المجتمع مع نظم ومبادىء وضوابط تؤمن حدا من الاستقرار، والتحرك المتدرج نحو المستويات المحددة للمشروع المجتمعي.
وفي بلادنا، وقد طرحت المظاهر السلبية للانفلات البيئي وفوضى الفضلات واستباحة الغابات والمحميات والملك العمومي وغيرها، أسئلة مهمة من بينها مدى إلزامية الترسانة التشريعية البيئية التي تزخر بها بلادنا، والآليات التطبيقية المرتبطة بها.
وطرح في هذا السياق استحضار مشروع مهم انطلق ولم يتم، وكان يفترض أن يشكل دعامة متقدمة لتنزيل القوانين البيئية المتناثرة، والتعريف بها، والضغط الجمعي المادي والمعنوي لضمان احترامها من الجميع.
ولعل من الآليات والأطر التشريعية الهامة التي تأجل استكمالها، والتي مثلت مطلبا ملحا لضمان قابلية احترام المبادىء والنصوص المتناثرة، على غرار مجلة المياه ومجلة الغابات ومجلة الطرقات ، وكان يتوقع صدورها بما يعزز الإطار التشريعي التونسي في المستقبل بمجلة للبيئة...
وينتظر أن يمثل هذا المشروع في حال تنفيذه وإصداره، إضافة هامة وأداة من شأنها تيسير الإطلاع على النص القانوني البيئي ، وتبسيط إجراءات التعامل معه ، كما سيمثل وثيقة جامعة لمختلف التشريعات البيئية التي يجري العمل على تجميعها وتوحيدها بصيغة مدروسة منهجيا تتناسب مع حاجيات المجتمع وما عرفه من تطورات ، مع الإستئناس بالتجارب الدولية المماثلة.
وقد عرفت مراحل صياغة المجلة في بدايتها، جلسات ضمت خبراء وجامعيين ومختصين من عديد المجالات، في الشؤون القانونية والبيئة وإطارات المؤسسات والهياكل المعنية ، ضمن لجنة قيادة المشروع ، وهي لجنة متعددة الإختصاصات تضم خبراء ومختصين في مجالات القانون والبيئة والإقتصاد وعلم لإجتماع .
ورغم تقدم مسار إعداد المجلة الذي انطلق في جانفي 2010، وكان يتوقع أن يمتد على ثلاث سنوات فقد توقف بعيد الثورة، ولم يصدر تبرير مقنع لذلك رغم الدعم الفني الألماني، والمستوى النوعي للمشاركين في أعمال اللجنة.
وقد تم في المرحلة الأولى بالخصوص التشخيص الميداني حول التشريع البيئي ، الذي وقع فيه الحرص على تشريك كافة الأطراف المعنية، كما تم إعداد تقرير أولي ومناقشته ، والإستعداد للمرحلة الموالية من المشروع.
وبحث الخبراء في مراحل الإعداد إمكانية إعادة هيكلة المشروع وضبط إطاره بحيث يضمن الدقة في تحديد المحاور المعنية وإحكام التلاؤم بين الجوانب النظرية والواقع البيئي المحلي.
وتم قرار تنظيم ورشة في موعد قريب تخصص أساسا لمزيد التشاور وتعميق النظر في مختلف الجوانب المنهجية والعملية لضمان الإستفادة من مختلف وجهات النظر ومراعاة آراء الأطراف المعنية حتى تكون المجلة أداة فعالة تضمن التلاؤم بين الجانبين النظري والعملي، ومستجيبة لحاجيات بلادنا في المجال البيئي باعتباره أفقيا ومتداخلا مع مختلف القطاعات.
المختصون في مجالات القانون والعلوم الإنسانية وغيرها أكدوا الأهمية التي تكتسيها مجلة البيئة التي ستمثل إنجازا يضاهي دستورا بيئيا مصغرا، كما دعت إلى العمل على الإعداد لتقديم مقترح في إتجاه إدراج البيئة في الدستور القادم للبلاد.
وقدمت خلال الجلسة عديد الاقتراحات المنهجية والتي تركزت بالخصوص على ضرورة التعمق في الجوانب الموضوعية لمراعاة الخصائص البيئية والخصائص الواقعية لبلادنا، وتشريك المواطنين وتحسيسهم لضمان تبنيهم لمحتوى المجلة وتأمين التزامهم بمتطلباته والمساهمة في دخوله حيز التنفيذ,
ويعتبر مشروع المجلة الذي توقفت سيرورة تركيزه واحدا من أهم المنجزات التي يستوجب إعادة إطلاق ورشتها، وهو سؤال طرحه قبل سنتين العميد السابق ورئيس بلدية اريانة الحالي الفاضل موسى، مستغربا من توقيف المسار رغم تبلور الكثير من الجوانب وقطع عديد الخطوات على طريق رسم ملامح المجلة التي ينتظر أن تكون مواكبة لسياق تطور المجتمع، مجمعا بروح تأليفية لمختلف النصوص بصيغة تضمن مرونة التطبيق والشمولية مع مراعات المجالات الخصوصية.