فوضى الإجراءات الموجهة لمساندة المؤسسات: عندما تخطىء الحكومة الهدف وتناور بين السطور

تشتت تركيز الحكومة منذ بداية انتشار وباء الكوفيد 19 واستأثر هدف الحد من تداعياتها على الصعيدين الاقتصادي والاجتماعي

بالحيز الاكبر من برامج الدولة وقراراتها التي انصبت في مجملها على ضرورة خلق التوازن الاقتصادي والاجتماعي وسط المؤسسات التي ضربتها الازمة في مقتل. هذا الوضع جعل الحكومة تنساق إلى اتخاذ ترسانة من الاجراءات الظرفية لفائدة المؤسسات المتضررة بقيمة 2.5 مليار دينار - على أهميتها - أثارت جدلا كبيرا.

23 اجراء ذا طابع مالي وجبائي حسب ما ورد في خطاب رئيس الحكومة يوم 21 مارس وفي بلاغ وزارة المالية في ظاهرها عصا النجاة من غرق وافلاس محدق وفي باطنها استفهامات معقدة فتحت باب التأويلات السلبية امام الفاعلين في المجال الاقتصادي والمالي وتعامل معها الخبراء بحذر شديد.

لماذا اهتزت قرارات الدولة الموجهة الى المؤسسات الاقتصادية في جزء كبير منها ؟ وهل اخطات الحكومة الهدف وحلت فوضى الاجراءات ؟ وهل كان خطؤها اجرائيا ام استشاريا بامتياز؟ ولماذا ناورت بين السطور؟

نقاطا خلافية

حملت العديد من الاجراءات نقاطا خلافية معقدة في اغلبها فسرها تباعا الخبير المحاسب سفيان الوريمي في هذا التصريح الخاص بـ«المغرب».

قال الخبير ان رئيس الحكومة اعلن يوم السبت 21 مارس 2020 عن مجموعة من الاجراءات الظرفية الموجهة لحماية الأفراد والمؤسسات ومنذ ذلك التاريخ وبانتظار التفويض لم يتم اصدار أي نص قانوني الى غاية يوم 14 افريل، تاريخ صدور أول النصوص ورغم دقة الظرف الذي تعيشه المؤسسات وحاجتها الملحة الى الدعم لم يصدر النص الذي يحدد ظوابط الانتفاع الا يوم 8 ماي الجاري، وهو ما طرح سؤال لماذا تاخرت الحكومة والحال انها اجراءات عاجلة ؟؟ وأكد أن أغلب الإجراءات صدرت نصوصها القانونية وغابت الترتيبية واخرى مازالت نصوصها لم تتقرر بعد وحتى التي صدرت تضمنت اشكاليات متعددة، اولها تأجيل إيداع التصاريح المتعلقة بالضريبة على الشركات إلى موفى ماي 2020 باستثناء الشركات الخاضعة لنسبة 35 % من الضريبة على الشركات،فقد تم تفعيله مباشرة بقي الاشكال الوحيد في بقية التصاريح باعتبار ان المؤسسات بصفة عامة تلتزم بالتصاريح الشهرية وتصريح المؤجر وهو ما تم تاجيله تباعا وعلى امتداد اشهر مما اثار قلق الخبراء المحاسبين وزاد في اعباء التزاماتهم تجاه المؤسسات خاصة مع ضوابط تقييد الجولان الى حدود 4 ماي.

معايير موضوعية

بالنسبة للمؤسسات الأكثر تضررا قال الخبير سفيان الوريمي انه تم إنشاء خلية إحاطة ودعم على مستوى رئاسة الحكومة تعنى بهذه المؤسسات، وتتكون من ممثلين عن وزارتي المالية والشؤون الاجتماعية والبنك المركزي والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليديّة والاتحاد العام التونسي للشغل والجمعية المهنية للبنوك والمؤسسات المالية والاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري. من صلاحيتها الموافقة وتحديد المؤسسات المتضررة من غيرها ومنح الامتيازات بالاعتماد على المعطيات الواردة بالمنصة الالكترونية التي انطلقت يوم السبت الماضي، وعقدت هذه الخلية اولى اجتماعاتها يوم الثلاثاء وللاسف لم يتم خلالها معالجة أي ملف بل مجرد الاشارة الى التسريع في النظر، والسؤال المطروح لماذا تم بعث هذه اللجنة والحال ان المرسوم الذي حدد المؤسسات المتضررة كان واضحا بمعايير موضوعية.

أما في ما يتعلق بتمكين المؤسسات المتضرّرة من جدولة ديونها الجبائية على مدة تصل إلى 7 سنوات، قال الخبير انه لم يتم الى اليوم اصدار أي نص بشانه مازاد في قلق كل المؤسسات خاصة تلك التي تامل تاجيل بعض التزاماتها المتعلقة بجدولة دينها. هذا من جهة ومن جهة اخرى فان
تمكين هذه المؤسسات من تعليق العمل بخطايا التأخير في دفع الأداء لمدة ثلاثة أشهر ابتداء من غرة أفريل إلى 30 جوان 2020،على اهميته فانه والى حدود شهر ماي لم يتم تفعيله ولا الانتفاع به ورغم ان هذا الاجراء عاجل وظرفي فان القانون يؤكد على ان ضرورة ايداع جميع التصاريح الى موفى شهر فيفري، مما يبين تضاربا وتناقضا لا مبرر له .

اشكال اخر اشار اليه و يتعلق في نقطة التيسير لهذه المؤسسات في إجراءات استرجاع فائض الأداء على القيمة المضافة Crédit TVA المتأتّي من الاستغلال دون اشتراط استرساله لمدّة 6 أشهر على أن يتمّ الخلاص في أجل لا يتجاوز الشهر، مؤكدا انه وعلى اهميته فان النص القانوني الخاص به لم يذكر مدة الاجل وهو ما سيمثل عائقا جديدا في التعامل مع الادراة التي لن تجد قانونا تستند اليه .

علاوة على ما تقدم فقد تم تمكين هذه المؤسسات المتضررة من الحصول بصفة استثنائية على شهائد توقيف العمل بالأداءات والمعاليم وغيرها من الشهائد الجبائية بصفة حينية دون الإدلاء بالوثائق اللازمة شريطة التعهد بتقديمها لاحقا،ومن شروط الانتفاع ان يتم ايداع كل التصاريح والإدلاء بما يفيد باستعمال كل القسائم السابقة ولم يتم الى حدود امس اصدار أي نص قانوني ولم يتم اعلام مكاتب مراقبة الاداءات التي مازالت تطالب بتقديم الوثائق الجاري بها العمل

استأثر القطاع السياحي بدوره بكل مكوناته بحيز كبير من الاجراءات حيث تمّ إحداث آلية لضمان قروض جديدة للتصرف والاستغلال والصيانة المسندة من قبل البنوك إلى غاية 31 ديسمبر 2020 تسدد على مدة 7 سنوات منها سنتي إمهال. وقد حدد مبلغ هذه القروض الجديدة بـ 500 مليون دينار، قال الخبير انها في خطاب رئيس الحكومة موجهة للقطاع السياحي أما في المرسوم وردت خاصة بالمؤسسات المتضررة الكل. ،وقد تم اصدار المرسوم،المتعلق بها تنقصه الاتفاقية مع الشركة التونسية للضمان اللي ينص عليها المرسوم كما ينقصه منشور البنك المركزي.

غياب التفعيل

قال الخبير سفيان الوريمي ان الانتفاع باغلب الاجراءات التي تم الاعلان عنها ارتبطت باجل يتواصل الى غاية 31 ديسمبر 2020 غير المرسوم المتعلق باحداث المنصة الالكترونية يؤكد على ان الاجل لا يمكن ان تتجاوز 30 ماي وهذا لوحده اشكال اخر.

وبالنسبة للمؤسسات الصغرى والمتوسطة فقد تم اصدار كل النصوص المتعلقة باجراء تخصيص اعتماد إضافي بمبلغ 300 مليون دينار لتدعيم موارد خطّ دعم ودفع المؤسسات الصغرى والمتوسطة،بانتظار منشور البنك المركزي الذي تأخر كثيرا.كذلك الشان بالنسبة لإجراءات الانتفاع بامتياز تكفل الدّولة بالفارق بين نسبة فائض قروض الاستثمار ومعدّل نسبة الفائدة بالسوق النقديّة في حدود 3 نقاط ،فقد تم اصدار كل النصوص المتعلقة به ولم يتم الى حد الآن تفعيله.

ختم الخبير تعليقه على الاجراءات الموجهة للمؤسسات بالاشارة الى نقطة مهمة تعلقت بإحداث صندوق استثماري بمبلغ 500 مليون ديناربمبادرة من صندوق الودائع والأمانات (CDC) يهدف إلى تمويل الشركات الاستراتيجية باستعمال أدوات شبيهة بالأموال الذاتية (quasi-equity) لتدعيم الموارد الدائمة للشركات التي تحافظ على مواطن الشغل، وهو لم يتم تحديده الى الان بأي نص.
اشار الخبير الى ان النقطة 14 في الاجراءات المحدثة من قبل الحكومة بدورها تضمنت اشكالا اجرائيا حيث ينص المرسوم على إحداث صندوق استثمار بمبلغ 100 مليون دينار بمبادرة من صندوق الودائع والأمانات يخصص حصريا لإعادة شراء مساهمات صناديق الاستثمار بالنسبة للمؤسسات الناشطة في المجالات الاستراتيجية والتي تمرّ بصعوبات(Fonds relais) وهو اجراء غير منطقي على اعتبار ان الدولة ستغرق في التزامات اخطر واكبر من طاقة تحملها ومازال لم يصدر بشأنه أي نص قانوني.

وأفاد الخبير المحاسب سفيان الوريمي في اخر تصريحه للمغرب ان هذه الاجراءات في مجملها على غاية من الاهمية الا ان الحكومة قد ناورت واخطات الهدف في التعامل جبائيا وماليا مع المؤسسات المتضررة وبدل مساعدتها على تجاوز صعوبة الوضع اغرقتها في دوامة من الاجراءات المتسرعة .

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115