وأشكال تصعيد، فضلا عن طرح اسئلة حول فرضيات العجز والشح المائي، وسيناريوهات التحرك لبلوغ مستوى الاكتفاء الذاتي والأمان المائي.
وبينت الأحداث المتواترة، التي رأي البعض أنها مفتعلة، مدى البعد عن حلم «التوجه الإستراتيجي لإدارة الموارد المائية في تونس»، وإمكانية توظيف تقنيات المياه الذكية من خلال التصرف في الموارد المائية باستعمال أجهزة رقمية حديثة متصلة بالأقمار الصناعية لتسجيل الوضع الحيني لهذه الثروة في تونس.
فقد طرح الخبراء قبل سنة تقريبا بالمعهد التونسي للدراسات الاستراتيجية الذي انطلق، في فيفري 2018، في إعداد دراسة حول اشكالية المياه في تونس والحلول المتاحة لهاإمكانية تجهيز كل من السدود وقنوات التوزيع والري وعدادات المنازل بهذه الأجهزة وتجميع المعطيات وبالتالي رصد كل الإخلالات والتدخل السريع لحل أي إشكال يتعلق بالضغط أو سرقة مياه الري أو ضياع المياه في القنوات...
وتهدف هذه الدراسة، التي يشرف عليها اربعة باحثين، إلى تشخيص الوضع الحالي للثروات المائية في تونس وتحديد أبرز الإشكاليات واستخلاص حلول لاستغلال هذه الموارد بشكل أفضل لتقديمها في مرحلة لاحقة الى رئاسة الحكومة.
وسيتم في اطار الدراسة ذاتها الاتصال بمراكز بحوث استراتيجية في العالم (المغرب وفرنسا والهند وإيران... ) ليقع في مرحلة موالية، اي مع تقدم الدراسة، توسيع قاعدة البحوث وإدماج الأكادميين الشبان لتبادل الخبرات وعقد شراكات مع مراكز البحوث في مجال المياه في تونس على غرار المعهد العالي لتقنيات المياه في قابس.
وللإشارة فقد تزايد الضغط وارتفاع حجم الطلب الجملي على المياه ليمر من 1870 مليون متر مكعب سنة 1990 إلى 2700 مليون متر مكعب في 2016 ويتوقع أن يصل إلى 2770 مليون متر مكعب سنة 2030.
وأكد باحث تونسي أن نقص الموارد المائية السطحية، التي تتبخر بفعل ارتفاع درجات الحرارة، وزيادة نسبة ملوحة المياه (في السدود والبحيرات الجبلية... )، هي من أهم الإشكاليات التّي تواجهها البلاد.
وأبرز، كذلك، أنّ ارتفاع نسبة الملوحة في أغلبية الموارد المائية الجوفية في تونس، التي يناهز مجملها 1ر2 مليار متر مكعب، تعتبر كذلك عائقا لا سيما أن معظمها لا يتجدد في الجنوب بسبب عمقها والطبيعة الجيولوجية الخاصة بالجهة.
واقترح إيجاد حلول بديلة للموارد المائية التقليدية من خلال تحلية مياه البحر، التي تتجاوز نسبة ملوحتها 37 غرام في اللتر وتحلية المياه الباطنية (15 غرام من الملح في اللتر).
وشدد الباحث في علوم الجيولوجيا، علاء الدين عياري، ، على ضرورة الإلتزام ببرنامج وطني لتطوير تكنولوجيات المياه في إطار استراتيجية وطنية، وذلك من خلال التوجه نحو استخدام المصادر البديلة على غرار اعادة استعمال المياه المعالجة نظرا لوفرتها وسهولة الوصول إليها.
ولفت عياري إلى أن سيلان الأنهار الكبرى في تونس (مجردة وملاق..)، النابعة من خارج حدود البلاد، أصبح مهددا مع تواصل بناء السدود بنفس النسق في الجزائر وبالتالي أضحى الإكتفاء الذاتي من المياه السطحية بدوره مهددا.
وتعتبر المعضلة المائية قائمة على مستوى دولي ، مع تواتر احتمالات النزاعات والحروب حول ندرة المياه.
فقد جاء في بحث علمي ، تقييم لحالة الأدبيات العلمية حول ندرة المياه في جميع المناطق الرئيسية في العالم، أعده خبير إدارة المياه الأمريكي روجر باتريك، وخلص التقييم إلى أن حالة نقص المياه المحلية تُنتج الآن آثارًا عالمية، ومن أمثلة هذه العولمة هي حالة عدم الاستقرار السياسي في منطقة الشرق الأوسط، التي تهدد بالتفشي نحو بلدان أخرى، نتيجة لزيادة الترابط العالمي في ندرة المياه على المستويات المحلية والإقليمية.
قبل سنوات أشار تقرير للمخابرات الأمريكية قائم على تقصي سري قامت به وكالة الاستخبارات القومية حول الأمن المائي، بتكليف من وزيرة الخارجية الأمريكية حينها هيلاري كلينتون، أنه بعد عام 2022، ستعمل عوامل الجفاف والفيضانات ونفاد المياه العذبة على زيادة احتمال استخدام المياه كسلاح للضغط أو لإثارة الحرب أو كأداة للإرهاب.
تُعرِّف الأمم المتحدة المنطقة على أنها مُجهَدة مائيًاكانت كمية المياه العذبة المتجددة المتاحة للفرد سنويًا أقل من 1700 متر مكعب، أما إذا كانت هذه الكمية أدنى من 1000 متر مكعب تُعرّف المنطقة على أنها تعاني من ندرة في المياه وفي حال انخفضت الكمية إلى 500 متر مكعب فتوصف بأنها تعاني من ندرة مطلقة في المياه
ووفقًا لدراسةعلمية ، فإن البلدان التي تعاني بالفعل من الإجهاد المائي - أو الحالات الأسوأ - تشمل مصر والأردن وتركيا والعراق والأراضي المحتلة وسوريا واليمن والهند والصين وأجزاء من الولايات المتحدة، ومن الملاحظ أن الكثير من - وليس جميع - هذه البلدان تعاني من صراعات طويلة الأمد أو من اضطرابات أهلية.
ويشير باتريك إلى أن مثل هذه الاضطرابات الأهلية قد تكون مؤشرًا على استمرار الاضطرابات والنزاعات المستقبلية في مصر، كما يسلط البحث الضوء على خطر نشوب حرب بين مصر وإثيوبيا بداعي سد النهضة الإثيوبي الكبير، الذي يهدد بتقييد وصول مصر إلى مياه نهر النيل، وهو النهر الذي يرفدها بـ 98% من إمدادات المياه، وأن ازدياد عدد سكان مصر بحلول عام 2050 ليصل إلى 150 مليون نسمة - حسب التوقعات - سيعمل على تفاقم التوتر بين إثيوبيا ومصر حول الوصول إلى نهر النيل، وخاصة أن سد إثيوبيا من شأنه أن يقلل من قدرة محطة توليد الطاقة الكهرومائية في أسوان بنسبة 40%.
إن السمة الموحدة لبلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، هي أن جميعها يرزح تحت وطأة الجفاف.
بحلول عام 2035، من المتوقع أن يزداد الاستهلاك العالمي للمياه بنسبة 85 %، وهذا النمو لن ينجم عن التوسع الزراعي فحسب، وإنما أيضًا جرّاء زيادة الطلب على الطاقة، كون الوقود الحيوي يعتمد بشكل مكثف على المياه، كما أن عملية التكسير الهيدروليكي لاستخراج النفط والغاز تستخدم أيضًا كميات كبيرة من المياه، والحاجة إلى المياه تقيّد بالفعل إنتاج الطاقة بهذه الطرق في أماكن مثل أستراليا وبلغاريا وكندا وفرنسا والولايات المتحدة، بالإضافة إلى أماكن معينة من الصين والهند والولايات المتحدة وكندا والعراق التي تعاني من شح المياه، وهذا الواقع يهدد بتقويض جهود توليد الطاقة على المدى الطويل، كما أنه يطرح الكثير من التساؤلات حول قدرة العالم المتقدم على تجنب عدم الاستقرار الناجم عن الشح المائي الذي تعاني منه حاليًا مساحات شاسعة من الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
كما خلصت دراسة علمية أخرى تم نشرها هذا الشهر في مجلة العلوم البيئية أجرتها الجمعية الملكية للكيمياء، أنه نظرًا لاعتمادنا على الوقود الأحفوري ومصادر الطاقة النووية اللذين يتطلبان كميات كبيرة من المياه، فإن أزمة المياه العالمية سوف تستمر بالازدياد نتيجة لإطراد النمو السكاني وارتفاع الطلب، والمفارقة تكمن بأن التوسع في استخدام مصادر الطاقة التقليدية، سيؤدي إلى تصعيد الطلب على المياه؛ مما سيؤدي إلى نتيجة عكسية تتمثل في انخفاض آفاق توليد الطاقة الكهربائية المستقرة، ويطرح البحث بعض الطرق الفعّالة لمواجهة هذا التحدي، تتمثل في التحول إلى استخدام طاقة الرياح والطاقة الشمسية والطاقة الحرارية الجوفية.
جل الخبراء يشيرون لمخاطر ندرة المياه وصيغ استغلاله وتوزيعه على الأمن في العالم خلال السنوات القريبة..
هل نحكم إدارة الأزمة وقد أطلت براسها عندنا في تونس؟
التحدي كبير والرهان مضاعف..وأولوية التحرك ملحة ومتأكدة.