هنا تونس: علينا أن نؤمن بهذا...

هنالك من يحلم بثورة ثقافية، وكأن بعض الحالمين بها يعتقدون أن هذه «الثورة» المنشودة تسقط من الأعلى حتى تقلب الجهل رأسا على عقب، وربما يتناسون أن الزلزلة الوحيدة تبدأ داخلنا عندما نتحسس جهلنا ونعي به، ونبدأ رحلة الوعي بالجهل.. ثم محاربته.. محاربته من داخلنا

حتى نكون مرآة للآخر وللعالم.. يجب أن نؤمن بهذا..

أبدا لن نتغّير إلا بتحكيم آلهة حديثة، مع أنّها قديمة منذ الأزل، نعبدها ونقدّسها، إنها آلهة «الإدمان على الحرف»، هذا الإدمان لا مضار له، إلا على الجهل والتخلّف والتعصّب، وكل المفردات المؤذية التي تجعل البشر مجرّدا من ملكة العقل..يجب أن نؤمن بهذا..
بعض الدول الأوروبية مثلا اختارت آلهة جديدة منذ قرون، آلهة العقل والمعرفة، وقطعت الطريق أمام وحوش الجهل وغيلان التعصّب.. فبدأ ضياء العلم ينتشر رويدا رويدا داخل كل فرد عابد للآلهة الجديدة، وفي محيطه ووطنه، فتغّير العالم، تغيّرت «الأخلاق»، تغيّرت السلوكيات، أصبحوا يتطلعون خارج الأرض، ويمدون أبصارهم في الفضاء البعيد بعدما حرقوا بطلا عالما كان يقول أن «الأرض كروية الشكل»..

لا بدّ أن نؤمن جميعا بالسير في طريق العلم والمعرفة من خلال الإدمان على كل إنتاج ثقافي وفكري، ولا يتدّعم ذلك إلا بالنقاش لهذه الإنتاجات وتبادل الآراء حولها حتى نخرج شيئا فشيئا من صندوقنا الضيّق.. يجب أن نؤمن بهذا..
لا بدّ لكل مؤسسة ثقافية أن تقدّم منتوجا لروادها صغارا كانوا أو كبارا، كما أن إحياء النقاش والحث على التعلم والسؤال من شأنه أن يحرّرنا ويعتقنا من قيودنا المختلفة.. يجب أن ندرك أن كتابا واحدا يمكن أن يغيّر مصير إنسان، وأنّ حلقة نقاش واحدة يمكن أن تفتح أبوابا جديدة وتغلق أبوابا أخرى لا يأتي منها غير الخراب.. يجب أن نؤمن بهذا..

متى ندرك أنه لا حماية لنا إلا بالكتب والفن والفلسفة .. هذه أدوات الحضارة التي تحمينا من خوفنا وهلعنا وجوعنا وتعصّبنا الشديد...

إنه صراع قائم، يجب أن نحسمه داخلنا قبل أن نحلم بثورة ثقافية، صراع أن نحيا أو نموت لا أسف علينا.. نواجه الصراع كي لا نعيش مجرّد أرقام وآلات.. كي نعيش ونحن نتسلّق إلى الأعلى رويدا رويدا، حتى ننجو من المنحدر.. ننجو من القاع..

صراعنا سيبقى حلما إلى أن نتقاسمه مع مجموعة من الأفراد تتوسع شيئا فشيئا، كي يكون واقعا نعيشه، عندها سننسى دون شك المرارة والخيبات والعنف والدماء المهدورة بسبب التطرف والجهل.. وكما يتعلق صغيرك بطرف ثوبك حين يرغب في عبور الطريق يجب أن نتعلّق بأدوات الحضارة هذه.. علينا أن نؤمن بهذا... نعم حاجتنا ملحة اليوم لقوة قاهرة .. قوة لا مثيل لها سنستمدها يوما ما بالفن والرقص والشعر والأدب والفلسفة والعلوم...

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115