اليوم المدمر لصناعة النفط العالمية: أسبابه العميقة خلفياته وانعكاساته على الاقتصاد الوطني

عرفت أسعار النفط في الأسواق العالمية انهيارا تاريخيا، اثار موجة قلق كبيرة وتخوفات ارعبت كبرى اقتصاديات العالم واربكت موازين العرض

والطلب خلال يوم مدمر لصناعة النفط بكل المقاييس، وكان هذا التراجع المدوي للأسعار خبرا تناقلته جميع الاوساط الفاعلة في مجال الاقتصاد العالمي والطاقة متسائلين حول اثاره وانعكاساته على الدول المنتجة وغيرها من الدول المستهلكة والأسباب التي ادت الى التارجع غير المسبوق .فما هي اسباب هذا التراجع؟ وماذا توقع المحللون ؟؟ وانعكاساته على الاقتصاد الوطني ومدى استفادة تونس من هذا الارتجاج التاريخي لأسعار الذهب الاسود.

عصفت ازمة الكوفيد 19 بجميع مفاصل الاقتصاد العالمي والمحركات الاساسية للنمو والثروة حيث انهارت اغلب المصانع العالمية وشهدت خسائر غير مسبوقة بعد ان وجدت اغلب الدول نفسها مجبرة على الالتزام بالحجر الصحي الذي كان مفروضا لتطويق الفيروس والتحكم في انتشاره. ونتيجة لذلك شهد سعر النفط بدوره انهيارا وتارجعا غير مسبوق متعرضا لضغوطات كبيرة من حيث الطلب والعرض امام فائض انتاج ضخم، لم يقرا له حساب صاحبه عزوف كبير عن الشراءات خاصة من قبل الصين المستهلك الاكبر للخام في العالم و المسيطر على الطلب و اول المتضررين ايضا من فيروس كورونا بعد غلق حدودها ومنع السفر ؛ مما أثر بشدة على نشاطها الاقتصادي فقل طلبها وهو من بين العوامل التي دفعت أسعار النفط خلال الأسابيع الأخيرة إلى النزول لأقل مستوياتها على مدى عقود ، دون اعتبار اسباب اخرى منطقية سنتطرق اليها تباعا.

يتوقع بعض الخبراء استقرار الاسعار المتدنية حاليا ربما الى نهاية السنة بسبب عدة عوامل من بينها وجود مخزون كبير لدى الدول المستهلكة للخام سواء كان في المخازن المعدة او على الناقلات الضخمة على غرار الصين التي تمتلك اكبر طاقة تخزين نفط قادرة على استيعاب 600 مليون برميل بالإضافة الى ان اغلب الدول المستهلكة استفادت سابقا من التراجع الذي شهدت اسعار النفط فقامت بتوفير مخزونها التعديلي او الاضافي لتامين حاجياتها دون ان تقرا حساب لهذا التراجع المفاجأ عن الطلب الذي قدر ب 60 بالمائة بسبب خرق بعض الدول المنتجة لاتفاق التخفيض في الانتاج او استقراره الى غاية مرور الازمة التي عصفت بالسياسات الاقتصادية في العالم وجميع الخطط الاستراتيجية التي تم وضعها لمواصلة العمل تدريجيا والى حين عودة الاتنتاج الفعلي.

الأسباب التقنية
انهار سعر نفط «الواست تكساس» West Texas أمس ب نحو -37 دولار في انخفاض غير مسبوق وهو خام النفط الامريكي الذي يتم استخراجه اساسا من «تكساس ولويزيانا وداكوتا الشمالية» وهو الانتاج المرجعي المعتمد بدرجة اولي في البورصة لعدة اسباب منها الظرفي ومنها التقني وما حدث امس ان منصة التداول «fond de placement لشراءات البترول ما يعبر عنه « United States Oil « والذي يقتني 25 % من انتاج نفط خام West Texas انهى امس عقده لشهر ماي وهو ما اثار هلعا في صفوف الشركات المنتجة للبترول التي تيقنت ان هذا الصندوق اذا توقف عن شراء المنتجات النفطية سيسبب لهم صعوبات كبيرة وبالتالي كان الزاما التخفيض الكبير في سعر البرميل لان توقف الانتاج سيكلفهم ثمنا باهضا ويتسبب لهم في خسائر مالية جسيمة في علاقة بالمستحقات التي سيدفعونها مقابل تعاهداتهم مع شركات اخرى لتوفير وسائل الانتاج النفط علاوة على نقص اليات التخزين مما يدفعهم إلى استئجار ناقلات ضخمة لتخزين الفائض، وبالمقارنة مع ما سيكلفهم التجئوا الى خيار التخفيض المجنون مع اغراءات مالية على كل الشراءات، بدفع أموال للمشترين حتى يتخلصوا من المخزون المتوفر لديهم، والذي يفوق طاقة التخزين والاحتواء وهذا الحل في نظرهم كان الامثل لان مفعول الخسارة التي سيتكبدونها عند البيع اقل بكثير مما قد يدفعونه من مستحقات التخزين والتوقف وهي استراتيجية ذكية ولا احد بإمكانه الاستخفاف بقرارات المتحكمة في انتاج البرترول في العالم.

التامين على الاسعار «Hedging»
لم يكن هذا التراجع في اسعار البترول على حدته امس الاول حيث شهد انتاج البترول في كازاخستان خلال الشهر الماضي تراجعا كبيرا واثر سلبا على اسعار التداول ولكنه لم يشهد هذا الجدل ولم يسترع اهتمام العالم كما هو الشأن اليوم على اعتبار ان West Texas علاوة على ارتباطه الكبير بالمستثمرين الكبار في العالم وصناديق الشراءات والتجميع الضخمة هو يعتبر من اساسيات المنتجات المعروضة في بورصة نيويورك والمحددة لنشاطها والمؤثرة في السوق المالية العالمية هذا من جهة ومن جهة اخرة فان اغلب او جميع الشركات المنتجة للنفط في امريكا تخضع لعملية التامين على الاسعار تحدده اليات واتفاقيات معينة او ما يسمى بالتحوط اي بلغة السوق العالمية ال «Hedging» وهي اتفاقات تحدد نظريا ، توقعات الاسعار والبيع بالنسبة للمنتجين وتحميهم من انخفاضات السوق من خلال السماح لهم بتثبيت سعر معين للنفط وهي إحدى الطرق التي تمكن الشركة من اخذ احتياطها من الاناتج او بشكل من الاشكال شراء حد أدنى للسعر (يسمى خيار البيع) ثم تعويض تكلفة هذا الحد عن طريق ما يعبر عنه بتقنية او الية بيع سقف وهذا الخيار لم تعتمده اغلب الشركات المنتجة للنفط مؤخرا او لنقل اعتمدت اسعار في عقودها لم تتوقعها زادت في حدة خسائرها وعمقت مخاوفها من فائض الانتاج الذي لم يسبق له مثيلا .

الاقتصاد الوطني
في الواقع ان كل ما تحدثنا عنه من تراجع وانهيار سعر نفط الواست تكساس West Texas الذي بلغ امس في -37 دولار لن تكون له تأثيرات على الاقتصاد الوطني لان تونس لا تعتمده اصلا ولا تستورده بل هي تعتمد على توريد كميات بسيطة جدا من النفط الخام لاستهلاك «ستير جرزونة» تتزود منه بمعدل باخرة كل شهر او شهرين من جمهورية أذربيجان بعد توقف عقود التزود السنوية من حقل «سدرة « الليبي لعدة اعتبارات. وبالتالي فرضية الانتفاع من تراجع هذا المنتج النفطي بالذات غير مطروحة والسؤال المطروح في هذا الشان هو اين يكمن ربح الدولة التونسية في تراجع سعر النفط عموما وانعكاساته على الاقتصاد الوطني.

يعلم الجميع ان تونس تستورد ما يفوق 50 % من احتياجاتها النفطية، وهي تستورد بالاساس منتجات النفط اوما يعبر عنه بالمشتقات من وقود لتشغيل المصانع وغيرها من مستلزات الطاقة في الحياة اليومية للمواطن والمصنعين وانخفاض سعر برميل النفط الذي تراوح بين 28 الى 29 دولار سيؤدي إلى التخفيض من كلفة استيراد المواد النفطية التي ترتبط اسعارها مباشرة بأسعار النفط البرنت العالمية وهو ما سيمكن من توفير مداخيل إضافية تساهم في قيمة انخفاض الدعم الموجه للمحروقات ونشير هنا الى ان ميزانية الدولة لسنة 2020، كانت قد اعتمدت فرضية سعر 65 دولارا للبرميل الواحد. علما وان تراجع سعر البرميل الواحد من النفط بدولار واحد يوفر 120 مليون دينار سنويا وفي مثل التراجع المسجل اليوم بنحو 30 دولار سيكون الربح ب 4 مليار دينار سنويا وفق ما يحدده الخبراء وبالتالي وإذا ما تواصل الانخفاض الى نهاية السنة فان الدولة ستتمكن بفعل هذا التراجع الى توفير ميزانية الدعم الموجهة للمحروقات كاملة علما وان الدولة تمكنت من توفير نحو 900 مليون دينار بسبب استقرار سعر البرميل في حدود الاربعين دولار مع بداية الثلاثية الاولى من السنة.

المشاركة في هذا المقال

من نحن

تسعى "المغرب" أن تكون الجريدة المهنية المرجعية في تونس وذلك باعتمادها على خط تحريري يستبق الحدث ولا يكتفي باللهاث وراءه وباحترام القارئ عبر مصداقية الخبر والتثبت فيه لأنه مقدس في مهنتنا ثم السعي المطرد للإضافة في تحليله وتسليط مختلف الأضواء عليه سياسيا وفكريا وثقافيا ليس لـ "المغرب" أعداء لا داخل الحكم أو خارجه... لكننا ضد كل تهديد للمكاسب الحداثية لتونس وضد كل من يريد طمس شخصيتنا الحضارية

النشرة الإخبارية

إشترك في النشرة الإخبارية

اتصل بنا

 
adresse: نهج الحمايدية الطابق 4-41 تونس 1002
 
 
tel : 71905125
 
 fax: 71905115