ولئن قامت في وقت سابق بإجراء تعديل في الأسعار بزيادة بنسبة تجاوزت المقدر في قانون المالية، إلا أنها عمدت هذه المرة إلى سن نص قانوني يخول لها الترفيع في أسعار المحروقات على مستوى المضخة بنسبة 7 في المائة وهي زيادة سيكون لها أثر هام على مستوى كلفة المعيشة والمهن التي تعتمد على النقل .تجلى عدم قدرة الحكومة على تطبيق آلية التعديل الاتوماتيكي للأسعار بنسبة 3 % بصفة شهرية لأسباب مختلفة ولئن كانت الفلسفة العامة التي قامت عليها تغيير آلية تعديل الأسعار القديمة لسنة 2016 بتعديل كل ثلاثة أشهر بسقف تعديل عند 5 % عبر التخفيض أو الترفيع إلى الآلية الجديدة التي بدأ تطبيقها سنة 2020 بتعديل كل شهر بنسبة 1.5 % ثم وقع الترفيع فيها إلى 2 % في 2021 وقد ارتفعت النسبة قبل أن يقع مراجعتها خلال العام الحالي إلى 3 % - هو أن الآلية الجديدة تمنح القرار للجنة الفنية لتدقيق وضبط الأسعار فيما كانت الآلية القديمة تعطى الأولوية فيها للقرار السياسي قبل اللجنة الفنية.
ويبدو أن الفلسفة القديمة قد عادت ،فبالنظر إلى تواصل ارتفاع الأسعار في النفط في السوق العالمية منذ بداية العام والحال انه لم يقع تنفيذ إلا خمس زيادات من إجمالي 11 زيادة متوقعة حتى وإن تمت زيادات بنسب تجاوزت المحددة فإنها تبق بعيدة عن المبرمج و يعود ذلك إلى عودة تدخل الجانب السياسي في قرار اللجنة الفنية المكلفة بضبط ومتابعة أسعار بيع منتوجات النفط الجاهزة الموردة والمكررة محليا .
ويرجح أن التغيير الأخير في نسبة التعديل وقرار تطبيقه يحمل بعدا أخر يتجاوز ملائمة إعلان الترفيع بما يتماشى مع الوضع الاجتماعي و المناخ السياسي أساسا إلى شراء ود صندوق النقد الدولي الذي مافتئ يطالب تونس بضرورة تطبيق آلية تعديل الأسعار الآلي على مستوى المضخة وهو مايعني رفع الدعم عن المحروقات كليا ، غير أن تعثر التطبيق الشهري مقابل تعهدات الدولة بمضيها إصلاح منظومة الدعم بما يمكنها من كسب ثقة صندوق النقد الدولي وغيره من الممولين الدوليين قد قاد الحكومة إلى تغيير قواعد اللعبة عبر تغيير نسبة التعديل إلى 7 في المائة لتصل نسبة الترفيع على مستوى سعر المحروقات على مستوى الأصناف الثلاثة من بنزين و بنزين خالي من الرصاص والغازوال بنسبة 20 % على الأقل بين السعر المسجل نهاية ديسمبر 2021 ونوفمبر 2022.
ويعكس التعديل الأخير حسن نوايا الحكومة تجاه صندوق النقد الدولي على مضيها في الإصلاح نحو حقيقة الأسعار و التي لئن أشارت في وقت سابق على أنها تطمح إليها مع موفى 2026 ،فإن نسبة التعديل التي تم إقرارها حاليا قد تسرع في بلوغ الهدف قبل ذلك بكثير غير أن للسرعة دائما مخاطر كبرى ،حيث من الممكن أن تقود القفزة المنتظرة في الأسعار إلى تأزم الوضع خاصة أمام غياب مصارحة الشعب عن التصورات بل أن عدم التزام الحكومة بقرارات ووعود و قوانين تقوم برميها بمجرد سن مرسوم يلغي الذي سبقه سيكون له تداعيات وخيمة على السلم الاجتماعية خلال الفترة المقبلة التي تستوجب العمل التشاركي و التضحيات المشتركة للنهوض بالبلاد وتحسين ظروف عيش مواطنيها.
وجدير بالذكر إلى أن كلفة دعم المحروقات قد بلغت إلى غاية أوت المنقضي 2075 مليون دينار وهو مايعادل 71 % من قيمة النفقات المخصصة لكامل 2022 ويأتي الارتفاع المسجل في نفقات المحروقات تباعا لصعود الأسعار في السوق العالمية ،حيث بلغ سعر البرميل من النفط المورد 114 دولار مقابل 75 دولار للبرميل وقد أعلنت وزيرة المالية سهام نمسية مؤخرا انه قد تم تعديل فرضية سعر برميل النفط في إطار قانون المالية التكميلي إلى 105 دولار لكامل سنة 2022.