يتفاءل كثير ممن يقر بانخراطها في جانب من تلك المهام، وتصديها لبعض من أدوار المشاركة في تغيير الوضع سواء بتعديل قرارات السلط أو باقتراح بدائل ومسارات ملائمة والمبادرة إلى تفعيلها وتجسيمها.
في حالات مثل احتشاد جمعيات وقوى المجتمع المدني في صفاقس، تم تحقيق نجاحات واضحة وتغيير لقرارات السلط نحو تبني مواقف متساكني الجهة المتضررين من جراء التلوث بكافة أشكاله ومستوياته.
كما عرفت مناطق أخرى تحركات مختلفة لجمعيات وناشطين اشتغلوا على قضايا ومشاغل بيئية متعددة، وتمكنوا من رفع مضرات ودفع مسؤولين للتفاوض وللتوصل لحلول وفاقية وسطى.
وتشكل التحركات ذات الطابع الشبكي ، مرحلة متطورة في صيغ تحرك الجمعيات، فبالرغم من دور المنظمات البيئية غير الحكومية الفعال أثناء استقلاليتها كعامل محدد في نشأتها إلا أنه بإمكانها من خلال مبدئها الضابط لسلوكها “حماية النظام الايكولوجي” وزيادة مشاركتها وعددها في فعاليات المؤتمرات البيئية العالمية أن تتخذ منها مبدأً ناظما ضمن إستراتيجية التشبيك كمدخل؛ إذ يمكن لها أن تلعب دورا جد فعال أثناء ترابطها وتعاونها في إطار كلي ممأسس “شبكة بيئية عالمية” تنضوي تحتها هاته المنظمات مع الاحتفاظ باستقلاليتها، والذي يمكن أن يؤسس لعهد بيئي جديد مؤثر في السياسات البيئية العالمية، بوضع خطط منسقة ومبادرات وانجازات ومعايير دولية تسعى لهندسة نظام الحوكمة البيئية العالمية، تكون فيه الفواعل الرسمية وغير الرسمية كالمنظمات البيئية غير الحكومية شبكات فوق وطنية تعمل لصالح النظام البيئي المتوازن بمختلف أبعاده.
لذلك تزداد وتيرة ضغط المجتمع المدني في محيط غابة رادس، رفضا لقرار مد طريق طولها 3 كيلومترات توشك أن تدمر ثلث الغابة، وتمحو نصف غطائها الغابي والنباتي، وتؤثر سلبا على منظومة بيئية نادرة بمنطقة تونس الكبرى وضاحية تونس الجنوبية.
وقد احتشدت عديد الجمعيات في مقدمتها بيئتنا، وجمعية التحديث والصيانة والصندوق العالمي للطبيعة، وشبكة جمعيات البيئة فايقين لبيئتنا، وغيرها وعملت على تنظيم مقابلات استيضاحية مع المسؤولين، وتشريك مهندسين مختصين وخبراء في تقييم المخاطر المحتملة لمشروع مد الطريق السيارة داخل منتزه فرحات حشاد، الذي اعتبرته مهددا باغتيال ثان من خلال تنفيذ هذا المشروع الأشبه بالمجزرة البيئية الوشيكة.
وموازاة مع نشر وإمضاء عريضة على الواب، أقام التحالف سلسلة من الأنشطة والتحركات في سبيل ثني السلط عن المضي في قرارها تنفيذ المشروع وتدمير المنتزه، برغم محاولات الإقناع باندراجه ضمن الصالح العام، وإمكانية التخفيف من انعكاساته البيئية .
وبين محاولات الضغط، ومواقف الهياكل، ومنطق الطرفين، يمكن تقدير مدى تباين الطرفين، وتقدير مدى نجاح التحالفات والائتلافات في تفعيل تقنيات المناصرة والضغط وغيرها من أشكال التعبير ومحاولة التغيير المتعددة.
كما أن هذا المثال يؤكد النقلة النسبية عن وضع كانت فيه الجمعيات، في منظور السلطة قبل الثورة، مكملا وديكورا وأداة سلبية لتزيين وزركشة وتأثيث المشهد وإضفاء الإبهار الاستعراضي عليه.
وسواء كانت شبكة جمعيات حماية منتزه رادس، أو تنسيقية البيئة والتنمية بصفاقس، او شبكة فايقين لبيئتنا، أو غيرها، فالمأمول هو استمرار التطوير والمراكمة في فعل النسيج الجمعياتي من أجل الارتقاء التدريجي إلى دور القوة الفاعلة الشريكة، وليست بالضرورة المناهضة أو المعادية للسلطة.
تلك من ابرز الخواطر التي تداولتها عشرات الجمعيات البيئية الفاعلة التي احتضنها مؤخرا مركز تونس الدولي لتكنولوجيا البيئة ضمن المنتدى السنوي للجمعيات البيئية، في غياب خطاب رسمي، كان حتى زمن قريب حاضرا وأساسيا.