من الآثار التي تتركها مثل هذه القرارات في المقابل اختارت بنوك مركزية أخرى التروي والانتظار على أمل أن تشهد الأسعار انخفاضا إلا انه وبنهاية العام بدأت تنكشف نتائج القرارين الأول والثاني.
بدأت نسب التضخم في البلدان التي قامت بنوكها المركزية بموجة ترفيع في نسب الفائدة بالانخفاض بعد بلوغها الذروة ويعد الاحتياطي الفدرالي الأمريكي المثال الأبرز في هذه المجموعة حيث قام منذ مارس الفارط بالترفيع في سعر الفائدة 7 مرات ، حيث كان سعرها يتراوح بين 0.25 % و0.50 %. وأصبحت تتراوح بين تتراوح بين 4.25 و4.50 %، ويتوقع أن تصل في مارس المقبل إلى 5.1 %. وبلغت نسبة التضخم في الولايات المتحدة الأمريكية مستوى قياسي لم تبلغه منذ 40 سنة. وانخفضت نسبة التضخم في شهر نوفمبر بنسبة 7.1 % لأول مرة منذ ديسمبر 2021.
في بريطانيا حيث تشهد نسبة التضخم ارتفاع حاد لم تشهده المملكة منذ 41 سنة وهو ما دفع بنك انجلترا إلى الترفيع في نسبة الفائدة 9 مرات لتصل نسب الفائدة إلى 3.5 %.
وأظهرت البيانات الرسمية لأسعار المستهلكين في بريطانيا، أن التضخم تراجع بأكثر من المتوقع في نوفمبر إلى 10.7 % عن 11.1 % سجلها في أكتوبر، وكانت الأعلى في 41 عاما، أي انه مبدئيا تكون بريطانيا قد بلغت ذروة التضخم في أكتوبر وسيتعين عليها انتظار نتائج شهر ديسمبر ليتأكد المنحى التنازلي للتضخم.
في كندا رفع لبنك المركزي معدلات الفائدة بإجمالي 400 نقطة أساس في آخر تسعة أشهر، تباطأ معدل التضخم في كندا خلال نوفمبر إلى 6.8 %.
البنك المركزي الاروبي انطلق في الترفيع في نسبة الفائدة منتصف العام الجاري وهي خطوة متأخرة نوعا ما حيث خير واضعو السياسات انتظار انخفاض التضخم لكن نسقه المتسارع دفع الى اتخاذ خطوة بعد 11 عاما تاريخ اخر ترفيع في نسب الفائدة ومنذ منتصف العام الحالي قام المركزي الاروبي بالترفيع في اسعار الفائدة ثلاث مرات مع وجود نوايا لمزيد الترفيع وتبلغ نسبة التضخم في نوفمبر 10.1 % مقابل 10.6 % في اكتوبر الذي سبق.
يتضح جليا ان قرارات جريئة من بعض البنوك المركزية الكبرى في العالم ساهمت في الاسراع في وضع حد للتضخم الذي يبدو انه بلغ الذروة في اكبر الاقتصاديات وبدا في المنحى التنازلي مع وجود مخاوف من استمراره مرتفعا.
في تونس كانت خطوات البنك المركزي حذرة جدا فبعد الترفيع بـ75 نقطة في شهر ماي الفارط وبعد موجة ارتفاع في نسبة التضخم قام مجددا في شهر اكتوبر بالترفيع بـ 25 نقطة في نسبة الفائدة وتبلغ نسبة التضخم اليوم 9.8 % في انتظار ما ستحدثه الزيادات الاخيرة والتي دخلت حيز التطبيق منتصف الشهر الجاري وهو ما يعني ان الاثار التي ستتركها لن تظهر بالكامل في نتائج العام الحالي بل ان 2023 هو الانعكاس الحقيقي لارتفاع الاسعار. ولان مخاطر الركود الاقتصادي مقترن بارتفاع تكاليف الاقتراض فان الحذر يظهر في قرارات البنك المركزي التونسي الذي يؤكد على ضرورة الشروع بأسرع ما يمكن في الإصلاحات الهيكلية اللازمة التي من شأنها إعادة النمو الاقتصادي إلى مسار تصاعدي بهدف ضمان الاستقرار الاقتصادي الكلي واستدامة الدين العمومي.