لكن مع احتدام الصراعات و اتساع نطاقها، أصبحت المنطقة تواجه تحديات غير مسبوقة. فقد ظهرت جماعات عنيفة غير تابعة لدولة، مثل تنظيم «داعش» الارهابي، لتصبح أطرافا مؤثرة , ولها تداعيات سياسية وعسكرية باعتبارها تسيطر على مساحات كبيرة من الاراضي الاقليمية. وبدأت منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وأوروبا، و غيرها، تتأثر بأزمة اللاجئين التي فاقت كل سابقاتها منذ الحرب العالمية الثانية، مما يفرض ضغوطا على الاقتصادات والنظم الاجتماعية. ونظرا للاستقطاب السياسي الكبير، وعدم المساواة الاقتصادية، وسرعة النمو السكاني في المنطقة، يرجح أن تنحسر هذه الصراعات في وقت قريب.
و قد أسفرت الصراعات المحتدمة ونزوح السكان عن تكاليف اقتصادية فادحة ومستمرة. فأدت الصراعات في بلدان مثل العراق وليبيا وسوريا واليمن إلى حدوث ركود اقتصادي عميق وارتفاع معدلات التضخم، وتفاقم أوضاع المالية العامة والقطاع المالي، وتخريب المؤسسات، فضلا عن الخسائر المأساوية في الارواح والدمار المادي. وبالاضافة إلى ذلك، أسفرت الاثار الوخيمة لهذه الاضطرابات عن انتقال التداعيات إلى البلدان المجاورة مثل لبنان والأردن وتونس وتركيا، وبقية أنحاء منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وحتى إلى المناطق الأخرى، ومن أبرزها أوروبا. وبدرجات متفاوتة، تواجه هذه البلدان أعدادا كبيرة من اللاجئين، وضعفا في الثقة والحالة الامنية، وتراجعا في مستوى التماسك الاجتماعي، مما يقوض جودة المؤسسات وقدرتها على إجراء الاصلاحات الاقتصادية التي تمثل ضرورة ملحة.
فكيف يمكن أن تؤدي السياسات الاقتصادية إلى تخفيف التكاليف الاقتصادية للصراعات وتدفقات اللاجئين الكبيرة؟ تشير تجربة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا مؤخرا إلى أن السياسات الفعالة هي التي تركز على حماية المؤسسات الاقتصادية، وتحديد أولويات الانفاق من الموازنة العامة لخدمة الاحتياجات العامة الاساسية، واستخدام سياسات النقد والصرف لتعزيز الثقة. ولكن مثل هذه السياسات غالبا ما يصعب تنفيذها، مما يتطلب تدابير غير تقليدية. ففي ليبيا واليمن، على سبيل المثال، قامت البنوك المركزية بجهود استثنائية لدعم الاقتصاد. وبمجرد انحسار الصراعات، يقتضي النجاح في إعادة البناء وجود مؤسسات عالية الكفاءة وأطر اقتصادية كلية قوية ولكنها مرنة لاستيعاب التدفقات الرأسمالية الداخلة وبقاء الدين في حدود يمكن الاستمرار في تحملها.
ويجب أن تتخذ البلدان المضيفة للاجئين قرارات صعبة بشأن دخول أسواق العمل والاستفادة من البرامج الاجتماعية، إلى جانب تدابير لمواطنيها الذين يعانون في الغالب من الفقر والبطالة. وللعمل على منع العنف في المستقبل، ينبغي أن تعجل بلدان المنطقة بإجراء إصلاحات لتحقيق النمو الاحتوائي بما يحد من عدم المساواة.
وقد دعم الشركاء الخارجيون، ومنهم صندوق النقد الدولي، جهود البلدان لاحتواء التداعيات. وكانت الاولوية القصوى هي تكثيف المساعدات الانسانية لتلبية الاحتياجات العاجلة للمتضررين، سواء في مناطق الصراع أو في البلدان التي تستضيف أعدادا كبيرة من اللاجئين، مثل الاردن ولبنان. أما الاولوية الثانية فتتمثل في المساعدة الانمائية للمساهمة في إعادة بناء البنية التحتية، وتعز يز الصلابة الاقتصادية والاجتماعية في منطقة الشرق الاوسط وشمال إفريقيا بصورة أعم. وقد تكثفت الجهود مؤخرا لتنظيم استجابة دولية أوسع وأعمق، مع التركيز في هذه الجهود على تدبير التمويل الاضافي. و كلما أمكن، ينبغي أن يقَّدم هذا التمويل الاضافي في صورة منح وقروض ميسرة لتجنب إرهاق البلدان غير القادر ة على تحمل ديون إضافية. و يدعم الصندوق هذه الجهود، سواء من خلال المشورة بِشأن السياسات أو تقديم مستويات عالية من التمويل أو المساعدة في بناء القدرات أو أشكال الدعم الاخرى.