التي ضربت المؤسسات في مقتل وجاءت لتزيد الوضع حدة وتعمق قلق الحكومات المتعاقبة وتحير مسديي الخدمات المالية في وقت اتسم بضبابية المشهد السياسي وتعطل المشاورات لتشكيل حكومة جديدة مازالت ملامحها لم تتبين بعد .فما هي الاولويات التي تنتظر حكومة الإنقاذ الجديدة؟ وماهي التحديات الكبرى التي ستواجهها في فترة صعبة بامتياز؟
رغم القفزة النوعية التي حققتها تونس في مسار الديمقراطية تحت مراقبة المجموعة الدولية، إلا أن الاصلاحات الاقتصادية تعثرت كثيرا وتضاعف القلق والحيرة بسبب عدم الاستقرار السياسي والتعقيد المالي والاقتصادي الذي اثر سلبا على الوضع الاجتماعي في البلاد فهبت جحافل المعتصمين والغاضبين لغلق المعابر والطرقات في حركات احتجاجية رافضة لاوضاعهم المزرية والتي ثاروا لتغييرها لكن لم تنلهم يد الاهتمام وزادت ظروفهم الاجتماعية تعقيدا وهو ما سيصعب لاحقا الوضع اكثر ويوحي بنتائج لا أحد بامكانه ان يتنبأ بحدتها وهنا على الحكومة القادمة ان تنتبه الى خطورتها وتتحرك سريعا لايجاد حلول اجتماعية لشعب عاني الامرين قبل وبعد الثورة التي اشعلتها المشاكل الاقتصادية وانعدام العدالة االجتماعية ولم تتحقق اهدافها فانهارت ثقته وتراجعت اماله التي لطالما علقت على حكومات متعاقبة لم تخدم سوى مصالحها الضيقة.
استعادة الثقة
الحكومة الجديدة مطالبة في مرحلة اولى باعادة الثقة لجهتين اولهمها ثقة المواطن في حكومته واسترجاع الطمانية والامل في تحقيق حلمه بالاستقرار والحياة الكريمة والسيطرة على وتيرة غضبه المتصاعدة والتي لن تنطفئ شرارتها الا بالتشغيل والتنمية وثانيهما اعادة ثقة كل المتدخلين في النسيج الاقتصادي بما في ذلك المستثمر المحلي و الاجنبي الذي يئس من مستقبل الاصلاح الاقتصادي في بلاد تتخبط كل يوم في قرارات ارتجالية وخاطئة غير مدروسة استشير بشانها افراد غير قادرين على تسيير دواليب دولة تختنق فضربوا من حيث علموا او لم يعلموا مصلحة المؤسسة وقدرتها على المساهمة في التشغيل والنهوض بالاقتصاد وضخ دماء جديدة في نمو قاب قوسين أو أدني من الانهيار الكلي خاصة بعد أن تراجع معدل النمو سالبا ب -6.5 % ونسبة مديونية تجاوزت 82 %.
استرجاع ثقة المستثمر اهم عنصر وجب على الحكومة الجديدة اعطاؤه حيزا كبيرا من الاهتمام من خلال مراجعة القوانين الارتجالية التي تم اتخاذها في وضعيات غير مدروسة لم تراع مصلحة المستثمر ولا الافراد في اقرارها وزادت في تعقيد وضعية المستثمر أو صاحب الشركة والذي يعتبر أحد المحركات الرئيسة للنمو وصمام الامان لمشغليه واغراقه بحزمة من القرارات والقوانين غير المدروسة من شانه ان ينعكس سلبا على الشغالين وبالتالي يولد ازمة اقتصادية واجتماعية مزد-وجة لا تملك البلاد لا الاليات ولا القدرة على مجابهتها وتحمل أعبائها في الوقت الراهن وهو ما يحيلنا الى انتيجة مفادها انه لن يتحقق نمو متواصل يرافقه انخفاض في الفقر، مالم يتم النهوض بالقطاع الـخـاص وتعزيز الياته.
هذا من جهة ومن جهة اخرى وجب تخطي سيناريوات وخرافات الدراسات والمشاورات المزعجة بتعلة النجاعة والضمان والقطع مع تعقيد الاجراءات الادراية وتسريع تنفيذ البرامج التنموية التي من شانها ان تحقق الاستقرار النفسي والمالي لمن ينخرطون فيها من عمال وكوادر واعوان كلت مفاصلهم من التلويح في الاحتجاجات والاعتصامات التي اصبحت خبزهم اليومي بين رغباتهم المكبوتة وحرياتهم المقهورة وبين حكومات لم تهتم الا بتلميع صورتها السياسية التي باتت باهتة جوفاء فكل من تسلم مقاليد الحكم بينت التجربة انه خدم مصالحه السياسية الضيقة على حساب شعب مهمش مفقر لم يجن من ثورة الحرية والكرامة غير التعب فزاد الفقر حدة وتأخرت الإصلاحات امام خنق وافشال كل محاولة بعث المشاريع الصغرى او المتوسطة التي انتهت اغلبها في مرحلة الدراسات الاولى بسبب صعوبة الحصول على الـقـروض والتمويلات البنكية وانتشار الـفـسـاد والولاءات وارتفاع حجم الـضـرائـب والـتـكـالـيـف الاداريـــة التي تجعل الـشـركـات الصغيرة والمتوسطة التونسية في معظمها فاشلة في تطوير كفاءاتها .
التكنولوجيا الرقمية
يجب أن تركز الحكومة الجديدة جلّ اهتمامها على ما يتعلق بمبدأ التشجيع على الانتصاب للحساب الخاص وبعث مشاريع شبابية بالأساس على التكنولوجيا الرقمية وهو ما يعتبر من بين التحديات الكبرى التي يجب العمل عليها بذكاء وبجدية خاصة وان التجربة اثبتت قدرة العقل التونسي خاصة لدى الشباب على الابداع والتميز في مجالات كبيرة رغم غياب التمويلات المالية والدعم فكم من شاب اختنقت احلامه بسبب ضعف الامكانيات وتعقيد الاجراءات.
لقد حان الوقت لمراجعة القوانين وبعث أنظمة تحفيز وتشريعات جديدة تشجع وتدعم المشاريع المطورة والمتجددة والتي من شانها ان تحسن أوضاع الشباب المبتكر وان ترقى بتونس الى مصاف الدوال المتطورة رقميا وتكنولوجيا ،هذا بالإضافة الى تعزيز دور الاقطاب الصناعية وتنفيذ اسـتـثـمـارات مشتركة بين الحكومة والقطاع الخاص تعزز انتشار الـمـعـارف بين اصحاب القرار والجهات الفاعلة في المراكز الصناعية مثل الشركات والمؤسسات العامة والـخـاصـة، ومـراكـز الـبـحـوث خاصة في المناطق محدودة الدخل والتي لا يمتلك أهلها غير الموارد البشرية واليد العاملة التي تنتظر تثمينها وتشريكها في الانتاج لمقاومة الفقر ومحاربة شبح البطالة، علاوة على غرس سياسة الاستثمار بهدف التصدير لإعادة انعاش العملة المحلية التي تراجعت وانهار سقف ادائها بسبب العديد من العوامل. .
بعيدا عن تداعيات ازمة الكوفيد 19 وما خلفته من ازمات وخسائر تكبدتها المؤسسات الاقتصادية في تونس ودفعت ثمنها البلاد فإن مجابهة الازمة الاقتصادية بجميع مراحلها وايجاد حل جذري لها أمر ممكن يتطلب برنامج انقاذ جدي يرتكز على عدة اسس من بينها بعث إستراتيجية وطنية للتشغيل من دعم قطاع بعث المشاريع وتخفيف سياسة جلد المؤسسات الناشطة واثقال كاهلها بالدفوعات والجباية غير المنظمة وتاسيس تقاليد جديدة ترتكز على تنمية المؤسسات الصغرى و المتوسطة لمحاربة الفقر وإدماج االاقتصاد التونسي في سلسلة القيم الاقليمية والدولية لتنفيذها علاوة على اصلاح الوظيفة العمومية والادارة واتباع سياسة جبائية معقولة وناجعة وتوزيع الدعم على مستحقيه والتسريع في فتح ملفات الفساد ومحاسبة المتورطين في اضعاف وافلاس الشركات الوطنية الضخمة في تونس وايجاد حلول جذرية لازمة فسفاط قفصة التي تجاوزت 480 مليون دينار والصناديق الاجتماعية التي شارفت على الافلاس بمعناه الخطير، بعيدا عن الحسابات الحزبية والسياسية الضيقة التي تتحكم في خيوطها بهلوانات مقرفة في مسرحية فاشلة الادوار والاداء.
وسط مخاوف من تداعيات أزمة «الكوفيد 19» على النسيج الاقتصادي: ما هي الأولويات التي تنتظر حكومة الإنقاذ الجديدة والتحديات الكبرى التي ستواجهها في فترة ستكون صعبة بامتياز
- بقلم زمردة دلهومي
- 09:42 05/08/2020
- 1279 عدد المشاهدات
مازالت تونس تعاني من وقع ازمات متلاحقة اقتصادية واجتماعية ومازال مسار اصلاحاتها متعثرا وسط مخاوف من تداعيات أزمة الكوفيد 19