كانت فرضية سعر البرميل الفاعل الأبرز في التحولات التي شهدتها التوازنات المالية للسنة الحالية ،حيث قادت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى قلب الموازين التي إعتمدتها وزارة المالية وخلفت تعديلا في قيمة دعم المحروقات بالزيادة بأكثر من 4 مليارات دينار( بين انعكاس لسعر البرميل وارتفاع سعر صرف الدولار) وفي مايتعلق بالعام الحالي فإن الفرضية التي إنبنى عليها قانون المالية لـ2023 89 دولارا للبرميل بعد إعتماد على 100.5 دولار للبرميل ضمن تحيين في قانون المالية التعديلي في 2022.
وقد بنيت الفرضية بدورها على عدة فرضيات من قبل تطور في الإنتاج الوطني من جهة وتراجع قيمة دعم المحروقات وتفعيل آلية التعديل الشهري للأسعار من جهة ثانية والسؤال الذي يطرح يتعلق بمدى قابلية تحقيق هذه والحال أن معالم سوق النفط خلال المقبل لاتزال غير واضحة لا سيما مع إستمرار الصراع بين روسيا وأوكرانيا مستمرا دون أية أفق التوصل إلى حلول .
وقد عادت مستويات أسعار النفط مع نهاية العام الحالي إلى مستويات بدايته،حيث كان سعر خام برنت حول حاجز الثمانين دولار مطلع العام، أما متوسط السعر للعام فهو عند نحو 103 دولار فهو الأعلى منذ عام 2013، وفي شهر مارس هذا العام صعد سعر خام برنت إلى ذروته عند 128 دولار بتقلبات تصل إلى 50 دولار،الأعلى منذ الأزمة المالية عام 2008 ،فإن أفق الأسعار للعام المقبل تتسم بحالة من عدم اليقين وتباين في التوقعات ،ففي ما يتعلق بتوقعات البنك الدولي ،فإنه المفترض أن تعرف أسعار الطاقة منحى تنازلي خلال العام المقبل ،حيث ينتظر أن يبلغ سعر خام برنت في المتوسط 92 دولاراً للبرميل وهو أعلى كثيرا من المتوسط البالغ 60 دولاراً للبرميل في السنوات الخمس ،كما يتوقع أن تتراجع أسعار الغاز الطبيعي والفحم عن مستوياتها القياسية في 2022 وعموما ينتظر تنخفض أسعار الطاقة بنسبة 11 % في 2023. وعلى الرغم من هذا التراجع، فإن أسعار الطاقة العام القادم ستكون أعلى بنسبة 75 % عن متوسطها في السنوات الخمس الماضية.
من جهة أخرى،فإن إستراتيجية إنتاج «أوبك بلس» لا تعمل على المدى القصير ولا تتحكم في أسعار النفط ولا تستهدف أي سقف سعري، وإنما توازن العرض والطلب لتحقيق الاستقرار في الاقتصاد العالمي ، ويتوقع خبراء عودة أسعار الخامات النفطية إلى الارتفاع فوق 100 دولار في العام الجديد، بعد التراجع الكبير الذي شهده خلال الشهور الأخيرة. ويأتي التوقع المتفائل رغم مخاوف ركود الاقتصاديات الغربية، خاصة الاقتصاد الأوروبي، وكذا المخاوف المتعلقة باقتصاد الصين أكبر مستهلك للطاقة حول العالم.
وتذهب توقعات منظمة الدول المصدرة للنفط «أوبك» في تقريرها الأخير إلى ارتفاع الطلب العالمي على الخامات النفطية في العام الجديد 2023 بنحو 2.25 مليون برميل يومياً في المتوسط.
وفق تقديرات «بنك أوف أميركا» فإن أسعار خام برنت، ستبلغ 100 دولار للبرميل في 2023، بفضل تعافي الطلب الصيني على النفط و يرجح أن المتوسط سيكون عند 100 دولار للبرميل في عام 2023، بفضل تعافي الطلب الصيني على النفط، إلى جانب انخفاض الإمدادات الروسية بنحو مليون برميل يوميًا هذا بالإضافة إلى إمكانية أن تطبق «أوبك+» تراجعا قدره مليونا برميل، في محاولة لتعزيز أسعار النفط.
وعلى المنوال قريب من بنك أوف أمريكا، فقد توقع بنك «غولدمان ساكس» فائضا في السوق في أوائل العام المقبل، ما يخفف من أخطار ارتفاع الأسعار في الشتاء. ويتوقع أن يصل متوسط خام برنت إلى 98 دولارًا للبرميل خلال 2023، كما يرى أن خام غرب تكساس الوسيط قد يبلغ 92 دولارًا في العام نفسه، حسبما نقلت وكالة رويترز.
وتعتبر توقعات غولدمان ساكس في تضارب تقريبا مع توقعات وكالة الطاقة الدولية التي رجحت إرتفاع الأسعار خلال العام المقبل وتوقعت تجاوز الطلب في الأسواق المستويات المعروضة من النفط مع استمرار تخفيضات أوبك بلاس، ووضعت بالاعتبار أيضا أي إجراء قد تتخذه روسيا للتأثير على الأسواق العالمية وفي المقابل يعتقد البنك أن أخطار ارتفاع أسعار النفط هذا الشتاء أقل مع تراجع استهلاك الصين مقارنة بما كان متوقعا في السابق وتصدير روسيا لمستويات قريبة من تلك المسجلة قبل الحرب وتراجع مشكلات الإنتاج في كازاخستان ونيجيريا.
يبدو أن حالة عدم اليقين في الأسواق جعل التوقعات مختلفة ومتناقضة بين المؤسسات الدولية تقود التناقض والاختلاف المسجل في التوقعات ويمكن الإشارة في هذا الباب إلى أن المغرب كانت قد اعتمدت على فرضية سعر للنفط الخام برنت (أوروبا ) بـ97 دولار وخام غرب تكساس الوسيط (الولايات المتحدة الأمريكية) 93 دولارا للبرميل وهي فرضية تأتي بين متوسط التوقعات فيما جاءت فرضية سعر النفط في قانون المالية دون التوقعات ويبدو أن هذا الاعتماد ليس من باب عدم العلم بالأشياء خاصة إذا ما كانت الحكومة تنوي بصفة جدية خلال العام المقبل إجراء تعديلات شهرية في الأسعار بالزيادة أوبالنقصان بنسبة 7 % ،حيث سيكون من الأفضل للحكومة التي تعتزم الرفع التدريجي عن المحروقات أن تعتمد على فرضية سعر تتيح لها إمكانية التعديل بالزيادة دون التخفيض .