التي كانت قد رسخت في ذهنك حول غبار المناجم وجدب الأراضي المحيطة بها حيث بدأت القيم الضوئية تتحول تدريجيا من الأصفر الداكن إلى الأخضر اليانع ومعه ارتقت جودة الهواء من ثقيل مشبع بالغبار إلى خفيف منعش.
ومع الاقتراب من بلدة سيدي عيش يتعزز الشعور ان المكان أصبح غير المكان فأشجار الزيتون المتلاحمة المتراصة تحيل الى مشهد خلاب واحد مكامن الوجه الآخر للثروة بما ان تجربة غراسة «الزيتون المكثف» في مستغلات «عليسة» و»حنبعل» و»قرطاج» جاوزت نتائجها الحدود وأصبح زيت زيتون سيدي عيش علامة مسجلة في أسواق كندا وامريكا.
وانطلقت تجربة غراسة الزيتون المكثف هذا التقليد الاسباني الصميم الذي يتمتع بطاقة انتاجية عالية مقارنة بالزيتون العادي منذ 2007 حيث اختارت احدى المؤسسات التونسية التابعة لمجمع «ساي هاش او» الاستثمار في منطقة سيدي عيش التابعة لولاية قفصة بفضل ما تتمتع به هذه المنطقة من خصائص مناخية من ذلك تدني درجة الرطوبة وطبيعة التربة وتوفر الماء (هذا العنصر اصبح اشكالا في الوقت الحاضر) حيث تم تسخير 500 هكتار لغراسة 650 الف عود زيتون تنتج سنويا حوالي 6000 طن من زيت الزيتون مما يعني المساهمة في 20 % من جملة الصادرات التونسية لهذه المادة».
وافاد محمد السمعلي المدير الفني للشركة صاحبة المشروع ان «تجربة الزيتون المكثف الذي يتمتع بطاقة انتاج مرتفعة تتراوح بين 4 الى 5 أضعاف الزيتون العادي بفضل كثافته العالية التي تصل الى 2500 شجرة زيتون في الهكتار الواحد حسب النوعية (الارباكينا و الاربوزانا و الكورناتيكا) وعدم احتياجه لكمية كبيرة من الماء من ذلك لتر واحد في الثانية تكفي لغراسة 3 هكتارات منه واستمرارية إنتاجه المنتظمة كل موسم دون الحاجة الى مواسم راحة كلها عوامل جعلت هذه التجربة نموذجية وهي الأولى في جهة قفصة تلتها تجارب اخرى لعدد من المستثمرين».
واضاف السمعلي ان «كل الانتاج الذي يوفره الزيتون المكثف في حقول زياتين سيدي عيش يتم تحويله الى العصر حيث نمتلك وحدة عصر و تعليب زيت الزيتون ليتم تصديره مباشرة الى عدد من الدول اهمها كندا والولايات المتحدة الامريكية باعتبار جودته العالية و درجة حموضته الخفيفة و التي تتلاءم مع ما يحبذه عموم المستهلكين في هذه البلدان اذ هناك حرص على ان لا تتجاوز الفترة الزمنية بين الجني والعصر ساعتين من الزمن وهو ما يضمن جودة عالية».
وتابع بالقول ان «متابعة الإنتاج لهذه النشاط الفلاحي يتم عبر منظومة إعلامية دقيقة يتم من خلالها الإشراف على كل العمليات المتعلقة بالري والمداواة والجني والتقليم حتى نضمن إحاطة شاملة لآلاف أشجار الزيتون فعملية الري أوتوماتيكية والمداواة تتم عن طريق العربات الخاصة بذلك في حين تكون عملية الجني عبر آليات مختصة تتمثل في طريقة الرج ثم التجميع وتفريغ الحمولة في مرحلة ثالثة مباشرة في الشاحنات و تقدر القيمة المالية لالة الجني حوالي 800 الف دينار (تجني 98 % من المحصول) الا ان عملية التقليم تكون يدوية بما ان اعتماد المكننة في هذه التقنية يضر بأشجار الزيتون»
وأردف السمعلي مشددا على أن من أبرز العوائق التي تحول دون توسعة هذا المشروع الذي يوفر 40 موطن شغل قار و60 عونا متعاقدا و400 موطن شغل موسمي، هي مشكلة المياه بعد قرار منع عملية حفر الابار الجديدة باعتبار الاستغلال المفر ط للمائدة المائية جراء الحفر العشوائي للابار وهذا الاشكال الذي حاولنا تذليله عبر تقديم 3 طلبات رخص حفر (لم تتم الاستجابة لها الى حد الان) يقف حجرة عثرة أمامنا لتوسعة المشروع عبر غراسة حوالي 700 هكتار من الاراضي التابعة للمؤسسة و التي لاتزال بيضاء و غير مستغلة وهذا ما يحز في نفوسنا حقا باعتبار ان هذا الامر سيحرمنا من توسيع طاقة الإنتاج وكذلك يحد من الطاقة التشغيلية للاستثمار».
وأشار ذات المتحدث إلى ان ابرز العوائق التي تعترض سبيل القطاع الفلاحي في تونس هي غياب الاستراتيجية الواضحة اذ ان الإنتاج العالمي لزيت الزيتون في حدود 3 مليون طن وتونس لا تساهم الا ب200 الف طن واحتلال المركز السادس عالميا هو رقم ضعيف مقارنة باسبانيا متصدرة الانتاج العالمي بمليون و400 الف طن وهذا يعود بالأساس الى عشوائية الاختيارات اذ لا يعقل ان تقع غراسة القوارص مثلا او أشجار مثمرة في مناخ صعب حيث ان جهة قفصة يجب ان يقتصر إنتاجها الفلاحي على الزيتون و اللوز والفستق اذ لا تتطلب هذه الأنشطة الفلاحية كمية كبيرة من المياه اي يجب ملاءمة نوعية الزراعات مع طبيعة المائدة المائية لكل جهة حيث ان البلدان المتقدمة فلاحيا تراعي اول شيء هذه العناصر في استراتيجيتها».
وأنهى السمعلي متمنيا ايجاد الحلول الكفيلة لتجاوز إشكال المياه الذي يحول دون توسعة المشروع في سيدي عيش و حتى لا تضطر المؤسسة الى تحويل بقية نشاطها الى مناطق اخرى مثل تطاوين التي تتمتع بمائدة مائية أفضل وهذا لا يمكن ان يؤثر على إرادتنا لمواصلة الاستثمار في المناطق الداخلية وهي مكامن الثروة الحقيقية في تونس ولا تتطلب سوى الارداة الصادقة والعمل المخلص.