نحن الآن في فترة زمنية و تاريخية حاسمة تذهب بنا إلى حلول يقال أنها موجعة، فلنغير الإتجاه تماما ولنتعض بآخر ما صدر ونذهب إلى حلول الإستدامة والطاقات النظيفة ونعلن الكف عن النظام الإستهلاكي الكلاسيكي و نقاوم التغيرالمناخي والإحتباس الحراري ونحمي بيئتنا و مجتمعنا.
لقد صدرنداء من دولة الفاتكان بتاريخ جوان2015، قبيل آجتماعات «كوب21»، يعتبربمثابة ثورة جديدة. فقد اشتمل على تشخيص وتحاليل عميقة، واتخذ مواقف واضحة من الوضع الراهن على مستوى الكون في علاقته بالبيئة، والمجتمع والنظام الإقتصادي والسياسي العالمي. و أوضح العلاقة بين العدالة الإجتماعية و البيئة، ومدى التدهورالحاصل على الأرض من جراء نظام إستهلاكي بحت، لا يرى في التكنولوجيا سوى طريقة لسيطرة أكبر من قبل التيوكراطية. لم يأخذ هذا النداء نصيبه من الأهمية والدعاية والنشروالنقاش إعلاميا، لما يكتسيه من خطورة على النظام السائد...
لقد قام النداء بتشخيص التدهورالبيئي الحاصل في العالم ونادى كل السكان إلى الحوارحول ما سماه بالبيت المشترك، مذكرا بكل من سبق وأنذروا من المشاكل البيئية القادمة، ومنهم علماء البيئة والفلاسفة وغيرهم من الجماعات المدنية، مشددا على مسألة العلاقة بين العدالة الإجتماعية والمحافظة على البيئة.
كذلك نبه بالتحدي العاجل للحفاظ على البيت المشترك، والذي يتضمن قلقا لتوحيد جميع أفراد الأسرة في تحقيق التنمية المستدامة والتكامل، على مستوى العالم. و ما أحوجنا أن نفهم هذه المسألة على رقعتنا الجغرافية بتونس. يواصل النداء موصيا بالحوار حول كيفية بناء العالم مستقبلا. ويذكر العديد من العوائق القائمة ضد هذا الإتجاه بداية بانعدام الإهتمام إلى نفي المسألة برمتها كما الثقة العمياء بالحلول التقنية. ثم يأتي إلى انتقاد النموذج السائد وأشكال السلطة التي تنتج عن التكنولوجيا، وإلى ضرورة الذهاب لمفاهيم مختلفة للاقتصاد ولمفهوم التقدم، مشيرا إلى ضرورة الحوارات الصادقة والمسؤولية السياسة العالمية والمحلية، واقتراح أسلوب حياة جديد.
إن العالم في حالة تلوث تؤدي إلى مخاطركبيرة على الصحة وعلى الفقراء خاصة، حيث تولد سنويا مئات من أطنان الفضلات، وجلها من المواد السامة، ذات إشعاعات وغير قابلة للتحلل، الشيىء الذي يجعل من الأرض شبه قمامة كبيرة، وهذا مرتبط كليا بثقافة «الكب» التي نعيشها. لذا فمن الضروري أن نتعلم الحفاظ على الموارد للأجيال الحالية والقادمة سويا، وأن نتجنب قدرالإمكان استعمال الموارد غيرالمتجددة.
و قد ذكر النص، بالإجماع العلمي الحاصل حول خطورة الإحتباس الحراري للمناخ الناتج أساسا عن الإنسان وأسوأ ما فيه، وهو نموذج التنمية المتبع والمرتكزعلى استخدام مكثف للطاقات الأحفورية. ويلاحظ أن معظم الفقراء يعيشون في مناطق تتأثر بظواهرالتغير المناخي والإحتباس الحراري، الشيء الذي تنجرعنه هجرة العديد من الهاربين من الفقرالناتج عن تدهورالبيئة.
لذا على البشرية الإعتراف بضرورة تغييرنمط حياتها، وإنتاجها واستهلاكها وتعزيز سياسات أكثر نجاعة في حل هذه المشاكل القائمة. زد عليها مسألة الماء التي هي من المسائل الحيوية للبشر والنظام البيئي في البحاروعلى الأرض، وهذه المسألة شديدة الخطورة على الفقراء،إذ تتسبب في الأموات وانتشارالأمراض. و يعد الحصول على الماء، من الحقوق الأساسية و العالمية لللإنسان. كما أن خسارة التنوع البيولوجي بانقراض العديد من أنواع الحيوان والنبات جراء الإنسان يغيرالنظام البيئي.
كل هذه المساويء منجرة عن الإنسان الذي و إن طور التكنولوجيا لتوفير أسباب الراحة، فهومن ناحية أخرى استعمل التقنيات ليوسع نفوذه وسلطاته وهيمنته من خلال الترسانات والأسلحة والعتاد....لذا يرى الفاتكان أن التطور التكنولوجي يجب أن يترافق مع تطورالمسؤولية البشرية، والقيم والوعي، وأن الوضعية تستدعي أخلاقيات صلبة و ثقافة وروحانية قادرتين على وضع حدود وتعليم زهد واضح. كما أن خلق فرص العمل هو من الخدمات الضرورية للمصلحة العامة. وأن البيئة الشاملة هي البيئة ذات البعد الإجتماعي والإنساني، ومنها علم البيئة البيئي والإقتصادي والإجتماعي، مع دعوة لإعتماد العدالة بين الأجيال. وهذا يدلي بوجود أزمة إجتماعية-بيئية و يدعو للإستعانة بالعلماء والضرورة لبيئة إقتصادية: بمامعناه أن البيئة الشاملة أو المتكاملة، ستربط المشاكل الإجتماعية –الإقتصادية بالمشاكل البيئية.فإيقاع الإستهلاك والتبذير والتدهورالحاصل في البيئة قد تجاوز حدوده، و هذا يجرنا إلى كوارث كبيرة.
لذا فإن التضامن بين الأجيال ليس بخيارولكنه مسألة عدالة أساسية وأن المطروح إجمالا هو الحوارالمتنوع حول البيئة: حوارفي السياسة الدولية، في السياسة الوطنية والمحلية، في الشفافية وفي عملية صنع القرار، في السياسة والإقتصاد في حوار من أجل تلبية حاجات البشرو أخيرا يدعو إلى حوارالأديان مع العلوم.
ما أحوجنا إلى هكذا نوع من التدقيق والإمعان والتفكيروالإنكباب على وضعنا تونس بلد صغيروربما يمثل صغره سببا مهما حتى تكون الحلول بأيدينا وبأدمغتنا الأنجع والأسرع لوعزمنا فعلا على هذه التحديات بتفان وجدية وقررنا اجتثاث أمراضنا وعاهاتنا مفكرين في أجيالنا الحالية و القادمة و لسوف يذكرالتاريخ و كما نكون يولى علينا.
بقلم جودة بوعتور: مدرسة جامعية باحثة ونائبة رئاسة جمعية أوزيريس العلمية