وقد أكد البنك المركزي أن ارتفاع عجز الميزان الجاري من -3.6 % من إجمالي الناتج المحلي مع موفى أوت 2021 إلى 5.8 -% خلال الفترة ذاتها من العام الحالي ناجم بالأساس عن تدهور الحاصل التجاري 10,1 -% من إجمالي الناتج المحلي مقابل -6,6 % من العام المنقضي.
تظهر المعطيات الواردة على بوابة البنك المركزي أن قيمة عجز الميزان الجاري تشهد نموا من شهر إلى أخر قد بلغت 7.1 مليار دينار مع نهاية السداسي الأول وهو مايعادل 4.9 % من الناتج المحلي الإجمالي ،كما قفزت قيمة العجز خلال شهر أفريل من 3.9 مليار دينار إلى 6.5 مليار دينار خلال شهر ماي من السنة ذاتها.
وتتصاعد المخاوف مع تزايد الضغوطات على العملة المحلية إزاء ارتفاع قيمة الدولار ،حيث سيكون لتراجع سعر صرف الدينار مقابل العملات الأجنبية أثرا كارثيا على الميزان التجاري في ظل ارتفاع نسق الواردات ،حيث سينعكس تدحرج سعر الصرف سلبا على الميزان التجاري ليشهد مزيدا من العجز وهو ماسيلق بضلاله تباعا على الميزان الجاري الذي يعد من أقوى المؤشرات التي تدل على صحة الاقتصاد من عدمه ،حيث يدل الحساب الجاري على حجم حاجة البلاد من العملة الصعبة لتأمين وارداتها من السلع الأساسية من غذاء و طاقة و دواء و ولميزان المدفوعات أهمية كبيرة لأنه من خلال دراسة مفرداته يعكس درجة التقدم الاقتصادي في هذا البلد، ويمكن من تحديد مركزه المالي بالنسبة للعالم الخارجي، لذلك فإنه غالبًا ما يطلب صندوق النقد الدولي من جميع أعضائه تقديم موازين مدفوعاتها سنويًا، لأن هذا الميزان من أهم المؤثرات دقة في الحكم على المركز الخارجي للعضو.
وبالنظر إلى نسبة العجز المسجلة خلال الأشهر الثمانية ،فإن قيمة العجز تتجاوز 9 مليار دينار وفي حال تواصل العجز بنسق التقدم لباقي السنة ،فأن قيمة العجز ستصل إلى رقم قياسي جديد يضاف إلى حصيلة 2018 التي بلغت قيمة العجز 11.7 مليار دينار ونسبة العجز من الناتج المحلي الإجمالي عند 11.1 % وكانت أعلى نسبة قد سجلت أخر مرة في العام 1984 وفق البيانات المفتوحة للبنك العالمي بـ9.2 %.
ولئن تشهد بعض مكونات ميزان المدفوعات فان تسارع العجز في الميزان التجاري الذي تطور باكثر من 60 % حال دون نتائج ملموسة الأمر الذي من شانه تعقيد الأوضاع في الفترة المقبلة خاصة أمام ضعف الاستثمار الأجنبي وهو ما يفتح الباب على مصراعيه للتداين الذي سيكون مكلفا باعتبار التصنيف الائتماني السلبي لتونس دون أن ننسى التأثيرات الأخرى على مستوى الاستهلاك على التونسي وهي ارتفاع الأسعار وفقدان السلع من الأسواق ،وستتضح مزيد من معالم هذا العجز خلال الفترة المقبلة و إن كانت ملامحها بارزة للعموم.
وقد عرف ميزان المدفوعات خلال الفترة 2011-2020 عجزا تراوح بين 6 % كأدنى نسبة من الناتج الإجمالي المحلي وهي مسجلة في 2020 و 11.1 % في 2018 وهي أعلى نسبة وقد استقر عند 8.6 % كمعدل خلال العقد المنقضي.
جدير بالذكر إلى أن أخر توقعات البنك الدولي تشير إلى صعود عجز الميزان الجاري إلى 10.3 % مع نهاية 2022.
لقد بات من الضروري اخذ المزيد من الحذر لاسيما وأن مستوى عجز الحساب الجاري ماض في مزيد الاتساع وهو مايهدد التوازنات الكلية لميزان المدفوعات العام ،حيث يعد تعمق عجز الميزان الجاري استنزافا للعملات الأجنبية وبالتالي تراجعا لقيمة العملة الوطنية و تباعا ضغوطا إضافية على المقدرة الشرائية بالإضافة إلى مخاطر فقدان إمكانية توريد المواد الأساسية من غذاء ودواء ،فمن خلال قراءة الأرقام المنشورة على بوابة البنك المركزي يمكن استشعار حجم المخاطر المنتظرة في حال لم يقع تقوية رصيد الحساب الجاري وذلك على الأقل عن طريق الحد من عجز الميزان التجاري وهو المسؤول الأول عن تآكل الاحتياطي من العملة الصعبة وجذب مزيد من الاستثمار الخارجي .