حيث اثبتت اغلب التجارب العلمية وكل البحوث الطبية والبيولوجية التي اجريت على مدار السنين ان التنوع البيولوجي اصبح من بين اهم المحركات الاساسية للتنمية والمنقذ الابرز من تأثيرات اﻟﺼﺪﻣﺎت والكوارث البيئية والصحية ﻏﻴﺮ اﻟﻤﺘﻮﻗﻌﺔ مثل الكوفيد 19 الذي كان درسا لقنته الطبيعة للإنسان.
ماهو التنوع البيولوجي وكيف يلعب الدور الداعم للصحة والاقتصاد في زمن الكورونا وكيف يمكن ان تكون الطبيعة ملاذا الباحثين عن التوازن النفسي والاقتصادي ؟؟
تؤدي الطبيعة دوراً مهما في تنظيم المناخ وتوفير التلقيح ومكافحة الآفات والتخفيف من الأخطار الطبيعية، حيث توفر الغذاء والماء والهواء والأعلاف والطاقة والأدوية والثقافة والفنون و يعتمد أكثر من 2 مليار شخص في العالم على الوقود الخشبي لتلبية احتياجاتهم من التدفئة والطاقة الأولية في حين تشير التقديرات إلى أن 4 مليار شخص يعتمدون بصفة رئيسية على الأدوية الطبيعية لحماية صحتهم كما أن نحو 70% من العقاقير المستخدمة لعلاج السرطان هي منتجات متأتية من مواد نباتية أو حيوانية.
الوعي البيئي
حينما تنعدم الحلول العملية وتعجز كل البحوث العلمية والمحاولات الانسانية عن مواجهة اي خطر او كارثة ما يأتي دور الطبيعة في خلق التوازن ، فعندما اغلقت جميع المعابر والابواب وعندما بقي العالم حبيس المنازل الموصدة خلال فترات الحجر الصحي توقيا من تداعيات انتشار فيروس الكوفيد 19 واجبر الجميع على ملازمة البيوت هرب اغلب من توفرت لهم الفرص الى الاماكن البعيدة حيث الطبيعة الرفيق الأول والصد المنيع ضد كل خطر قادم. وحتى من اجبروا على البقاء في منازلهم استفاق لديهم ما يسمى بالوعي البيئي حيث اهتموا بغراساتهم الصغيرة والنباتات والازهار التي رافقتهم على امتداد فترة الحجر كما خصصوا كل وقتهم لتنويع غذائهم بالاعتماد على منتوجات طبيعة خالية من المكملات الكيميائية بناء على ما توصلت اليه البحوث الببيولويجة والصحية حول العناية بالجسم والصحة السليمة.
الحلول الطبيعية
يعتمد أكثر من نصف الناتج المحلي الإجمالي العالمي أي ما يعادل 44 تريليون دولار أمريكي بشكل كبير على الطبيعة، كما يعتمد أكثر من 70 % من الفقراء في العالم على الموارد الطبيعية لكسب قوتهم اليومي، دون اعتبار الطبقات الاخرى ممن يمتهنون الزراعة والصيد البحري أو الغابات و الأنشطة الأخرى القائمة على الطبيعة كمورد رزق اساسي يتوارثونه عبر الأجيال، وكلما تقدمت البحوث وكلما ارتفع منسوب الزاد العلمي لدي الاجيال كلما ترسخت قناعة بان الحلول الطبيعية هي الانسب في مواجهة المصاعب الحياتية على اختلاف انواعها ولعل الكوفيد 19 كان الاختبار الاكثر حسما في التأكيد على دور الطبيعة في مجابهة الاثار الصحية والنفسية وحتى الاقتصادية على العائلات، اذ كلما كان التنوع البيولوجي متوازنا ومرتفعا كميا وكيفيا كلما كان معدل الإصابة بالأمراض الحيوانية مثل كوفيد 19 أقل.
وفي الحقيقة ما زال يعتقد البعض أن مفهوم التنوع البيولوجي هو عدد الأنواع من النباتات والحيوانات والكائنات الدقيقة الموجودة البرية والبحرية الا أن التنوع البيولوجي يضم أيضاً الإختلافات الجينية وأيضا النظم الإيكولوجية التي تأوي هذه الأنواع من جبال وغابات وبحر وصحارى ومناطق رطبة وقد بينت اخر الدراسات البيئية ان التنوع البيولوجي بدا ينخفض بشكل أسرع من أي وقت في تاريخ البشرية، بسبب عدة عوامل من بينها إزالة الأشجار في الغابات والمناطق الخضراء ، وملاحقة الحيوانات المهددة بالانقراض وبيع جلودها لدور الازياء والموضة العالمية ، مما يزيد من خطر انتقال الأمراض من الحيوانات إلى البشر.
الإعتداءات المتكررة
رغم المزايا المتعددة للتنوع البيولوجي وما يقدمه من حلول وبدائل للخروج من اصعب الازمات ومواجهة اشرس الاوبئة المدمرة للانسان على غرار الكوفيد 19 فان هذا العنصر يواجه خطرا جسيما تترجمه الإعتداءات المتكررة والممارسات غير المسؤولة التي زادت وتيرتها في ظل هذه الظروف الصحية الإستثنائية. وقد عانت الحياة البرية في تونس من الآثار المدمرة بسبب التلوث والتوسع السكاني واستخدام الأراضي الفوضوي والتلوث زادت في حدتها الآثار المناخية، وهو ما يتطلب مجهودات مضاعفة قد تستنزف مجهودات الدولة التي من باب اولى وأحرى ان توجه الى استثمارات بيئية تعود بالنفع على المجموعة الوطنية وبدل من ان تنطلق الحكومة في التخطيط للمستقبل البيئي وجدت نفسها مجبرة على البحث عن حلول ترقيعية لمواجهة ما احدثه المتساكنون من كوارث بيئية بسبب غياب الوعي لديهم.
ولئن تاخر الوقت وتشتت المجهودات الوطنية والفردية بين الازمة الاقتصادية الراهنة والصراعات السياسية وبين وباء الكوفيد 19 الذي سمي الاخطر والاكثر فتكا بالبشر على الاطلاق فان الوقت مازال ملائما والفرص مازالت قائمة لانقاذ العالم وحماية الإنسان وصحته، باستعادة الوعي البيئي والتصالح مع الطبيعة واعتماد الحلول " الخضراء " في مجابهة التهديدات والإعتداءات التي يتسبب فيها الاستهتار البشري.