في الأسعار ويتراوح النقص بين مواد غذائية ومواد أولية في المقابل نجد أن المواد الكمالية والاستهلاكية تشهد وفرة و تنوعا.
تلخص طوابير الانتظار أمام محطات الوقود والمخابز والمحلات التجارية حقيقة واقع التزود بالسلع الأساسية وسط تبريرات حكومية بممارسات الاحتكار والتلاعب بالمواد المدعمة التي فاقمت بدورها من حجم الاضطرابات المسجلة في الأسواق في قائمة يبدو أن مرجحة للارتفاع ،كما أن عودة بعض المواد إلى السوق تشترط زيادة في الأسعار لا سيما الموردة منها كاستجابة لتطور الأسعار في السوق العالمية وارتفاع تكاليف الشحن.
ويعتبر تعثر إمدادات السوق المحلية بمواد أساسية مثل القهوة أو السكر والزيت تجسيد لضعف إمكانات الدولة والصعوبات المالية التي تعاني منها المؤسسات العمومية المسؤولة ،وتجدر الإشارة في هذا الباب إلى الوضعية المالية للديوان التونسي للتجارة تؤكد ارتفاع حجم المديوينة تجاه البنوك والدولة، حيث قدرت بـ370 مليون دينار مع العلم أن قيمة المديونية تجاه الدولة قد بلغت نحو 150.8 مليون دينار وهو رقم مسجل في السنوات الثلاثة ويواجه الديوان التونسي للتجارة مخاطر ارتفاع كلفة التوريد لاسيما حينما يرتبط الأمر بمواد أساسية بتعريفة محددة ،حيث يتعرض إلى مخاطر تقلبات سعر الصرف وتطور نسب الفائدة أثناء عملية التوريد وقد بلغت قيمة هذه الانعكاسات نحو 146 مليون دينار في 2018 ،ثم ارتفعت إلى 250 في 2019 وتباعا إلى 384 مليون دينار في 2020 ومن المرجح أن تشهد هذه الأرقام مزيد من الارتفاع خلال السنة الحالية ،حيث زادت أسعار السكر مع نهاية جويلية بنحو 40 % بحساب الانزلاق السنوي.
إشترك في النسخة الرقمية للمغرب
وقس على ذلك وضعية عدد من المؤسسات العمومية الأخرى على غرار الشركة التونسية للتكرير ،حيث تبلغ مستحقاتها تجاه الدولـة بعنـوان دعـم المحروقات تجاوزت ملياري دينار ويعـزى عـدم قـدرة الشـركة التونسـية لصناعـات التكريـر علـى تسـديد ديونهـا الارتفاع أسـعار النفـط الخـام ليسـتقر فوق 100 دولار /البرميل مقابل منحة دعم وقع احتسـابها على أسـاس 70 دولار للبرميل مـع اسـتحالة تطبيـق التعديـل الاتوماتيكي بصفـة شـهرية ومسترسـلة خلال العام الحالي و للتذكير فقد بلغـت مسـتحقاتها لـدى الدولـة بعنـوان دعـم المحروقات قرابـة 2.1 مليار دينار فـي موفـى وجويلية 2021 وقد ارتفعت مسـتحقاتها لـدى الشـركة الوطنيـة لتوزيـع البتـرول بمـا قيمتـه 517 مليون دينار وفـي غيـاب الموارد، التجـأت الشـركة لتغطيـة عجزهـا المالي إلى التدايـن البنكـي ليبلـغ مسـتوى1298 مليون دينار فـي جـوان 2021 وكذلـك تأجيـل خلاص المزودين الأجانب مـن المواد البتروليـة ممـا يهـدد إمكانيـة اللجـوء إلى اسـتعمال المخـزون الاحتياطي مـن المحروقات .
وتبرز هذه النتائج بوضوح العجز المالي الذي تعاني منه مؤسسات الدولة، الأمر الذي أثر حتما على أدائها وتباعا على إمكانيتها في توفير السلع الأساسية بما يفي بالطلب.
ويبدو أن عجز المؤسسات العمومية عن توفير المواد الأولية قد ينعكس إيجابا على مستوى الحفاظ على الاحتياطي من العملة الصعبة خاصة و أن قيمته حاليا تغطي حوالي 4 أشهر وهو مستوى يستدعي الحذرعلى الرغم من أن تحديد الخط الأحمر ب90 يوم معمول به في العالم وهذا الخط يسمح عادة بتغطية واردات المواد الغذائية والأدوية والمحروقات التي تعد الضروريات، أما إذا نزل عن ال90 يوم فهو مرجح إلى خلق صعوبة في تسديد الدين أوإذا تم تسديد فاتورة جديدة للتوريد ،و يأتي الحذر بالنظر إلى النسق التصاعدي للأسعار في الأسواق العالمية قد يعصف بخط الأمان المسجل حاليا ،بالإضافة إلى مخاطر تقلبات سعر الصرف وهو مايحتم الوقوف عند توريد الحاجيات الضرورية والتقليص من الواردات الاستهلاكية الكمالية خاصة خلال هذه الفترة التي تتسم بحالة من عدم اليقين تجاه تطورات الاسعار في المرحلة المقبلة و ارتفاع معدلات التضخم المسجلة حاليا.
في الوقت التي تتصاعد فيه المخاوف على الاحتياطي من العملة الصعبة ،تظهر معطيات المعهد الوطني للإحصاء ارتفاعا في قيمة الواردات الكمالية إلى 9.6 مليار دينار مع موفى جويلية المنقضي لتحافظ على مكانتها كأعلى المجموعات تكلفة ضمن قائمة الواردات بعد مجموعة المواد الاولية و النصف مصنعة وذلك على الرغم من صدور العديد من القرارات لتقييد توريد السلع غير الضرورية ،حيث أظهرت المعطيات الرسمية تطورا في قيمة الواردات الاستهلاكية بنسبة 14% مقارنة بجويلية 2021.
وقد إرتفعت واردات السلع الاستهلاكية من 12.7 مليار في 2017 لتصل إلى 15 مليار دينار مع نهاية العام المنقضي وتبين معطيات المعهد الوطني للإحصاء أن نسبة واردات السلع الاستهلاكية تمثل أكثر من 20 % من إجمالي الواردات وقد استقرت هذه النسبة عند حدود 24 % في 2021 ،فقد إستمرت السلع الكمالية والاستهلاكية الموردة حاضرة بقوة في الأسواق التونسية حتى خلال سنة 2020 التي سجلت تراجعا في إجمالي واردات بنسبة 18.7 % البلاد تأثرا بالجائحة والإجراءات المتخذة لمجابهتها ،حيث بلغت قيمتها 12.8 مليار دينار لتمثل 25 % من إجمالي واردات البلاد لخمس مجموعات.