فبرغم صغر المساحة ، تتنوع الأنظمة البيئية من جبلية لصحراوية لواحية لجزرية لغابية، كما تزخر بموروث ثقافي وحضاري تاريخي زاخر، شاهد على تعاقب الدول والأمم ومرور الحقب التي عاشتها قرطاجنة، والقيروان، وإفريقية، من العصور البونية والرومانية حتى العربية الإسلامية.
كل ذلك يفتح السبيل ويمهد الطريق لاعتناق نمط من السياحة التي تقوم على التنوع وتمتد على المواسم والفصول وتستقط أصنافا متعددة من السياح، من شتى الوجهات والطبقات.
والسياحة البديلة هي نوع من السياحة يركز على تجارب سفر أصيلة ومستدامة، مع التركيز على التفاعل مع المجتمعات المحلية والحفاظ على البيئة. تختلف عن السياحة الجماعية التقليدية من حيث التمويل والتنظيم والتأثير البيئي والاجتماعي.
• السياحة البيئية تنطوي على علاقة محترمة مع الطبيعة والمجتمعات المحلية.
• تسعى مبادئ السياحة البيئية إلى تقليل التأثير البيئي وتعزيز التنمية المحلية.
• السياحة البيئية هي المفتاح للحفاظ على النظم البيئية وتوليد الدخل في المناطق المحمية.
السياحة البيئية ، أحد أسرع القطاعات نموًا في صناعة السياحة في السنوات الأخيرة.
وفقًا للجمعية الدولية للسياحة البيئية (TIES)، يمكن تعريف السياحة البيئية بأنها: «السفر المسؤول إلى المناطق الطبيعية التي تحمي البيئة وتحسن رفاهية السكان المحليين». وبهذه الطريقة، فإن السياحة البيئية لا تشير فقط إلى زيارة المناطق الطبيعية، ولكنها تنطوي على علاقة احترام تجاه البيئة والمجتمعات المحلية التي تعيش في المكان. تتجاوز السياحة البيئية السياحة الطبيعية التقليدية، حيث تدمج أخلاقيات الحفاظ على البيئة والمسؤولية في كل جانب من جوانب الرحلة.
على سبيل المثال، إذا قمنا برحلة إلى الجبال، فقد يبدو الأمر بمثابة سياحة بيئية لأننا في بيئة طبيعية. ومع ذلك، فإن ما يحدد حقًا ما إذا كانت رحلتنا هي السياحة البيئية هو العلاقة التي نبنيها مع المكان أثناء إقامتنا: إذا لم نؤذي النباتات والحيوانات، وتجنبنا ترك النفايات ودعمنا الشركات المحلية المستدامة، فيمكننا التأكيد على أننا مارسنا السياحة البيئية.
على العكس من ذلك، فإن الأنشطة التي تؤثر سلباً بشكل مباشر أو غير مباشر على البيئة، مثل الاستخدام المكثف لمنتجعات التزلج أو المركبات الآلية في المناطق المحمية، لا يمكن اعتبارها سياحة بيئية، حتى لو تم تنفيذها في بيئة طبيعية.
مبادئ السياحة البيئية
الرابطة الدولية للسياحة البيئية يحدد سبعة مبادئ أساسية ينبغي أن توجه أي شكل من أشكال السياحة البيئية. تعتبر هذه المبادئ أساسية لضمان أن يكون النشاط السياحي بيئيًا حقًا وله تأثير إيجابي على البيئة والمجتمعات المحلية.
1. قلل التأثيرات السلبية على البيئة والمجتمعات.
2. تعزيز توليد الوعي البيئي والثقافي.
3. خلق تجارب إيجابية لكل من السياح والسكان المحليين.
4. توفير فوائد اقتصادية مباشرة من أجل الحفاظ على الأماكن الطبيعية.
5. ضمان مشاركة المجتمعات المحلية في صنع القرار.
6. توليد احترام حقوق الإنسان وقوانين العمل المحلية.
7. تعزيز الوعي حول القضايا السياسية والاجتماعية والبيئية للمكان الذي تمت زيارته.
تسمح هذه المبادئ للسياحة البيئية بأن تكون مستدامة حقًا على المدى الطويل، مع الحفاظ على الموارد الطبيعية ورفاهية المجتمعات المحلية.
وبعد سنوات من التركيز المفرط على السياحة الشاطئية ، بالتزامن مع " سوحلة التنمية" بادرت الدولة ومنذ عقود لتطوير منتوجات سياحية غيرتقليدية بتنمية الأنشطة الاستشفائية وتنظيم قطاعات سياسحية من بينها السياحة الصحراوية والواحية.
ولئن ظلت البلاد وجهة رئيسية للسياحة الشاطئية التي تتركز خلال الموسم الصيفي فإن ذلك لم يمنه من نمو بقية المنتوجات السياحية ذات الطابع الثقافي والبيئي، وتلك التي تتركز على خصائص بعض المناطق كالواحات والجبال والغابات والثروات البرية التي تتيح إمكانية ممارسة أنشطة الصيد، والمهرجانات، والمواقع الأثرية .
وما تزال تلك الأنشطة السياحية الثقافية والبيئية أو الطبيعية تعرف تطورا وتوسعا، وتشهد مبادرات جريئة وطريفة من المستثمرين والباعثين الخواص، حيث تعرف بعض المناطق النائية والبلدات والقرى في مناطق عدة مثل زغوان وجندوبة وتوزر وتطاوين وجربة وغيرها خطوات تبشر بآفاق مزهرة لسياحة متنوعة تكسر طوق الأحادية ، وتحد من الاستنزاف المفرط للمناطق الساحلية الهشة.
وما من شك أن الميزات الهامة للسياحة البديلة، والبيئية والثقافية التي تتميز بحماية الموارد الطبيعية، وتثمينها بشكل مستدامة، مع إضفاء لمسة تضامنية على الحركية التنموية لتلك الأانشطة السياحية، وضمان أثرها الأإجتماعي على مستوى عيش السكان المحليين وغشراكهم في بعض مراحلة الإنتاج والتويق والضيافة والأغعاشة، كل ذلك يشكل مع دعم الدولة حافزية مضافة ودافعية مهمة لعدد من المستثمرين في دور الأإقامة، والمسالك السياحية البيئية وغيرها من الأنشطة التي تعتمد على الموروث الطبيعية ولاثافي، والإرث اللامادي، وتثمينه بأشكال مجددة تضمن جاذبية إستثنائية لفئات رفيعة ونخبوية ذات مستوى عال من السياح.
فمع الضغوط الإقتصادية والحدود التي بلغتها السياحة التقليدية، والتحديات البيئية والمناخية التي تواجهها منظوماتنا البيئية الهشة، بات اللجوء الأوسع لتنمية تلك الأأنشطة السياحية ضرورة حتمية، تستوجب تضافر جهود القطاعين العام والخاص، وتعفيز الباعثين والمبتكرين الشبان، وتعزيز الإطار القانوني وإثراء الحوافز وتقوية قدرات المنخرطين في هذه الأنشطة السياحية ذات الأأثر الإجتماعي و القيمة الإقتصادية المضافة الهائلة مع الإنعكاس البيئي المحدود.
وتمشيا مع الواقع البيئي والمناخي العالمي، والتوجه العام نحو تبني النمط الإقتصادي الأخضر والدائري، توجب على الجميع المساهمة في الدفع نحو تكثيف المشاريع، ومراكمة التجارب والخبرات، واقتراح رؤية شمولية لتحول سياحي أخضر، وانتقال نحو منوال صديق للبيئة يشمل مختلف المناطق ذات الكوامن والقدرات الطبيعية والثقافية المؤهلة لدفع السياحة البديلة في تونس بنسق يضمن النفع المادي للدول والمستثمرين والسكان المحليين، ويكرس مقاربة التنمية الشاملة التي تقطع مع أشكال الإستغلال المفرط للموارد لتحقيق عوائد العملة لاصعبة والتشغيل الآني، دون الأإكتراث بالعواقب المدمرة من تلوث وانجراف بحري واستنزاف للموارد الطبيعية.
وبالرغم من هشاشة المنظومات البيئية التونسية وما حل بها من تأثيرات عوامل طبيعية وبشرية وتنموية ومناخية، إلا أنها ما تزال تمثل نفائس فريدة ومقدرات هائلة تتيح تحيين الإستراتيجيات والسياسات المعتمدة منذ نحو ربع قرن في إطار النهوض بالسياحة البيئية والثقافية، رسم خطط طموحة للمضي بعيدا في إنشاء محطات ، ومشاريع ومسالك ومواقع ومهرجانات تثمن الموروث المحلي، وتستقطب الزوار من السياح المحليين والأجانب.