نعيش في دائرة «العيب و الحرام والأخلاقي؟» اسئلة عديدة طرحت عن علاقتنا بأجسادنا وعلاقة الاخرين بأجسادنا اسئلة عن ماهية الجسد والروح عن الجسد كمادة ومبحث، طرحها ممثلان اثنان في عرض مسرحية «لو» المنتجة في مختبر الفنون لمركز الفنون الركحية والدرامية بالقيروان.
باجساد متحررة وأصوات راغبة في تحطيم صمت الجدران الضيقة قدم مروان الشهيبي وصابرين السبوعي عرض “لو” في قاعة الريو، قرابة الساعة غاصوا في اغوار الجسد وتجلياته، مشاكله وعلاقتنا به ونظرتنا الى المرأة وجسدها وكيان الرجل ورجولته في علاقة بجسده.
من نظرة دونية للجسد انطلق العمل
ضوء خفيف ينطلق من اقصى الركح، يزداد ارتفاعه واشعاعه تدريجيا، صوت من خلف الستار يغني «الحمامة طارت» صوت قوي كما رنين الجبال، امرأة تنظر جهة الضوء وتغني لحبيب غائب او عاشق تاه وسط زحام الحياة ونسي نصف قلبه هناك.
فحوار ثنائي بين امراة ورجل، «لو» حكاية العديد من التونسيين، هي حكاية قصة حب تحطمت في منتصف الطريق، قصة امرأة ورجل تاها في زحام الواقع والأنت والهو والسياسة ونسيا ان لهما الحق ان يعشقا ويُعشقا، «لو» افتراض وجود حكاية اخرى، لو كان الواقع غير هذا؟ لو كانت الشخصية في مجتمع اخر ومنظومة فكرية اخرى؟ لو كان للجسد احكام اخرى؟ لو كان للمجتمع نظرة مخالفة؟ لو، و لو، الامتناع والشرطية، لو وجدت في مجتمع اخر لكان الواقع مغايرا.
من مختبر الفنون بمركز الفنون الركحية والدرامية انطلق العرض ، حوار ثنائي نبع من واقع يعايشانه ويعيشونه، علاقتك بالجسد، هي محور المسرحية ومنه التطرق الى العديد من المواضيع منها واقع المراة في المناطق الريفية و علاقة الاخرين بها انطلاقا من جسدها، وسؤال عن هل تحررت المرأة كليا؟ وهل جسدها وصمة عار؟.
في المسرحية ومن خلال حوار صابرين السبوعي ومروان الشهيبي يمكن القول انه يصعب أن نَتعرَّف الإنسان كجوهر مجرد من دون المرور عبر بوابة «الجسد»، «فالهوية الشخصية» مرتبطة «بالهوية الجسدية» التي تُشَكِّل الوجه «الإمبريقي» أو «الفيزيقي» للإنسان. طبعًا للجسد طرق خاصة للتعبير والتواصل، وهي لغة تمزج بين الإيحاء والمجاز، بل إن الجسد هو من يمنح الوجود الإنساني حضوره المادي، ليصبح بذلك هذا الوجود الإنساني وجودًا جسديًا، هكذا شاهدنا على الركح، فجسدها الجميل كان سبب انقطاعها عن الدراسة وهربها من العائلة.
.ساعة من الحديث عن الجسد والحرية والستر والشرف و العار والحلال والحرام، عادت بالمتفرج الى علاقة الانسان بالجسد انطلاقا من الفلسفة القديمة، اذ اعتبر «سقراط» أن الجسد متعفن وأن الروح طاهرة، بل إنها هي من تحفظ للجسد طهارته لكنه حالما يتعفن فهي تغادره بالموت إلى نبعها الطاهر، لهذا كان سقراط كثير الميل إلى التجرد من انفعالات الجسد وشهواته، وهو الذي عرف بإهماله لنفسه وانشغاله بالبحث في الموت والحياة فيما بعدها، وهو القائل «
الروح سيد يأمر، لأنها جوهر إلهي غير قابل للتحلل والفساد، والفساد عبد مطيع ومرصود للفناء».
موسيقى حزينة تقطع الاوصال، حركات عنيفة على الركح كمن يندب ندما، صوت خفي يتحدث عن الجسد وضرورة حفظه وصيانته، على الركح تنثر الممثلة ملابس داخلية نسائية كحركة احتجاجية ضد عنف معنوي سلط على جسد بدا يتفتح كزهرة لوز يريدون لفها عنوة لأنه عورة .
والحديث عن ضرورة تغطية الجسد لكونه عورة و ووحدها الروح طاهرة ليس حكرا على الفلسفة بل للدين نظرته ايضا للجسد وجاء في الكتاب المقدس انّ «اسْلُكُوا بِالرُّوحِ فَلاَ تُكَمِّلُوا شَهْوَةَ الْجَسَدِ. لأَنَّ الْجَسَدَ يَشْتَهِي ضِدَّ الرُّوحِ وَالرُّوحُ ضِدَّ الْجَسَدِ، وَهذَانِ يُقَاوِمُ أَحَدُهُمَا الآخَرَ، حَتَّى تَفْعَلُونَ مَا لاَ تُرِيدُونَ. وَلكِنْ إِذَا انْقَدْتُمْ بِالرُّوحِ فَلَسْتُمْ تَحْتَ النَّامُوسِ. وَأَعْمَالُ الْجَسَدِ ظَاهِرَةٌ»
فما مآل الفتاة التي يرون في جسدها عورة؟ ما مصير طفلة حالمة ذنبها ان جسدها جميل يثير الشهوة؟ وعقاب من خلقت جميلة وساحرة؟ هكذا تساءلت الممثلة بحركات عنيفة ودموع على المقلتين، سؤال ربما سكنها ويسكن العديد من الفتيات اللواتي يضطررن لقمع حرية اجسادهن بسبب نواميس المجتمع.
في «لو» لا يسلط الضوء على النظرة الدونية لجسد المراة بل لجسد الرجل ايضا، فالشخصية الرئيسية رجل تعرض لعملية اغتصاب في الثامنة من العمر، جريمة اربكت صغره وسرقت منه طفولته ورجولته فالمجتمع يقر بالرجولة عضويا ، جسد مغتصب فقلب كسير وخوف من قول الحقيقة، تلك حكاية البعض ممن يتعرضون للاغتصاب في الطفولة.
في لو مصارحة وتصالح مع الذات والجسد فليس وحده جسد المراة دونيا كذلك الرجل له هنات في جسده وشامات لا تنسى، من خلالها دعا الممثلان لمصالحة مع الجسد فلا يمكن فصل الروح عن جسدها.
جسدي لي، جسدي حريتي
«ثوري، احبك ان تثوري، ثوري على شرق السبايا، والتكايا، والبخور، ثوري على التاريخ وانتصري على الوهم الكبير، لا ترهبي احدا فان الشمس مقبرة النسور، ثوري على شرق يراك وليمة فوق السرير» هكذا قال نزار قباني للمراة و على الركح ثارت الشخصية المحورية، تحررت من خوفها من جسدها، واجهت نواميس المجتمع وعاداته عاندت عقلية رجعية بالية تراها عورة وجب طمسها تحررت وأرادت ان تحرر الرجل المنهك.
في «لو» نجد ان المرأة اكثر قوة من الرجل، اختارت الانحراف طريقها وهي تؤمن بما تفعله، ارادت طمس فكرة ان الجسد عورة وتصالحت مع جسدها لتثبت ان انسانيتها تتجاوز جسدا سيقبر يوما.وكأننا بها تحادث الفيلسوف نيتشه وتطبق ما قاله لانه اول الفلاسفة الذين فتحوا صفحة جديدة مع الجسد بغرض إعادة الاعتبار إليه، معتبرًا أنه هو الحياة نفسها بكل مظاهرها وتجلياتها، وهذا ما عبر عنه في كتابه هكذا تكلم زرادشت، فالفكر هو أسوء حلقة في الفكر البشري، وهو مع ذلك مستسلم للغريزة بل إنها (الغريزة) أقوى منه، فالوعي لم يعمل إلا على اقصاء الحياة والتغيير، وذلك بترسيخ دونية الغريزة:»
«لكم من مُعْرِضٍ عن الحياة لم ينفره منها سوى الوغد الزنيم، فعافها إذ لم يشأ أن يقاسم هذا الوغد ما عليها من ماء ولهب وأثمار... ولكم استثقلت الفكر نفسه عندما رأيت شيئًا من الفكر في رأس الوغد الزنيم» كما جاء في الحوار المتمدن في مقالة عن الجسد في فلسفة نيتشه.
ساعة من النقاش الثنائي، حوار بين امراة ورجل لكل منهما مصابه، لكل نظرته وحدهما كرههما لاجسادهما ، ونظرة دونية للجسد اولا، ساعة من الحديث عادوا الى الطفولة و لعب الصغار فمراهقة ثم شباب وكهولة، فترات عمرية ينمو فيها الفكر والجسد معا، ساعة من الحوار بعضها منطوق وبعضها قدم بطريقة كاريكاتورية صاكتة، ساعة اقنع فيها صبرين السبوعي ومروان الشهيبي جمهور قاعة الريو ودعوا للمصالحة مع الجسد وعدم تدنيسه واستنقاصه.