واحدة من المنظومات البيئية التي دفعت كلفة باهضة لتنمية صناعية استهدفت التشغيل وتوفير فرص للعمل، ولتنشيط الدورة الاقتصادية والتنموية واستدرار عائدات من العملة الصعبة، بصرف النظر عن قابلية المحيط البيئي والموارد الطبيعية المحدودة للديمومة.
ولئن تقدم برنامج إزالة التلوث في مناطق أخرى مثل خليج قابس، وتبرورة، وحتى السياب التي تم تفعيل غلقها، فإن بحيرة بنزرت، عرفت منذ خمس سنوات تقريبا انطلاقة عملية لبرنامج مصالحة مع البيئة، واستصلاح المحيط بشتى مناطق البحيرة لتجاوز مصادر التلوث وانعكاساته.
فقد تم بالفعل الإعلان عن الإنطلاق الرسمي للبرنامج المندمج لإزالة التلوث بمنطقة بحيرة بنزرت بتاريخ 01 نوفمبر 2016 بحضور عديد الشخصيات الوطنية والدولية على رأسها رئيس الحكومة السيد يوسف الشاهد والممثلةالسامية لسياسة الأمن والشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي وممثلي الممولين وقد تلا هذا التاريخ سعي من كل هذه الجهات المتدخلة للتسريع في نسق حل الإشكاليات التعاقدية للبرنامج بين الطرف التونسي والممولين.
و اعتبارا لتعدد الأطراف المتدخلة في البرنامج وخاصة الممولين حيث أن التركيبة التمويلية للبرنامج تضم البنك الأوروبي للاستثمار بقرض بمبلغ 40 مليون أورو والبنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية بقرض مباشر للديوان الوطني للتطهير بمبلغ 20 مليون أورو وهبة من الإتحاد الأوروبي بما قدره 15 مليون أورو، اعتبارا لذلك فقد تعددت العقود التمويلية التي تم إمضاؤها وكان آخرها في جانفي 2018 مما مكن من تركيز وحدة التصرف حسب الأهداف المكلفة بمتابعة إنجاز البرنامج بمقرها ببنزرت وخاصة إمضاء عقد إنتداب فريق المساعدة الفنية التي تقوم بالمصادقة على مختلف ملفات طلبات العروض في إطار البرنامج.
تصميم البرنامج يتضمن أربع مكونات إستثمارية
وقد يتساءل المرء عن النتائج الملوسة للبرنامج بعد مرور سنوات على انطلاقه، وتجدر الإشارة إلى أن تصميم البرنامج يتضمن أربع مكونات إستثمارية وهي إزالة التلوث الصناعي والتطهير والتصرف في النفايات وكذلك تحسين البنية التحتية الساحلية حول البحيرة. كما يتضمن البرنامج مكونات أخرى للدعم المؤسساتي أي ما يقارب 30 مشروعا.
ويشير مختصون إلى أن إنجاز مختلف هذه المكونات يتطلب احترام مراحل إبرام الصفقات العمومية سواء منها الوطنية أو كذلك الخاصة بالممول (حسب طبيعة المشروع) وإنجاز الدراسات إلى حين الوصول إلى مرحلة الإنجاز الفعلي على الميدان وهو ما يفترض أن تكون سنتا 2018 و2019 سنتان يتم خلالها إبرام صفقات الدراسات التنفيذية بأنواعها ونذكر خاصة الدراسات التفصيلية لتهيئة ميناء الصيد البحري بمنزل عبد الرحمان حيث تم إسناد الصفقة إلى مكتب دراسات و انطلق في المرحلة الأولى من إنجاز الدراسة وذلك منذ أفريل 2019.
وبالنسبة لدراسة تهيئة فسحة شاطئية بنفس الميناء تشير المعطيات إلى أنه من المتوقع أن يتم الإعلان عن طلب العروض لإنجاز الدراسة المعنية خلال الشهر الحالي.
إسناد صفقتي دراسة تأهيل محطات التطهير بكل من بنزرت ومنزل عبد الرحمان وماطر
أما بالنسبة للتطهير فقد تم إسناد صفقتي دراسة تأهيل محطات التطهير بكل من بنزرت ومنزل عبد الرحمان وماطر وكذلك الدراسة الخاصة بتوسعة وتأهيل شبكة التطهير بما يقارب 300 كلم إلى مجمعي مكاتب دراسات وقد انطلقت في عملهما منذ شهر أوت 2019.
كما تم نشر طلب عروض لإنجاز أشغال مستعجلة في مجال التطهير للتدخل على ما يقارب 15 كلم من الشبكة والتي تم اعتبارها ذات أولوية على أن تنطلق الأشغال خلال شهر أفريل 2020.
وفي ما يخص إزالة التلوث الصناعي ووفقا لمعطيات وحدة التصرف في البرنامج فإنه يتم استغلال البرنامج عن طريق قرض البنك الأوروبي للإستثمار وتستفيد منها الثلاث شركات الوطنية المستقرة ببنزرت وهي شركة إسمنت بنزرت والشركة التونسية لصناعات التكرير وكذلك شركة الفولاذ ، ولئن تم إنجاز المكونة الخاصة بالشركة الأولى (إسمنت بنزرت) منذ سنة 2017 وتعهدت بالقيام دوريا بأشغال الصيانة لإزالة الإفرازات الغازية، فإن الشركتين الأخيرتين تمران بالمراحل التي تمت الإشارة إليها لإبرام الصفقات و تستعدان للإعلان عن طلبات العروض الخاصة بها تباعا خلال هذه السنة.
وتجدر الإشارة إلى أن وحدة التصرف لم تستثن القطاع الخاص الصناعي حول البحيرة من السعي لإزالة التلوث رغم أنه لا يستفيد بتمويلات مباشرة في إطار البرنامج، بل سعت إلى إدماجه في هذه الديناميكية وقامت بعرض المساعدة الفنية وكذلك اقتراح سبل للتمويل لضمان تأهيله بيئيا وكذلك للمحافظة على استدامة نتائج البرنامج من خلال دعم الحوكمة البيئية في المنطقة.
إعادة الإعلان عن طلب العروض لتأهيل واستصلاح المصب القديم بمنزل بورقيبة
وعلى صعيد للتصرف في النفايات تمت إعادة الإعلان مؤخرا عن طلب العروض لتأهيل واستصلاح المصب القديم بمنزل بورقيبة للمرة الثانية وذلك بسبب عزوف الشركات عن المشاركة.
أما بالنسبة لمشاريع الدعم المؤسساتي فقد خصص مبلغ حوالي 1.1مليون أورو ضمن الهبة المقدمة من الإتحاد الأوروبي لتمويل مشاريع يتم اقتراحها من قبل المجتمع المدني في إطار ثلاثة صناديق وهي صندوق الاستدامة وصندوق التربية والتوعية البيئية وكذلك صندوق البحث العلمي،
وتلقت الوحدة أكثر من 30 مقترحا في إطار الصندوقين الأولين وهي بصدد التقييم الفني في حين ينتظر أن يتم الإعلان عن طلبات الرغبة في المشاركة بالنسبة إلى صندوق البحث العلمي في موفى هذا الشهر.
وبالنظر إلى أهمية متابعة الوضع البيئي بالبحيرة فقد تم تخصيص إعتمادات هامة حولي 800 ألف أورو لإنجاز برنامج متابعة شاملة للوضع البيئي بالبحيرة سيتم إنجازه عن طريق انتداب مكتب دراسات عبر طلب عروض دولي سيتم نشره من قبل الوكالة الوطنية لحماية المحيط خلال شهر أكتوبر 2019.
بالإضافة إلى ذلك تقوم الوحدة حاليا بالتنسيق مع مختلف الأطراف المتدخلة في البرنامج بإعداد مخططات عمل لرؤية موحدة حول تنمية مستدامة لمنطقة بحيرة بنزرت حيث أطلقت في الأسبوع المنقضي يوم 03 أكتوبر سلسلة ورشات عمل تنسيقية قصد تبني تمشي التصرف المندمج في المناطق الساحلية طبقا لبروتوكول GIZC ضمن اتفاقية برشلونة.
ومن المنتظر عرض هذه المخططات على أنظار لجنة قيادة البرنامج المقرر عقد اجتماعها في الرابع موفي شهر أكتوبر الجاري.
برنامج تطهير بحيرة بنزرت تقدر كلفته بحوالي 80 مليون أورو
لكل ذلك، يعد برنامج تطهير بحيرة بنزرت واحدا من المشاريع الوطنية البيئية الضخمة إذ تقدر الكلفة الجملية للبرنامج بحوالي 80 مليون أورو دون اعتبار الأداءات.
ويشمل البرنامج 17 مشروعا موزعة على أربعة مجالات وهي التطهير وإزالة التلوث الصناعي والبنية التحتية الساحلية والتصرف في النفايات الصلبة.
كما يشمل البرنامج 13 مشروعا/ نشاطا في إطار الدعم الفني منها صناديق لتمويل مشاريع لفائدة المجتمع المدني (بلديات وجمعيات ومنظمات ومؤسسات وغيرها) وتخضع هذه الصناديق إلى إجراءات منافسة لتقديم طلبات تمويل مشاريع طبقا لإجراءات الممول.
ويكتسي مكون التطهير أهمية كبرى في إطار البرنامج باعتبار حجم التمويل المخصص له (حوالي 40 % من كلفة البرنامج) وعلاقته المباشرة بتحسين نوعية الحياة بالجهة، خاصة وأنه يشمل التدخل بجل البلديات المتواجدة بالولاية ما عدى أوتيك وجومين وسجنان وغزالة لعدم تواجدها في منطقة تدخل البرنامج.
وهو الحال لمكون إزالة التلوث الصناعي بالشركات الوطنية بالجهة (الفولاذ والشركة التونسية لصناعات التكرير وشركة إسمنت بنزرت) الذي يحوز 33 % من كلفة البرنامج.
وللتذكير فقد تم الانطلاق الفعلي في إنجاز البرنامج خلال شهر جانفي 2018 بعد إمضاء آخر عقد تمويل خاص بالبرنامج وعقد المساعدة الفنية.
يعدّ المشروع فعلا نقطة مضيئة، من حيث مجابهته بقعة سوداء من مخلفات التنمية غير المستدامة للعقود السابقة، واعدت باعتماد مقاربة تشاركية تكرسها لجنة قيادة نشيطة تقودها واحدة من سيدات البيئة وخبراء وزارة الشؤون المحلية والبيئة وكفاءاتها النسوية بإحاطة وتأطير من الإدارات المعنية والفاعلين جهويا ووطنيا.
وسيكون نموذج البرنامج فعلا مثال للحوكمة المحلية، وللعمل المنهجي في اتجاه إرساء منظومة فعل بيئي تشاركي بين السلط وهيئات البحث والمجتمع المدني والتناغم بين المستويات المحلية والجهوية والمركزية فضلا عن الاسناد الدولي.